
كتب إيهاب علام:
قبل أن يودعنا عام 2015 بأيام قليلة، نظم العشرات من أعضاء حملة «متى نسكن؟»، بمشاركة أعضاء من المجلس البلدي، اعتصاماً أمام مجلس الأمة، للمطالبة بوقف طرح أرض خيطان في المزاد، باعتبار ذلك مخالفاً للدستور.
واعتبر رئيس الحملة مشعان الهاجري، أن طرح أرض خيطان في المزاد، بمثابة تخصيصها لفئات معينة تملك القدرة المالية على دفع المبالغ الكبيرة للاستحواذ على الأراضي، واصفاً ذلك بعدم العدالة والإنصاف بحق كثير من المواطنين الذين يقفون في طابور الانتظار منذ سنوات طويلة.
وأشار الهاجري إلى أن الحملة طرحت قضية أرض خيطان على الكثير من نواب الأمة، وطالبتهم بالعمل على توجيه الأرض لمصلحة الرعاية السكنية، وعدم بيعها في مزاد علني، كما تنوي الحكومة.
وأضاف أنهم أبدوا تأييدهم التام لمطالب الحملة، وطالب باستبعاد فكرة بناء عمارات سكنية للمواطنين، والاكتفاء بتوزيعها بنظام أرض وقرض، أو بيوت حكومة، حيث إن طبيعة الأسرة الكويتية وعاداتها لا يمكن أن تتماشى مع نظام بناء السكن العمودي، أو العمارات، بما تفتقده للكثير من الخصوصية الأسرية، كما أن فكرة العمارات غير منصفة إطلاقاً لأصحاب الطلبات السكنية القديمة الذين بات أبناؤهم بعمر الزواج.
مصدر قلق
والحقيقة أن المشكلة الإسكانية لا تزال تمثل مصدر قلق للكثير من المواطنين، خصوصاً في ظل الأوضاع الحالية، وتراجع النفط إلى مستويات متدنية جداً، وتفاقم مشكلة العجز المالي في الميزانية العامة للدولة، ما ينذر بتوقف الكثير من المشاريع التي تعتزم الدولة تنفيذها، سواء في المجال الإسكاني، أو في المجالات الأخرى، فجميع المعطيات تقول إن المشكلة ستزداد تعقيداً، بعد وجود هذا العجز في الميزانية، وتقليص الحكومة الانفاق الاستثماري بشكل كبير.
وما تطلقه الحكومة من وعود بحل القضية الإسكانية في غضون السنوات القليلة المقبلة، ما هو إلا درب من الخيال، خصوصاً مع التطورات الأخيرة التي شهدتها أسواق النفط خلال الفترة الماضية، وتراجع النفط الكويتي مقترباً من مستويات 20 دولارا، مسجلاً 21.6 دولاراً للبرميل في تعاملات نهاية الأسبوع الماضي، وتأكيدها المستمر أن هناك خطوات جادة وثابتة لحل المشكلة الإسكانية، ما هي إلا تصريحات للاستهلاك الإعلامي مع العجز الذي تحقق في ميزانية العام الماضي، والعجز الكبير المتوقع لميزانية العام الحالي، والأعوام المقبلة (إذا بقيت أسعار النفط على نفس المستويات).
في مؤخرة الاهتمامات
ومع هذا العجز المالي المتفاقم، من المرجح أن تكون القضية الإسكانية في مؤخرة الاهتمامات الحكومية خلال الفترة المقبلة، فالحكومة الآن كل تفكيرها منصب على كيفية تغطية الأبواب الثابتة في الميزانية، وتقليل الإنفاق بأكبر قدر ممكن، وهذا ما دعاها إلى الاستعانة بجهة خارجية (أرنست آند يونغ)، لإعداد دراسة عن أوجه الإنفاق التي يمكن تقليلها، وهذا يعني بالتأكيد توجه الحكومة لتقليص كل من الانفاق الجاري، والإنفاق الاستثماري، وتأجيل المشروعات الإسكانية، ومشروعات المدن الجديدة، حيث إن تراجع أسعار النفط إلى هذه المستويات، وعجز الميزانية الكبير وضع الحكومة أمام متغيرات لم تكن تتوقعها، ولا تدري كيف تتعامل معها في الأرقام المقترحة لميزانية العام المقبل، خصوصاً أن التوقعات تشير إلى أن الأمور قد تزداد سوءاً مما هي عليه الآن، وستكون أول الحلول المطروحة لتقليص الميزانية، هو تأجيل المشروعات الإنشائية، التي تشمل المشاريع الإسكانية، وإذا أرادت الحكومة تنفيذ هذه المشاريع، فعليها تمويلها من الاحتياطي العام للدولة، وهذا أمر في غاية الخطورة.
ووفق الأرقام الحكومية وإحصائيات اتحاد العقاريين، سجل حجم العجز في الطلبات الإسكانية عام 2000 نحو 48 ألف طلب إسكاني، وبنهاية عام 2013 وصل العجز إلى نحو 110 آلاف طلب، وفي إجمالي هذه الحقبة كان معدل الطلبات المتراكم سنوياً 4400 طلب إسكاني، ولو ربطنا هذه الزيادة مع أسعار النفط سنجد أن أسعار النفط بدأت في الارتفاع منذ 2003، حتى سجلت معدلات مرتفعة جداً وصلت إلى 133 دولاراً للبرميل في يوليو 2007، ومع هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار طوال هذه الفترة تكوَّنت فوائض مالية كبيرة، وأصبحت هناك تخمة في الأمول.
ورغم هذه الأموال، ارتفع العجز السنوي في الطلبات الإسكانية إلى 4800 طلب، بزيادة 10 في المائة عن المعدل السابق المسجل في الفترة التي لم ترتفع فيها أسعار النفط، وهذا يعني أنه حتى في ظل ارتفاع أسعار النفط، ووجود الوفرة المالية لم تحل المشكلة الإسكانية، إنما زادت بشكل كبير.
المشكلة تزداد تعقيداً
وفي هذا الشأن، أكد رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون خلال ملتقى سابق نظمته حملة «ناطر بيت»، لبحث تأثيرات تراجع أسعار النفط على المشكلة الإسكانية، أن كل الوعود التي تطلق بحل القضية الإسكانية ليست صحيحة، والأرقام الرسمية تؤكد كذبها.
وبيَّن أن هناك سيناريوهين لما يمكن أن يحدث في المستقبل، وخلال الـ 10 سنوات المقبلة: أولهما قائم على الأرقام التي تحققت خلال الفترة من 2000 إلى 2012، حيث بلغ معدل الإنجاز فيها 29 في المائة فقط من عدد الطلبات الإسكانية المطلوبة، وبلغ العجز نحو 71 في المائة، وإذا تحقق هذا السيناريو (المتشائم) القائم على نسبة إنجاز 29 في المائة فقط، فإن هذا يعني أنه ستتراكم طلبات إسكانية جديدة بنحو 40 ألف طلب، تضاف إلى الـ 110 آلاف طلب المسجلة بنهاية 2013، ليصبح العجز المجمع في نهاية 2023 نحو 150 ألف طلب، وهذا يعني أن العجز سيرتفع بنسبة 37 في المائة، إذا تحقق هذا السيناريو (المتشائم) والمبني على قدرات الحكومة، وما نفذته خلال الفترة من عام 2000 حتى 2013.
أما السيناريو المتفائل الذي رسمته الحكومة، وهو تسليم 12 ألف وحدة سكنية سنوياً، ففي حال نجحت في هذا الأمر، فإن العجز المتراكم في هذه الحالة سيكون 92 ألف وحدة سكنية نهاية 2023، أي أنه سيظل هناك عجز كبير في الطلبات الإسكانية، حتى في ظل السيناريو المتفائل الذي رسمته الحكومة، والمؤكد أن الجميع على يقين بأن الحكومة لن تستطيع تحقيق السيناريو المتفائل.
النفط تراجع وانكشفت عيوبنا
أكد رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون، أن الاستمرار على النهج الحالي في إدارة موارد الدولة، سيجعل كيان الدولة ككل في خطر، وليس القضية الإسكانية وحدها، ففي ظل ما نسير عليه من هدر مالي وسرقات، فإننا بالتأكيد سنصطدم بـ «طوفة».
وأوضح أننا الآن في وضع خطير جداً، فالنفط الذي كان يعطينا فسحة من الوقت، ويغطي على عيوبنا تراجع وانكشفت الأمور، والمؤكد أننا الآن في وضع خطير جداً، مبيناً أن المشكلة الاسكانية لن تحل في ظل وجود هذا التخبط الذي نعيشه، على الرغم من كل الوعود الوردية التي تعد بها الحكومة. وحل كل هذه المشكلات بسيط جداً، ويكمن في تغيير النهج الإداري، وتوزيع الموارد بالشكل الصحيح، من أجل صناعة الدولة ومصلحة المواطن.