محمد الغربللي : الكتابة «السمّارية»

مراقبليس خطأ في العنوان ولا يُقصد به الكتابة المسمارية، التي اكتشفت في بلاد الرافدين، وكانت أداة التعبير الكتابية في الحضارة السومرية، وتم استخدامها قبل الكتابة الأبجدية بألف وخمسمائة عام.

لا نقصد هذه الكتابة في العنوان، بل هي استعارة لمثلنا الشعبي «لا يغرك شراعه تراه سمّارى»، وهي تعني السفينة التي تسير على غير هدى، على الرغم من أشرعتها المرفوعة.

قائد السفينة لا يعرف الاتجاه، وليس لديه بوصلة لتحديد الاتجاهات والسير بالسفينة، كما أنه يفتقر إلى القدرة على قراءة النجوم والسير وفق اتجاهها، قلة المعرفة هذه ستؤدي بالسفينة إلى الضياع، بقيادة فقيرة، حتى بوجود أدوات الإبحار اللازمة للسير بها إلى المرفأ أو بر الأمان.

هكذا هي بعض الكتابات السمّارية تسير على غير هدى أو دراية بالاتجاهات، والحقيقة أنها تكون متعمدة أحيانا، لكن نفترض الجهل بالشيء، وليس التعمد.

نستطيع القول إن الكتابة السمارية تتمثل في ما يتم تداوله في الإعلام الممول من جهات، ضمن حملة متواصلة لخلق الأحداث والحكايات، في ظل شبه انعدام للحرية وإبداء الآراء والإحاطة بالصورة الكاملة من دون انتقاص في المعلومة.

الأموال حاضرة ومتوافرة لمثل هذه الحملات الإعلامية الكاذبة. كلنا يتذكر تلك الحملة التي دارت منذ سنوات بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق، وتبيَّن وفق المعلومات التي تناولها الصحافي المرموق الذي اكتشف العديد من الفضائح الأميركية سيمون هيرش، أن جهاز الاستخبارات التركي هرَّبها إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا، لاستخدامها هناك، من أجل إيصال الرئيس أوباما إلى الخط الأحمر الذي أعلنه في وقت سابق للدخول إلى سوريا، في حال استخدام الأسلحة الكيماوية.

أيضا الكتابة السمارية، ومن واقع الحملة الإعلامية الممولة التي كانت سائدة استخدمت تلك المعلومات من دون تمحيص أو دراية.. تذهب الكتابة السمارية إلى حد تحديد القتلى السوريين، ونسبة من قتلهم التنظيم الإرهابي، ومن قتلوا على يد النظام، وهذا يذكرنا بتصريح رئيس الوزراء البريطاني، الذي ذكر أن المقاتلات الروسية لم تقصف إلا 5 في المائة من «داعش» في اليوم الأول من القصف في سبتمبر الماضي، وكأنه يمتلك إحصاء دقيقاً لتحديد النسبة.

منذ اليوم الأول كانت الاستخبارات الإقليمية جاهزة للتدخل لتغيير النهج السياسي، وظلت محافظة حلب أكثر من سنة هادئة، حتى دخول الاستخبارات التركية، لتأجيج الوضع، وليس بعيداً المقابلة التي أجراها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما في إحدى المحطات التلفزيونية وحكى فيها عن دعوته من قبل الدوائر البريطانية للمشاركة في إطاحة النظام السوري منذ عام 2009.

حتى لا تأتي الكتابة «سمارية» ولا تختل الاتجاهات وتضيع السفن، ينبغي أن تحصن الكتابة بالبوصلة وأدوات الملاحة الأخرى.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.