أوباما في ما تبقى من عامه الأخير: الاستراتيجية الأميركية حول الاستثمار في الضعف العربي.. مستمرة

أوباما دائما على خطأ.. حتى عامه الأخير
أوباما دائما على خطأ.. حتى عامه الأخير

كتب محرر الشؤون الدولية:
اتسم «خطاب حالة الاتحاد» الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما (11 يناير الجاري) ببروز لغة شديدة الصرامة، من شاكلة: «الولايات المتحدة الأميركية هي الأقوى في العالم»، إلا أن الواقع يكاد يكذبها، في ظل التراخي الكبير لإدارة أوباما طوال ثماني سنوات، عن حسم أزمات متلاحقة حول العالم، أو المشاركة الفاعلة في إيجاد حلول لها.

وفي مناجاته لمدة ساعة أمام الكونغرس، والرأي العام المحلي والدولي، سرد أوباما نجاحاته في السياسة الخارجية، وأبرزها: تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن، والاتفاق النووي مع إيران، بينما رفض كل كلام عن تراجع في القدرات الأميركية، معتبراً أنه «في حال حصول أزمة دولية كبيرة، لا يتطلع العالم نحو موسكو أو بكين، بل يستدير نحونا».

الشاهد، أن أوباما يكافح في ما تبقى من عامه الأخير في البيت الأبيض، لدحض انطباع بالتردد بات يهيمن على وصف السياسة الأميركية تجاه أزمات متلاحقة تلفّ العالم، وسط عزوف أميركي عن المشاركة في إيجاد حلول واقعية لها، ولا سيما في الشرق الأوسط، الذي سيتركه الرئيس الأميركي بركانا متفجرا.

ويرى مراقبون أن أوباما راهن على الجواد الإيراني، وراعى دوما العلاقة الخاصة مع إسرائيل، على الرغم من العلاقة المتوترة مع بنيامين نتنياهو، وفيما مرَّت علاقته مع تركيا بصعود وهبوط، فإن واشنطن في زمن أوباما «أوغلت في الاستثمار في الضعف العربي، من خلال العمل على صياغة مشهد إقليمي جديد، دون الاكتراث للمصالح العربية، أو إيلاء الاهتمام الكافي بمواقع أصدقاء تاريخيين لبلاده».

وبالنظر الى المقاربات السياسية، وأشكال التعاطي الأميركي معها إبان فترتي حكم أوباما (8 سنوات)، يمكن استدعاء ما حدث عند اندلاع ما يعرف بالربيع العربي، حيث تحولت حيرة إدارة الرئيس أوباما أمام احتجاجات حاشدة عصفت بأنظمة الحكم في تونس ومصر، وتحولت إلى حروب أهلية دامية في سوريا واليمن وليبيا، إلى غياب أميركي عن تقديم أي ردود فعل، وبدلاً من ذلك، وجَّه أوباما اهتمامه إلى اتفاق نووي نجحت القوى الغربية في التوصل إليه مع إيران في يوليو الماضي.

ولم يؤدِ تسرع واشنطن في سحب القوات الأميركية من العراق إلى توفير فرصة السيطرة شبه التامة لإيران على مقدرات الحكومة العراقية، بل قاد إلى صعود «داعش»، الذي نجح في صيف عام 2014 في انتزاع السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق، وأزال الحدود الجغرافية مع سوريا.
فشل «الصبر الاستراتيجي»
ويصر أوباما على اتباع سياسة «الصبر الاستراتيجي»، التي تبنتها إدارته منذ ولايته الأولى في 2009، وقادت لاحقا إلى صمت أميركي.

وقال المستشار السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية آرون ديفيد ميلر: «هذا رئيس عازف عن المخاطرة، يرسم خطوطا حمراء لا يطبقها. ولا يوجد ميل للمبادرات البطولية في ما تبقى من وقت».

وفي الأثناء، لا تزال روسيا تتصرف في الصراع الأوكراني، كما أنها تحدت النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، بتدخلها العسكري في الحرب الأهلية السورية، التي انتهزها منتقدو أوباما، باعتبارها دليلاً على أن السياسة الخارجية تسير من دون دفة.

وباتت روسيا اليوم أحد اللاعبين الرئيسيين، الذين يحتاج المجتمع الدولي إلى موافقتهم على أي اتفاق سياسي محتمل في سوريا، الأمر الذي أسفر عن اتفاق آراء محللين مع مسؤولي الإدارة أن «جانباً كبيراً من المشاكل العالمية تحركه قوى تتجاوز سيطرة أوباما».

العرب فقدوا الثقة

ويشير خبراء إلى أن استجابة أوباما للأزمات اتسمت في كثير من الأحيان بالتردد، وأن أخطاء سياسته إما كانت سببا في تأجيج الصراع، وإما لم تفعل شيئا يذكر للحد منه في أماكن، مثل سوريا والعراق، البلدين اللذين تحولا إلى مسرح للتنافس الإقليمي بين إيران والسعودية. وفقدت السعودية ودول خليجية أخرى الكثير من الثقة في هذه الإدارة، التي يرون أنها هرعت في اتجاه إعادة تأهيل إيران كعضو مهم في الأسرة الدولية، من دون النظر إلى المصالح التاريخية بين الدول الخليجية والغرب.
ولم تعد هذه الدول كما كانت في السابق حريصة على آراء واشنطن في ما يجري في المنطقة.

وفي المقابل، تشن السعودية، على رأس تحالف عربي يضم تسع دول أخرى، منذ مارس الماضي، حرباً على ميليشيات الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران، من دون تنسيق مع الغرب.

وعبَّرت الرياض عن غضبها بشكل غير مسبوق في نوفمبر 2013، عندما رفضت الحصول على مقعد من بين الأعضاء الـ 15 في مجلس الأمن، رداً على التقارب الأميركي مع إيران، التي تستغل ذلك في محاولة فرض هيمنة سياسية وطائفية على دول عدة في المنطقة.

وأبرم أوباما اتفاقا مهما للتجارة مع منطقة آسيا والمحيط الهادي، لكنه يواجه معركة شاقة، من أجل نيل موافقة الكونغرس عليه، في وقت تتراجع فيه أهمية النفط المتدفق من الخليج.

وجاء هذا الاتفاق كثمرة لتوجه استراتيجي جديد تجاه جنوب شرق آسيا، أعلن عنه الرئيس الأميركي فور توليه الحكم، وترك هذا التوجه فراغاً استراتيجياً كبيراً تسعى إيران شيئا فشيئا إلى ملئه.

لكن الإدارة الأميركية لم تدرك حينها أن التوجه الأميركي الجديد سيتسبب في اتخاذ النزاعات في المنطقة طابعا أكثر دموية وعنفا، كما أنه سيهدد أولويات أوباما في آسيا.

ويقول خبراء إن إدارة أوباما وجدت نفسها محاصرة في المنتصف بين خيارات عدة جميعها خاطئة، وانه لن يكون أمام الرئيس الجديد سوى محاولة تصحيحها.
ويستبعد هؤلاء إقدام أوباما على فعل أي شيء خلال عامه الأخير المتبقي في الحكم، مشيرين إلى أن الأزمات تتجه إلى التفاقم خلال عام 2016، وقد تتحول إلى أعباء استراتيجية هائلة أمام الرئيس الأميركي الجديد.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.