
محمد الغربللي:
قدَّمت وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا استقالتها لرئيس الجمهورية فرانسوا هولاندا الأسبوع الماضي، احتجاجاً على اقتراحه، تعديل مادة دستورية تجيز سحب الجنسية من الفرنسيين مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون أعمالا إرهابية في فرنسا، وذلك عقب أحداث نوفمبر الماضي.
الوزيرة أبدت معارضتها لهذا الإجراء، لأنها ترى أن الجنسية حقاً أصيلاً للمواطن، لا يمكن سحبه منه، كما أن مثل هذا الإجراء سيجعل هناك نوعين من العقوبة الجزائية على مرتكبي الأعمال الإرهابية، نوعا على الفرنسيين من أصول فرنسية الذين لا يمكن سحب الجنسية منهم، وآخر على غيرهم ممن حصلوا على الجنسية الفرنسية الذين يمكن أن تسحب جنسيتهم منهم (وفق اقتراح الرئيس)، مع أن الجرم واحد عند ارتكابه.
الفرنسي سيتعرض للعقوبة الجزائية، بينما سيتعرض المجنس لها وفوق ذلك ستسحب جنسيته، وفي ذلك تفرقة صارخة بالقوانين.. الرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه ماضيان في هذا التعديل، نوع من التملق لتيار يميني لدى الشعب الفرنسي ضد المسلمين والعرب عامة، والانتخابات الرئاسية قادمة عام 2017، والبطالة في ازدياد، كما أن التذمر مستمر، ولابد من كسب الأصوات، حتى لو نودي بإجراءات متطرفة.. هم ماضون بهذا الاتجاه ومصرون عليه، علماً بأن اليمين المتطرف ممثلا بالجبهة الوطنية سبق أن دعا لاتخاذ مثل تلك الخطوات، قبل اعتداءات باريس وخلال كل حملته السياسية إبان الانتخابات البرلمانية كان ينادي بوقف الهجرة.
توبيرا الوزيرة المولودة في غويانا الفرنسية رفضت هذا التوجه اليميني، باعتبارها تمثل التيار اليساري في الحزب الاشتراكي، لكن أمام إصرار الرئاسة على هذا التعديل الدستوري لم تملك إلا أن تقدم استقالتها، خرجت من مبنى وزارة العدل وارتدت خوذتها الحديدية، وركبت دراجتها الهوائية «بايسكل»، من دون حراسة، ويحيط بها جمع من الصحافيين والعاملين في وزارة العدل وعدد من الجمهور.
غادرت على دراجة، كما تفضل، لا موكب أو حراسة، رافضة هذا النهج اللاإنساني، والأقرب لليمين المتطرف.
وزير العدل الآخر الذي يتولى ذات المنصب هو المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري، ظهر في مقابلة تلفزيونية على إحدى المحطات الفضائية، وقال نصا في تلك المقابلة التي شاهدها الملايين: «أنا أعتقد أن شهداءنا الأبرار لا يكفينا فيهم 400 ألف إرهابي، وأقسم بالله العظيم أنا شخصيا لن تنطفئ نار قلبي إلا إذا كان مقابل كل شهيد 10 آلاف من الإخوان ومن معهم»!
لاشك أننا جميعا ضد الأعمال الإرهابية بالمطلق، لكن أن تصدر تصريحات على هذه الشاكلة من أحد الوزراء، ففي ذلك إساءة لمصر كحكومة وكنظام.. فهذا الوزير لا يمثل نفسه في هذا المنصب، بل يمثل النظام، كما أنه الوزير المكلف حماية وصيانة العدالة، وليس رجل شارع، لا تؤخذ تصريحاته على محل الجد أو المسؤولية السياسية.
فشتان بين أفعال وتصريحات وزرائنا، وأفعال وتصريحات وزراء الدول الديمقراطية التي تعنى بالفعل بحقوق الإنسان.
إن تصريحات تحمل طابعا هستيريا على هذه الشاكلة لن تحمل السلم والأمان الأهلي إلى مصر.. فمبدأ الثأثر نهج بدائي يفترض ألا يصدر من مسؤولين في أكبر دولة حضارية عربية.