
توقفنا في المقال السابق عند عاملين اثنين حول الإخفاقات الشبابية، وتناولنا فيه غياب البرنامج الوطني، المبني على تفسير واضح ودقيق للأزمات التي يعانيها المجتمع الكويتي، وكذلك ضعف الارتباط مع القوى والتنظيمات السياسية، واليوم نواصل الحديث عن عوامل أخرى، سواء أكانت داخلية ذاتية، أم خارجية مؤثرة، تبرز جوانب سلبية أخرى مهمة.
العامل الثالث في فهم مشكلة الشباب يكمن في تبنيه مسألة الصراع القبلي والطائفي المخيف، وهنا نرجع إلى ما يدور في القطاع الطلابي، وما نشاهده من إفرازات في الانتخابات الطلابية، الذي هو انعكاس طبيعي لما يحدث في المجتمع الكويتي، الذي أصبح فيه الولاء للقبيلة والطائفة أعمق وأكبر، وتصديره للقوائم الطلابية التي باتت هي الأخرى تعلن صراحة دعم القبيلة الفلانية، وتزكيتها لمن يمثلها في القائمة الفلانية، بل وذهب الأمر إلى أن يصبح من يدفع كثيرا يتبوأ منصباً طلابياً أكبر، وفق ما ذكره لي أحد الزملاء من العناصر الطلابية.
وهذا الأمر يعني تكريس حالة الانقسام في المجتمع الطلابي، الذي يفترض فيه أن يكون المتصدي الأول لمثل هذه السلوكيات نحو تعزيز مفاهيم المواطنة الحقيقية، ما يتطلب معالجة ذلك.
ونشير في هذا السياق إلى نتائج الدراسة البحثية الاستطلاعية التي أجراها د.علي وطفة على عينة عشوائية من طلبة جامعة الكويت، خلص فيها إلى أن 72 في المائة منهم يرون أن الولاء للقبيلة يعزز من الوحدة الوطنية، و63.8 في المائة يرون أن الولاء للطائفة يعزز من الولاء للدولة، حيث أكد أن هذه المعتقدات على مستوى الوعي الطلابي «كارثية»، وتهدد مقومات المواطنة وركائز الوحدة الوطنية، فالطائفة والقبيلة عنصران متضادان للهوية الحضارية للدولة الحديثة وعاملا فرقة وتقسيم للمجتمع.
أما العامل الرابع، فيتمثل في سيطرة مفاهيم «العولمة»، التي تكرس مفاهيم الاستغلال والاستهلاك والسيطرة الاقتصادية، والانجراف نحوها بشكل مخيف، بحجة الانفتاح العالمي، في ظل التطور التكنولوجي الهائل وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى ظهور قيم اجتماعية جديدة تعتمد على النزعات الاستهلاكية غير المنتجة، وأضحت «المُثل العليا» تتمحور حول الكسب المادي، من خلال ما يطلق عليها «المشاريع الصغيرة»، ذات الإطار النفعي، وفق الفكر «الليبرالي الجديد»، التي تفتقد المفهوم الإنتاجي والتوزيع العادل للثروات واحتكارها بيد الأقلية.
هذان العاملان، ولاسيما الثاني منهما، لهما تأثيرهما الواضح على الأداء الشبابي العام، وانخفاضه، ويمكن أن يقدما وجهاً مغايراً للصورة الجميلة الحالمة التي كان يتمناها البعض، بل ويراهن عليها، لكن على الرغم من ذلك، فإن الآمال لا تزال قائمة وباقية، فهناك فئات شبابية قادرة على حمل قضيتها والدفاع عنها.
.. وللحديث بقية.