
كتب إيهاب علام:
تنذر الأزمة السياسية بين المملكة العربية السعودية وإيران بتصاعد الحرب النفطية بين الجانبين، وكذلك تصاعد الخلاف داخل منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك».
وهذا التوتر السياسي قد يؤدي إلى أمرين؛ أولهما ارتفاع أسعار النفط، متأثرة بهذا التوتر، فعامل التوترات السياسية دائماً ما يدفع بأسعار النفط إلى الأعلى.
أما الأمر الثاني، فلن يكون في مصلحة أسعار النفط، إذ إن هذا التوتر قد يزيد من الخلاف داخل «أوبك»، وهذا يعني أن التوصل إلى اتفاق بين منتجي النفط الكبار داخل المنظمة لخفض الإنتاج والحد من فائض المعروض في الأسواق لن يحدث، وبات غير ممكن، ويعني أيضا أن الأسعار ستظل على المستويات المتراجعة الحالية، أو ربما تشهد مزيدا من التراجع.
منذ اندلاع الأزمة السعودية – الإيرانية، وأنظار المستثمرين تراقب الأسواق النفطية بشدة، إذ يترقب الجميع تأثير هذه الأحداث على أسعار النفط، خوفاً من أن يطول الصراع هذه السلعة الحيوية، لكن بعض المحللين يرى أنه في حال لم تؤثر هذه الأحداث في الإمدادات النفطية بشكل مباشر، من خلال إعاقة أنبوب نفطي، أو ميناء، أو ممر مائي، فإن أسعار النفط لن تتأثر.
اختبار جديد لـ «أوبك»
وفي هذا الشأن، أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن الأزمة الدبلوماسية الراهنة بين السعودية وإيران تشكل اختباراً جديداً لـ«أوبك»، في وقت حساس جداً بالنسبة للمنظمة، في ظل التراجع المستمر للنفط، وعدم قدرتها على وقف نزيف الأسعار، مشيرة إلى أنه في حال لم تتطور الأزمة بشكل إضافي، فإنها لن تؤثر في أسعار النفط، وستظل على مستوياتها المتدنية.
وأضافت: «تسعى إيران بشكل كبير إلى نقل الصراع بينها والسعودية إلى الداخل السعودي، وفي حال حدوث هذا، فيمكننا أن نشهد انعكاسات كبيرة على أسعار النفط»، مؤكدة أن المنظمة تمكنت في الماضي من العمل في ظل ظروف أكثر صعوبة، من بينها الحروب التي اندلعت بين دول أعضاء في المنظمة.
فقد أرسلت كل من إيران والعراق ممثلين لها إلى اجتماعات «أوبك» خلال الحرب التي دارت بينهما في ثمانينات القرن الماضي، ورغم ذلك ترى «وول ستريت جورنال»، أن المواجهة التي اندلعت بين السعودية وإيران أخيرا قد تشكل حالة أكثر صعوبة وخطورة بالنسبة للمنظمة، نظراً للهيجان السياسي الذي أطلقته في مختلف دول الشرق الأوسط، التي تعاني اقتصاداتها أصلاً تداعيات تراجع أسعار النفط.
وتؤكد هذا الأمر «أوبك»، إذ أكد أحد ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة، أن «أوبك» لم تواجه حالة مماثلة من قبل، فالفرق هذه المرة يكمن في الإنتاج الأميركي النفطي القوي الذي أغرق السوق بالنفط وحال دون استخدام المنظمة للوسيلة الرئيسة لتهدئة الأسواق، أي تنظيم التدفقات النفطية الخارجية، ما أدى إلى تراجع الأسعار أكثر من 70 في المائة خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
الأسعار تتدهور.. رغم الأزمة
ورغم هذا التوتر السعودي – الإيراني، ورغم أن الأزمة تدور بين اثنتين من أكبر الدول النفطية، فإن أسعار النفط لم تتأثر، باستثناء اليوم الأول، الذي ارتفعت فيه بنحو 2 في المائة، ثم ما لبثت أن عادت للتراجع مرة أخرى، ويعزى ذلك إلى شقين؛ أولهما تأثير بيانات اقتصادية صينية سيئة أثرت في معنويات سوق النفط، وكذلك استمرار مستويات الإنتاج المرتفعة، إذ لا تزال رغبة المنتجين في عدم خفض الإنتاج تهيمن على جانب المعروض، وأدى ذلك إلى فائض يقدر بمئات آلاف براميل النفط يومياً.
أما الشق الثاني، وهو الذي يخص الأزمة بين البلدين، فيرى مختصون أن هذه الأزمة لو اندلعت قبل أعوام، لكانت كفيلة برفع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، لكن هذا السيناريو لم يحصل، لوجود اعتقاد واسع في الأسواق العالمية، بأن المواجهة بين البلدين لن تصل أبداً إلى مستوى الصراع العسكري المباشر، هذا إلى جانب وجود بدائل تتمثل في كميات النفط الصخري الهائلة المنتجة بأميركا وبعض الدول، إلى جانب كثرة المعروض من النفط بالأسواق، في ظل رفض «أوبك» خفض إنتاجها. ويقول مدير قسم أبحاث السلع الرئيسة في مؤسسة كليبر داتا ماثيو سميث: «كان يمكن للأسعار أن ترتفع إلى أقصى حد لولا مشكلة وجود كميات إضافية كبيرة في الأسواق تعمل كمظلة أمان لها». أما مدير المحافظ المالية لدى شركة تورتوز كابيتال لاستثمارات الطاقة روب ثومل، فيرى أن العوامل الجيوسياسية تبقى جديرة بالانتباه، ومؤثرة على الأسواق العالمية، في حال حصول حرب فعلية بين البلدين، عندئذ يمكن أن تقفز الأسعار إلى مستويات قياسية، مؤكداً أنه بحال حصول تعطل فعلي في تصدير النفط، فستكون التداعيات هائلة.
وأشار إلى أن نشوب صراع مفتوح بين القوتين سيشكل خطراً على نحو 20 في المائة من إمدادات النفط العالمية، أو ما يقرب من 17 مليون برميل نفط يومياً، والتي يتم شحنها عبر مضيق هرمز، وستبدأ المخزونات العالمية القياسية في التراجع إذا عرقل صراع مسلح في الخليج تدفق الناقلات التي تحمل النفط عبر المضيق.
تفاقم مشكلة المعروض في العام الحالي
ترى مجموعة «أيه.إن.زد»، أن التوترات بين السعودية وإيران ستؤدي إلى تفاقم مشكلة وفرة المعروض النفطي في 2016 بشكل أكبر.
أما بنك «آي. ان. جي»، فيؤكد أن كلا من البلدين سيلجأ لاستغلال طاقته الإنتاجية القصوى، لزيادة حصته السوقية على حساب الطرف الآخر، خصوصاً مع عودة إيران إلى السوق العالمية، وهذا من شأنه دفع أسعار النفط نحو الاتجاه النزولي.
ولفت إلى أن الأزمة الحالية قد تساعد خلال الفترة المقبلة على تدهور أسعار النفط بشكل أكبر، إذ إن الصراع الحالي سيبدد أي فرصة قائمة لحصول اتفاق بين البلدين ضمن منظمة «أوبك» لخفض الانتاج، ما يعني أن الكميات الكبيرة التي تنتجها دول المنظمة ستبقى كما هي، بالإضافة إلى توقع زيادة إيران لصادراتها النفطية، بعد الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى.
وإذا كانت السعودية نجحت في التوصل إلى اتفاق مع إيران في تسعينات القرن الماضي، حول التنسيق بشأن الإنتاج، فإن هذا الأمر الآن بات غير ممكن، خصوصاً مع التطور الأخير، حيث إن السعودية سترفض اليوم التنسيق، بهدف تخفيض الإنتاج، في حين سترفض إيران كذلك.