
كتب محمد جاد:
اختتمت السبت الفائت فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان المسرح العربي، الذي استضافته الكويت هذا العام على مسارحها المختلفة، واستمر من 10 حتى 16 يناير.
وقد تنوَّعت الفعاليات، ما بين الندوات البحثية في قضايا المسرح العربي، ومحاولة ربطها باللحظة الراهنة التي تمر بها المنطقة، كذلك الندوات التطبيقية، التي عُقدت

بعد العروض المسرحية المُشاركة في المسابقة الرسمية، إضافة إلى تكريم العديد من الفنانين.
ومن بين ثمانية عروض، فاز العرض المسرحي الكويتي «صدى الصمت»، الذي قدمته فرقة المسرح الكويتي، بجائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، كأفضل عرض مسرحي، وهو من تأليف الكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود، ومن إخراج فيصل العميري، وبطولة سماح، عبدالله التركماني وفيصل العميري.
الندوات البحثية
عقدت ضمن الفعاليات العديد من الندوات البحثية المهمة في الشأن المسرحي العربي، وما قد يضيفه المسرح في ظل عالم التقنية والتكنولوجيا، ومدى تفاعله مع الجمهور، وإنتاج حالة فنية وثقافية من خلال المسرح، وبالتالي دوره في التثقيف الجمعي، والنهوض بحالة الوعي العام. وهل تحرص الدول العربية بالفعل على الاهتمام بالحركة المسرحية وتفعيل دور المسرح في الحياة الاجتماعية، ذلك أن العروض المسرحية الجادة بشكل عام تتصادم أكثرها ومفاهيم الدولة والسلطة الحاكمة، لما تمتلكه من آراء مخالفة لما تعتقده هذه السلطة.
ونذكر ضمن هذه الندوات؛ السبل لحماية حقوق الفنانين بين المؤسسات الرسمية والأهلية، المُتغير الفكري وأيديولوجيا الاستبداد، الوسائط والميديا والمسرح بين التجاور والتحاور، المسرح الجاد والمسرح التجاري، السينوغرافيا في المسرح العربي، السينوغرافيا بين المرئي والمتخيل.
عروض المسابقة الرسمية
من بين العديد من الدول العربية، انحصرت عروض المسابقة الرسمية في 8 عروض من دول مختلفة، هي: (التلفة) إخراج نعيمة زيطان لفرقة اكواريوم المغربية، (وزيد انزيدك) إخراج فوزي بنبراهيم لمسح باتة الجزائري، (كي أو) إخراج نعمان حمدة للمسرح الوطني التونسي، (سيد الوقت) إخراج ناصر عبدالمنعم لمسرح الغد المصري، (مدينة في ثلاثة فصول) إخراج عروة العربي لوزارة الثقافة السورية، (مكاشفات) إخراج غانم نعيم لوزارة الثقافة العراقية، (لا تقصص رؤياك) إخراج محمد العامري لمسرح الشارقة الوطني، و(صدى الصمت) إخراج فيصل العميري لفرقة المسرح الكويتي.
العرض الفائز
يدور العرض المسرحي الفائز «صدى الصمت» حول جارين ــ رجل وامرأة ــ في بلد غريب، وتبدأ بمحاولة الجار مساعدة جارته، بعد سماع صوت استغاثتها، إلا أنه بمرور الوقت نكتشف مأساة كل منهما، والمعاناة الخاصة التي تؤرقهما، وغياب لغة للتواصل بينهما، فلا يفهم أحدهما لغة الآخر، يجمعهما القلق والاضطراب والهرب من جحيم الحرب التي دارت بين بلديهما، وفقد كل منهما ابنه.
ويبدأ كل منهما في بث شكواه، كل في لغته البعيدة، لكن الحالة توحدهما، والإحساس بالضياع يصبح هو لغة التفاهم الوحيدة.
ورغم الحكي والحديث للتغلب على حالة الوحدة هذه، فإن اللغة تبقى مفقودة، ولا أمل في تواصل حقيقي مفهوم.
وما بين حالة الإصرار على التواصل لتلمّس شيء من الأمان، والفشل المحتوم والمعروف سلفاً، تأتي المفارقة أو المأساة بمعنى أدق، قد يبدو الضحك مما يحدث، لكن الأمر يقترب أكثر من الكوميديا السوداء، التي دوماً يتم اللجوء إليها كمنهج أو كحالة، لتصبح هي المُعبّر الأقوى عن اللحظة الراهنة، وتاريخ المسرح العالمي، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية خير شاهد على استخدام مثل هذا الأسلوب في العروض المسرحية.
من بريخت إلى المسرح العربي
شدد النص على خلق حالة دائمة من عدم التماهي مع ما يحدث، هناك دوماً لحظات انقطاع عن الحدث، وهو أمر يثير التفكير لدى المشاهد، حتى لا يستغرقه العرض بالكامل، بل هناك حد فاصل يتجدد ويتكرر دوماً، لتضيق المسافة ما بين العمل الفني والواقع، ويتضح ذلك في الشخصية التي أدارت الحدث، صائغ الأحداث (الدراماتورج) ليصبح بدوره شخصية حيّة يراها الجمهور ويتفاعل معها، ويتفق على اللعب من خلالها، فها هما الرجل والمرأة، لعبة أخرى في يد سلطة الراوي والمتحكم بالحدث، وحتى الأصوات المصاحبة، هو الذي يأتي بالصباح المتمثل في أصوات العصافير، أو أن يحل المساء وينتهي اليوم.
كما أن الموسيقى يقوم الفاعل بإنتاجها أمام الجمهور، عبر عدة آلات يقوم بالعزف عليها أو الدق عليها، ومعظمها ينتمي إلى آلات الإيقاع، وهو ما يتناسب وحالة بطلي العرض الأساسيين.
ندوة نقدية
عُقدت ندوة نقدية للعرض، أدارها بدر المهنا، وناقشها د.خالد عبداللطيف، العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية، وشارك بها مخرج العرض فيصل العميري.
وأشار عبداللطيف في البداية إلى قضية العرض المسرحي، وهي الحروب، وأن العرض المسرحي «يتجرد من التحيُّز، ويحاول بموضوعية تصوير مأساة الحرب العراقية – الإيرانية، التي امتدت لما يقارب عقداً من الزمان ببعد إنساني، بحيث يكون صالحاً لأي زمان أو مكان، فآثار الحروب واحدة ومآسيها واحدة».
وبالنسبة لطبيعة النص المسرحي والفارق بينه والعرض، أشار عبداللطيف إلى أن «العرض يعتمد على ثنائية الحوار بين شخصيتين كانتا في الأصل امرأتين من طرفي الحرب، فقدتا ابنيهما في الحرب الطاحنة، وشاءت الأقدار أن تلتقيا في بلد اللجوء، ولظروف طرأت على العرض، قام المخرج العميري بأداء إحدى الشخصيتين وحولها إلى رجل. وعلى الرغم من إمكانات فيصل العميري التمثيلية وقدراته المميزة، فإن العرض فقد شيئاً من روحه التي تمثل الثنائية النسوية وفجيعة الأُمين بأغلى ما تملكان في الحياة، إضافة إلى مبرر اللقاء والاجتماع بينهما».
وبالنسبة إلى تقنيات العرض وأساليبه الإخراجية، أضاف خالد عبداللطيف: «من خلال الحوار الذي تكتنفه صعوبة التفاهم لاختلاف اللغتين، تتبدى لنا الآثار النفسية المدمرة للحرب عليهما، ونظراً لطول المحاورة يعمد العرض إلى تقطيع الأحداث، من خلال استخدام تقنية الجانبية في الحوار والمونولوجات وإيقاف المشاهد، مُحاكياً تقنية فن السينما مع تدخل شخصية الدراماتورج موجهاً ومعلقاً ومفسراً ومؤدياً بشكل حي للمؤثرات الصوتية، من خلال أدوات بسيطة، يستخدمها طوال العرض في مقدمة خشبة المسرح، وإن كان يزعجنا أحياناً بصوت النقر على الآلة الكاتبة الذي يطغى على صوت الشخصيتين المتحاورتين». ولم ينسَ الرجل توجيه بعض النقد إلى مخرج العرض، وخاصة شخصية الكسيح الصامت.. «الشخصية الصامتة طوال العرض في خلفية المسرح، جعلها المخرج مُقعدة على كرسي متحرك، فهل هي تمثل شريحة أخرى من ضحايا الحروب، وربما تفوق القتلى؟ أم أنها تمثل الضمير الكسيح الذي يفرض أنه يراقب، لكنه في حالة سبات دائم».