
لم يعد الحديث حول الفساد الإداري المتفشي في الكويت يلقى آذاناً صاغية، فالناس ملّت وتوصلت إلى نتيجة، أن الشكوى والتذمر من سوء حالنا المائل لا يجديان نفعاً، وبات همُّ المواطن والمقيم، أن يأكل ويشرب وينام ويأمن على أولاده وأملاكه فقط، وهو طموح تشاركه فيه كل الدواب على وجه هذه البسيطة.
ربما هذا الشعور المحبط تولّد لدينا، بسبب بشاعة المشهد العربي حالياً، فما يجري في محيطنا ينعكس علينا سلباً وإيجاباً.
لا تقتصر رائحة الفساد، التي تفوح منذ سنين طويلة من أجهزة الدولة المختلفة، على مخرجات التعليم السيئة، وتفشي ظاهرة الغش في المدارس، وسوء الرعاية الطبية، وزحمة المواعيد في المستشفيات، وتكرار الأخطاء الطبية بحق المرضى، وانتشار الرشوة والمحسوبية في المعاملات الحكومية، وانتشار المخدرات (الشبو) بين الشباب، والتلاعب بالأسعار والإيجارات فقط، بل وصل الفساد إلى البنية التحتية، وكأننا على موعد مُقدَّر، فمع كل رشة مطر يتفكك أسفلت الشوارع، فيتطاير الحصى منه، معرضاً السيارات للتخريب وتكسير الزجاج، وسلامة الركاب والمارَّة للخطر، ما يدفع وزارة الأشغال إلى ترقيع الموقف وتغطية الفضيحة، فتقوم بإغلاق الطرق باستمرار لاستصلاحها، وقد اضطرت إدارة المطار أخيراً إلى إغلاق المدرج الغربي، الذي تفكك أسفلته، حفاظاً الى سلامة الطائرات والركاب، وتم الاقتصار على المدرج الشرقي فقط، ما أربك سير الرحلات الجوية وحركة الطيران.
ونحن نتساءل؛ مَن المستفيد من عملية إصلاح الشوارع كل فترة؟ ومَن المسؤول عن هذه الأخطاء الفادحة في إنجاز مشاريع الدولة؟ ولماذا لا يتم كشفه ومحاسبته علناً، كي يكون عبرة لغيره؟
طبعاً، لا يمكن أن يبادر مجلس الأمة الحالي إلى استجواب الوزير.. هذه صعبة عليهم جداً!
إن معالجة تلك الأخطاء والتجاوزات يكلفنا أموالاً طائلة من خزينة الدولة، في ظل تراجع أسعار النفط والعجز بالميزانية، وهذا يتناقض مع سياسة الحكومة الحالية المنادية بضرورة التقشف، وشد الأحزمة على البطون، وتقليص الدعوم، فضلاً عن تعطيل مصالح العباد، وإرباك حركة السير المزدحم أصلاً، وتعريض حياتهم للخطر.
حتماً، إن الوزارة هي المسؤول الأول عن هذه الكارثة، وأن المستفيد الأكبر هم التجار أصحاب الشركات، التي ترسو عليها المناقصات بالباطن بشكل دوري من قِبل وزارة الأشغال، فلم يكن هذا الوضع المزري هو حالنا في الماضي قبل عهد «الخصخصة» المشؤوم، وسياسة تنفيع القطاع الخاص، حينما كانت الدولة هي التي تقوم بنفسها، أو عبر تعاقدها المباشر مع الشركات، بتنفيذ مشاريع البنية التحتية والتنموية، وبشروط صارمة ومواصفات محددة، كانت شوارعنا مثالاً للصمود والثبات، فتحمَّلت جنازير دبابات الغزاة أثناء الاحتلال العراقي١٩٩٠، والمحررين ١٩٩١من دون أن يتفكك أسفلته ويتطاير حصاه، بعكس أسفلت اليوم التجاري المغشوش.
لا ألوم المفسدين والسراق والمنتفعين والمرتشين والمقصرين، فتلك طبيعة عند معدومي الضمير من البشر، لكن نلوم المسؤولين والقياديين والنواب، الذين يتهاونون في تطبيق القانون، ومحاسبة المقصرين والمهملين في عملهم، فالحفاظ على المال العام وسلامة الناس من صميم واجبهم، فنحن نقرأ بين حين وآخر في الصحف، أن وزارة الشؤون الاجتماعية ستسترجع ٨ ملايين دينار، مساعدات اجتماعية صُرفت لغير مستحقيها، بسبب تلاعب أحد موظفيها، وأن لجنة التحقيق في البلدية ستواصل جهودها، لكشف مختلس إيراداتها النقدية.
نأمل ألا تكون تلك التهديدات والتحقيقات مجرَّد إطلاق نار في الهواء، أو كما يقول المثل العربي الشهير «نسمع جعجعةً ولا نرى طحيناً».