الأخ الأذينة.. مهلاً فالخصخصة ليست «صرعة»!

خصخصة الخطوط الجوية الكويتية مثال على إخفاق هذا التوجه
خصخصة الخطوط الجوية الكويتية مثال على إخفاق هذا التوجه

محمد الغربللي:
كان لافتاً، ما صرَّح به رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات م.سالم الأذينة، لصحيفة «الجريدة» في عددها الصادر 1 فبراير، بالقول إن «الهيئة تتجه إلى خصخصة قطاع الاتصالات بوزارة المواصلات، الذي يشمل البنية التحتية والهواتف المنزلية والمقاسم ومحطات إنزال الكوابل الدولية»، مشيراً إلى أنه «لا توجد دولة في العالم يكون فيها هذا القطاع تحت مظلة الحكومة».. وأمام هذا التصريح لدينا عدة ملاحظات بشأن ما يسمى جزافاً بالخصصة التي تنتهجها الحكومة.

فالخصخصة تتم في الدول المتقدمة والراسخة ديمقراطيا، والتي تعمل بمنتهى الشفافية، وفق ضوابط محددة، منها تشغيل العمالة الوطنية، وإيجاد عدد من الوظائف يتم الالتزام بها في السنوات اللاحقة على التخصيص، كما أن تقييم الأصول الخاصة بالمؤسسة المراد خصخصتها تتم بكل شفافية وأمانة واقتدار، أما لدينا، فهناك عدة أمثلة على ما يسمى – مثلما قلنا جزافا- بالخصخصة، وهي أقرب إلى بيع أصول من دون ضوابط أو شروط، من شأنها أن تخدم الاقتصاد الوطني.. فمثلاً محطات الوقود التي بيعت تم التخلص من الكادر الوطني، ليتم إحلال العمالة الآسيوية ذات الرواتب المتدنية – التي لا تتعدى 20 دينارا شهريا- محله، وللتغلب على الالتزام بنسبة العمالة الوطنية المفروضة على المستثمرين جرى التعاقد مع متعهدين، لتوفير هذه العمالة، من خلال عقود مبرمة بين المحطة ومقاول الأنفار، لكي يتخلصوا من مشكلة أن يسجل هؤلاء العمال على إقامتهم وعلى جدول الرواتب لديهم، أي أنه نوع من التهرب بالالتزام بنسبة العمالة الوطنية.

سالم الأذينة
سالم الأذينة

بيع أصول

أيضا لا نتحدث عن قيام هيئة الاستثمار ببيع مساهمات لها بصورة ملكيتها الكلية للشركة، أو بنسبة ما تساهم فيه بالشركة، فهذه عملية بيع أصول ملكية، وليست خصخصة كما تم تصويره، وهذا ما حدث بالنسبة لشركة تعليم قيادة السيارات، وشركة المنتجات الغذائية عندما قامت الهيئة ببيع ملكيتها في تلك الشركات وبشركات أخرى تتفاوت مساهمتها بها، وهي في النهاية بيع ملكيات أصول لها في تلك الشركات، وليس خصخصة كما يتم الادعاء.

«الخطوط الكويتية»

أما المثل الآخر في هذا الاتجاه، فهو مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، التي صدر بها قانون منذ ثماني سنوات، وها نحن ندخل في السنة التاسعة هذا العام، والعملية شبه متوقفة، فلم تتحول المؤسسة إلى شركة مساهمة عامة، ولم تعد أيضا مؤسسة حكومية، ولا تزال العقول حائرة في كيفية التعامل معها والرسو على نهج ما بشأن ما إذا كانت شركة أو مؤسسة، وكان يعتقد أن العملية سهلة جداً، وبموجب القانون الصادر في يناير 2008 وضعت مدة سنتين كفترة قصوى لتنفيذه.

عملية صعبة

أما بالنسبة لما طرحه م.الأذينة، فنرى أن العملية ستزداد صعوبة أكثر من موضوع خصخصة مؤسسة الخطوط الجوية من عدة نواحٍ، أولاها كيفية تقييم الأصول الخاصة بالاتصالات، ولاسيما الجانب الفني منها، كالشبكة الهاتفية والمقاسم، وغيرها من الجوانب الفنية الأخرى، وهناك أيضا صعوبة في تقييم اشتراكات الأفراد والشركات من واقع الاشتراك السنوي، فالأفراد يستحق عليهم 30 دينارا سنويا، والشركات 70 دينارا، وهذه الرسوم يمكن إحصاؤها بسهولة من واقع عدد المشتركين الحاليين، لكننا نفترض أيضا احتساب أعداد المشتركين القادمين للسنوات الخمس أو العشر المقبلة، من واقع معدلات الاشتراكات للفترة المقبلة.

فعملية الاشتراك في خطوط الهاتف غير متوقفة، بل تزداد، سواء للأفراد، نظرا للتمدد الإسكاني، أو الشركات، من جراء تكاثرها وزيادتها، وكل ذلك يفترض أن يتم احتسابه عند إعلان نية بيع أصول مؤسسة الاتصالات.

أسئلة مستحقة

الملاحظة الأخرى، أنه في حال البيع، هل سيكون للشركة التي سوف تستحوذ على «الاتصالات» الحرية في تحديد الاشتراكات على الأفراد والشركات بتسعيرة جديدة، أم ستكون هناك ضوابط محددة لا تخرج عنها؟ وهل سيتم احتساب وقت المكالمات في الهواتف الأرضية، كما هي الحال بالنسبة للهواتف النقالة، أم سيكون الاتصال الداخلي بالهواتف مجانا، كما هي الحال الآن؟

وهل سيتم بيع شبكة الاتصالات الهاتفية الأرضية لشركة واحدة، علما بأن هذا يتنافي تماماً مع قانون الاحتكار؟ أم سيتم تأسيس عدة شركات، كما هي الحال بالنسبة لشركات الهواتف النقالة؟

وهل سيتم إلزام الشركات أو الشركة التي ستستحوذ على شبكة الاتصالات بتوظيف 50 في المائة من المواطنين، وفقا للمادة المتعلقة بذلك في شركة الخطوط الجوية أو يترك لها المجال بالتصرف كيفما تشاء؟

العملية ليست بتلك الصورة التي صرح بها المهندس الأذنية، فأساس الخصخصة كفكرة في العالم الرأسمالي المتقدم تعتمد على تحسين نوعية الخدمة أو الإنتاج، وخلق فرص عمل بالتبعية للمواطنين من البلد، وليس جلب عمالة رخيصة وإنهاء خدمات مواطني الدولة، وليس بالضرورة أن يصاحب عملية الخصخصة نجاح دائم، أو ما يضمن النجاح، فهناك العديد من الشركات التي استحوذت على مرافق من القطاع العام، وأدت إلى تفاقم الأوضاع فيه، من جراء انعدام الضوابط أو تحديد أوضاعها المالية، ما أفضى إلى الوقوع في أزمات شديدة ذات عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني.

الخصخصة ليست حلاً سحرياً لمعالجة القصور أو الأخطاء أو التراكم الوظيفي أو تردي الخدمات، كما أنها ليست «صرعة» يتم تقليدها بعيداً عن ظروف الدولة، فالعملية تحتاج إلى دراسة وتعمق، وليست بالخفة، كما يتم تصويرها.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.