الإرهاب والفساد.. وجهان لعملة واحدة

حيدر العبادي
حيدر العبادي

محمد الغربللي:
تحدَّث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، عن التحديات التي تواجهها حكومته والعراق عامة، ممثلة بـ «داعش»، والتصدي له، بتحرير الرمادي والموصل في ما بعد، أو مواجهة العمليات الإرهابية التي تجري في بغداد ومدن عراقية أخرى، ووصفها بالتحدي، وفي ذات المصاف وضع التحدي الآخر، المتمثل بالفساد المدني، الذي يعانيه العراق، ويفتت كل السياسات الإصلاحية في مواجهته، سواء كان على مستوى الجهات الرسمية، أو العصابات الخاصة التي استغلت بيئة الفساد، وأخذت تعمل لحسابها الخاص، بفرض الأتاوات، أو الخطف، وغيرهما من الوسائل والسبل الأخرى في عمليات الكسب غير المشروع.. وهو تحدٍ يواجه الحكومة العراقية وحدها من دون غيرها.

بالنسبة لمواجهة «داعش»، هناك دول تعمل على مساعدة الحكومة العراقية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وغيرها من الدول العربية أو الأجنبية، التي تعمل على مساندتها للتصدي للإرهاب، أو هكذا يُفترض.. وإن كان ليس بالضرورة الدخول مباشرة في معارك حربية، إلا أنها تزودها بالسلاح، لأداء مهامها العسكرية، وهذا ما قاد الجيش العراقي إلى تحرير مدينة الرمادي، وإن كانت الحكومة العراقية تتلقى الدعم العسكري لمواجهة الإرهابيين، إلا أن عبء مواجهة الفساد يقع عليها وحدها، ولا يمكن لها طلب مساندة دولية أو عربية، كحال المواجهة مع الإرهاب. صحيح أنها اتخذت خطوات خجولة جدا وغير مؤثرة لمواجهة الفساد، لكنها لا تزال أمام مؤسسة متخمة به منذ ما قبل عام 2003، ومع حالات الفوضى والتقاسم الطائفي بعد ذلك العام، زادت الحالات وتوغلت في أجهزة الدولة بشكل متزايد ومخيف، سواء على مستوى الوزراء أو أعضاء مجلس الشعب إلى النافذين في الإدارة الحكومية.. ولم تنفع مباركة المرجعية الدينية لخطوات العبادي، ولم تؤثر أيضا تلك التظاهرات التي خرجت في أكثر من ميدان في مناهضة الفساد، في إعطاء زخم وقوة لحكومته في السير بالطريق الإصلاحي ومواجهة أوكار الفساد ونفوذه، وظلت الأنظار متجهة نحو محاربة الإرهاب، مبتعدة عن مواجهة إرهاب الفساد، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور.

عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي

الوضع في مصر

حالة أخرى من حالات الفساد كانت مثار ردود فعل، بعد نشر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الاربع سنوات الماضية، ذُكر فيه أن تكلفة الفساد في مصر داخل مؤسسات الدولة بلغت 600 مليار جنيه في عام واحد، وتم رفع التقرير مباشرة لرئاسة الجمهورية، كونه يتبع الرئيس في توجيه التقارير السنوية.

ثارت ردود فعل كبيرة إزاء تقديرات كلفة الفساد، ما بين مكذب للرقم، أو مَن يرى فيه مبالغة، وقد استدعى ذلك ذهاب رئيس الجمهورية إلى تشكيل لجنة من عدة جهات في مصر، لتقصي «الحقائق الواردة في التقرير، لعرضه مرة أخرى على رئاسة الجمهورية، مع إطلاع الرأي العام على مسار التحقيق».

ويرى بعض المتابعين للشأن المصري، أن خطوة تشكيل لجنة لبحث تقرير ما، من شأنه أن يقلل من مصداقية تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، بل يطعن بقدر كبير في مصداقيته، وكان يفترض أن تتم دراسة التقرير في إطار رئاسة الجمهورية، وليس عبر تشكيل لجنة قد تكون مقبرة لما ورد بالتقرير من معلومات. وبغض النظر عن المبلغ الكبير الذي أعلن عنه في تقرير 2015، فإنه في النهاية يكشف عن صورة كبيرة من صور الفساد المفترض مواجهته بكل قوة، نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في مصر، علماً بأن المبلغ المقدَّر لعام 2014، كان 400 مليار جنيه، وقد زاد هذا العام بنسبة 50 في المائة.

تركة ثقيلة

تركة ثقيلة تتحمَّلها الحكومة العراقية، ولاتزال تحاول الخروج منها، من دون نتائج فعلية، كما هي الحال لدى الرئاسة والحكومة المصريتين، بعد ورود تقارير سنوية، كاشفة حالات الفساد العميقة التي تواجهها الدولة وتجعل أي عملية تنموية في طريق متعثر لا يمكن السير فيه، كما أن مثل تلك التقارير وتلك الأوضاع من شأنها إبعاد الاستثمار الأجنبي، عن الدولتين، إن لم تكن هناك وقفة حاسمة ومستمرة ومؤسسيه لمواجهة الفساد بكل صوره وأشكاله، وهذا ليس قرارا فنيا بحتا، بل قرار سياسي لايزال مترددا ومنكفئا على واقع الأحوال التي تجري، سواء في مصر أو العراق.

وهكذا، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن القضاء على الأول من دون مواجهة أو غض النظر عن الآخر، إن أردنا السير في ركاب التنمية وخير الشعوب.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.