
كتب محرر الشؤون الدولية:
قلل خبراء من التفاؤل، الذي تبديه وسائل إعلام غربية، بشأن قرب لحظة الانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي، محذرين من أن وقع الهزيمة العسكرية على التنظيم «ستزيد من دائرة التشدد السُني، وستفتح الباب أمام هيمنة الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران»، التي يتوقع أن تقود حملات انتقام طائفي على نطاق واسع، مثلما فعلت ذلك ميليشيا الحشد الشعبي في مارس الماضي بمدينة تكريت العراقية.
وتتركز حاليا أنظار العالم حول خطط القضاء على «داعش» في العراق وسوريا، من دون أن يطرح أحد كيف ستكون المنطقة، بعد اندحار التنظيم المتشدد، وماذا ينتظر العرب، بالذات، بعد هزيمته؟
وفي تقدير مراقبين، فإن القضاء على التنظيم، الذي ظهر بشكل مفاجئ وقوي، ليس أمراً سهلاً، ولاسيما أن أطرافا دولية تواطأت، لأجل فتح المجال أمامه لدخول سوريا، ثم لينمو ويصبح أخطبوطا مترامي الأذرع، في العراق وليبيا واليمن، وله شبكات في أفريقيا وأوروبا ودول آسيا الوسطى.
ولفتوا في هذا السياق إلى أنه لا الولايات المتحدة، ولا روسيا، تحركتا لضرب «داعش»، رغم أن التقارير التي واكبت تشكله في البداية حذرت من طابعه الدموي، وبدا ذلك واضحا في معاركه الأولى للخروج على تنظيم القاعدة، ثم معاركه في مرحلة لاحقة لفرض نفسه وإقامة نواة لإمارة سرعان ما توسعت لتهيمن على أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
وشددوا على أن تفكيك «داعش» ودحره، في سوريا والعراق وليبيا، سيكون أمرا صعبا، ولا سيما أنه قد يضطر إلى حرب العصابات، بدل أسلوبه الحالي في المعارك، الذي يشبه أسلوب الجيوش الرسمية، ما يسهل أمر القضاء عليه.
مجموعات أشد توحشاً
وحذر الخبراء من أن طرد مقاتلي التنظيم من المدن الكبرى سيجعلهم يتفرقون في مجموعات صغيرة داخل الدول المعنية، أو خارجها، وسيكون أسلوبهم في ردة الفعل، هو إظهار أكثر ما يمكن من التوحش في عملياتهم، سواء ضد القوى الأمنية، أو التي تستهدف المدنيين.
وأبعد من ذلك، أكدوا أن هزيمة «داعش» لن تؤدي إلى تغيير الحقيقة، المتمثلة في كون كل من العراق وسوريا يعانيان حالة انهيار مجتمعي مريعة، وأنه من المستحيل تقريبا عودة البلدين إلى وضعهما الطبيعي مجددا، مشيرين في هذا الخصوص إلى الخطط التي اعتمدتها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة الحاكمة في كلا البلدين.
ولم يستبعدوا أن تدفع مواجهة «داعش» في العراق وسوريا إلى موجة هجرة جديدة في اتجاه أوروبا، وأن تتسلل بينها خلايا للتنظيم لتقود عمليات انتقام من الدول التي تشارك في التحالف، الذي نجح في توجيه ضربات قاصمة لتنظيم المتشدد في سوريا والعراق.
حافز قوي
ومن المرجح أن تكون هزيمة «داعش» مجرَّد جولة أخرى في صراع إقليمي مستمر ومعقد للغاية، خصوصاً أن الولايات المتحدة وروسيا اختزلتا ما يجري في العراق وسوريا في وجود «داعش»، بدلا من التفكير في حل الأزمات التي تسببت في استدعاء التنظيم إلى المنطقة، والتمسك ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، والقبول بهيمنة إيران على العراق.
وأشار الخبراء إلى أن هزيمة «داعش» بالقوة العسكرية، سيعطي حافزا قويا لإيران، كي توسع أنشطتها في محيطها الإقليمي.
ويمكن أن يدفع الوضع الجديد إلى تقوية نزعة الانفصال لدى الأكراد السوريين، ولاسيما بعد أن أفضى الصراع في العراق إلى إقامة إقليم كردي شبه مستقل.
وتمكن الأكراد من السيطرة على رقعة واسعة من أراض تسكنها أغلبية كردية في شمال شرق سوريا، ويتمتعون بدعم عسكري أميركي مباشر، ودعم دبلوماسي روسي في سياق النزاع مع أنقرة.
وينظر الأكراد في العراق وسوريا إلى الاضطرابات الحالية على أنها فرصة ملائمة لتحقيق حلمهم بإقامة وطن كردي موحد.