
كتب عبدالله التميمي:
أثار حُكم المحكمة الدستورية الأخير، بشأن قانون منع الاختلاط، أو التعليم المشترك، جدلا اجتماعيا واسعا، وأصبح كل مختص يدلي بدلوه، يفسر ما جاء في حيثيات الحُكم، والآثار المترتبة عليه في المستقبل، وخصوصا في ما يتعلق بجامعة صباح السالم الجديدة (الشدادية)، بين من يرى أن الحكم جاء ليحصن القانون فقط، ومن يرى أنه حصن القانون فعلا، لكن أزال آثاره، التي كانت محل التنفيذ طوال سنوات صدور القانون، بكونها أضرَّت بالتعليم.
حق التعليم
في البداية، يجب أن نلحظ أشياء مهمة جاءت في حيثيات حكم المحكمة الدستورية، التي مهدت به الطريق لما بعده، أولها ما يتعلق بحق التعليم، وأنه مكفول للمواطنين، بما يكفل تكافؤ الفرص والمساواة بينهم، وهو أمر قد يراه البعض يتعلق بالتعليم المشترك، وكون تنفيذ القانون بشكل خاطئ قد يضر بتكافؤ الفرص والمساواة في التعليم بين المواطنين.
تطبيق «الشريعة»
ثاني الأمور، ما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية، فهنا نبهت المحكمة إلى أمر في غاية الأهمية، يتمثل بأن وجود المادة الثانية في دستور الكويت التي تدعو إلى الأخذ من الشريعة الإسلامية، والتوجيه لذلك لا يعني تطبيق تلك الأحكام والإلزام بها، إلا إذا وُجِدَ نص قانوني يقنن تلك الأحكام، بحيث تكون مفصلة ومحددة، ويربط المشرع وجودها بوجود أحكام جزائية في حال الإخلال بها، خصوصا مع وجود آراء فقهية متعددة.
وهذا الاتجاه الذي رأته المحكمة يعطي أفقا لرؤيتها المتعلقة بالقانون محل النزاع، أو أي قانون آخر يتعلق بتطبيق أحكام الشريعة لم يأتِ بتفصيل محدد لكيفية التطبيق، والجزاءات المتعلقة بالإخلال به، فالمحكمة ترى أن الأحكام التي ليس فيها تفصيل لكيفية تطبيق الأحكام الشرعية، إنما هي إرشادية توجيهية، ما لم يضعها المشرع في وضع مقنن يحدد كيفية تطبيقها بشكل دقيق، ويوقع الجزاءات على عدم الالتزام بالتطبيق.
صور الاختلاط
وهذا الاجتهاد الذي ذهبت إليه المحكمة الدستورية يرى أيضا، أن هناك صورا متعددة لتطبيق «منع الاختلاط»، لأن النص لم يحدد كيفية بعينها لتطبيق القانون، خصوصا مع وجود آراء فقهية متعددة متعلقة بالموضوع محل البحث، وطرحت المحكمة شكلا من تلك الأشكال، بحيث يكون الفصل داخل القاعات، ولا حاجة لبناء مبان خاصة للطلاب، وأخرى للطالبات، وتركت موضوع التنفيذ للإدارة الجامعية، بما يكفل التوازن بين القانون ومقتضيات المشروعية، كما تركت المجال مفتوحا للطعن على تلك القرارات التي تصدر من الإدارة الجامعية، ليفصل فيها القضاء الإداري، وهو بذلك يوجه الطلبة، ومن له علاقة بالجامعة من هيئة التدريس، الذين يرون أن هناك لوائح أصدرتها الجامعة لا تتوافق ومقتضيات المشروعية بالذهاب إلى المحكمة الإدارية للطعن في تلك اللوائح.
رأي آخر
ذهب البعض في تعليقه على حُكم المحكمة الدستورية، إلى أن تفسير المحكمة لكيفية تنفيذ القانون لم يكن مطلوبا، وأن تفسيرها هذا غير ملزِم، ورأى آخرون أن إفراغ القانون من قوته الإلزامية، هو أيضا لا يتوافق مع ما أعطاه القانون للمشرع من صلاحيات لإصدار قوانين لها قوة الإلزام والوجوب.
فقد ذهب بعض أساتذة القانون إلى أن كل قانون له قوة إلزامية، ومنه قانون «منع الاختلاط»، وهو أمر واضح في نصوص القانون ذاته، حيث ألزم المشرع الحكومة والوزراء بتطبيق «منع الاختلاط»، لكنه لم يوضح كيفية التطبيق، وترك موضوع التنفيذ للسلطة التنفيذية، وإفراغ القانون من قوته الإلزامية، سيعني بالضرورة أن أي حكم قانوني تصدره السلطة التشريعية سيكون محل شك، من حيث كونه توجيهيا أو إلزاميا، رغم أن المحكمة فرَّقت بين أمرين؛ النصوص الخاصة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية غير المقننة، والنصوص الموضوعية المقننة، فالأولى وفق اجتهاد المحكمة لا قوة إلزامية لها، والثانية نافذة بذاتها لها قوة الإلزام.
ورأى البعض، أيضا، أن المحكمة عندما طرحت شكلا من أشكال تطبيق القانون، فإن تفسيرها هذا غير مُلزِم، فالسلطة التنفيذية هي المختصة بأشكال تنفيذ القانون، لكن من يقرأ حيثيات الحكم يرى أن المحكمة كانت تطرح مثالا فقط، لتدحض حجة من يرى أن القانون يضر بالطلاب والطالبات، وأن تطبيقه العملي أساء للعملية التعليمية، وأضرَّ بها، فرأت المحكمة، وفق ما أدى إليه اجتهادها، بأن كيفية التطبيق غير محددة، ويمكن تلافي تلك الأضرار العملية، باللجوء لطرق تنفيذية أخرى، وفق ما تراه السلطة التنفيذية، ويمكن الطعن بتلك القرارات في القضاء الإداري.
القانون الخاص بجامعة الشدادية
يتبقى أمر مهم أشار إليه بعض الناشطين، وهو القانون الخاص بإنشاء «جامعة الشدادية»، وهو القانون رقم 30 لسنة 2004، وفيه جاء «يخصص موقع جغرافي موحد في منطقة صيهد العوازم والشدادية لإقامة منشآت مدينة جامعية جديدة، تتكون من حرمين جامعيين منفصلين، أحدهما للذكور والآخر للإناث، بقدرة استيعابية كافية لتحقيق هذا الغرض».
والنص المهم هنا هو «تتكون من حرمين جامعيين منفصلين، أحدهما للذكور والآخر للإناث»، فهذا نص خاص، ومختلف عن الأول، شكلا ومضمونا، يرى البعض أن تفسير المحكمة الدستورية سيفرض وجوده على تطبيق هذا القانون، وهو أمر ما زال غير واضح، وفيه غموض كبير، وحتى تصريحات وزير التربية بتطبيق ما جاء في حكم المحكمة الدستورية غامض، فهل يقصد أن «الشدادية» سيكون الفصل فيها بين الجنسين في داخل القاعات فقط؟ أم أن النص الخاص بها، سيُطعن فيه هو الآخر، ليتوافق مع ما جاء في حكم المحكمة الدستورية الأخير؟