
كتب محمد جاد:
تنوَّعت الأحداث الثقافية في عام 2015، ما بين الجوائز العربية والعالمية، وظهور كُتاب جدد، وخاصة في مجال الرواية، كذلك وهي السمة الغالبة، فقد الأدب العربي عدداً من رواده وأكبر مؤثريه، أمثال: جمال الغيطاني، عبد الرحمن الأبنودي، فاطمة المرنيسي، آسيا جبار، والعديد من المبدعين، سواء في مجال الرواية، أو الشعر، أو التنظير الأدبي والنقد الاجتماعي.
مفاجأة نوبل
ذهبت جائزة نوبل هذا العام إلى كاتبة من خارج مجال الأدب، فهي صحافية، وتكتب ما يمكن أن يُطلق عليه «النثر الصحافي»، وهي الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، التي تعد أعمالها بمثابة التوثيق الصحافي للأحداث الكبرى في التاريخ، كما أشار بيان الجائزة إلى الأسباب التي نالت من أجلها أليكسيفيتش جائزة آداب هذا العام. بداية، يصف البيان كتاباتها، بأنها تمثل «لحظة شجاعة ومعاناة في زماننا». فالكاتبة «انشغلت طوال الأربعين عاماً الماضية بدراسة الاتحاد السوفييتي، قبل الانهيار وبعده، لتقدم لنا كتابها (وقت مستعمل)، إلا أن ذلك لم يندرج تحت بند رواية الأحداث، إنما قدمت لنا تاريخاً من المشاعر، سواء في كارثة تشيرنوبيل، أو الحرب السوفييتية في أفغانستان.
فالحِس التوثيقي لرسم صورة شبه شاملة لحدث ما، هو الأسلوب الذي اعتمدته الكاتبة بعد ذلك في كل أعمالها.
وتُرجع تفضيلها لهذا الأسلوب، قائلة: «اخترت هذا النوع التعبيري الذي تعبر فيه الأصوات البشرية عن نفسها». هنا يبدو أن شخصية الكاتبة تختفي وراء هذه الأصوات، وتظهر من خلال الفكرة الكلية للعمل.
البوكر العالمية
فاز بها الكاتب الجامايكي مارلون جيمس، عن روايته «لمحة تاريخية عن سبع جرائم قتل»، التي تستند أحداثها إلى محاولة اغتيال مغني الريغي الجامايكي الشهير بوب مارلي في سبعينات القرن الفائت. ووصف مايكل وود رئيس لجنة التحكيم الرواية بأنها «الأكثر إثارة» من بين الروايات التي اختيرت ضمن القائمة القصيرة.
بوكر الروايات المترجمة
وفي قسم الجائزة الخاص بالروايات المترجمة إلى الإنكليزية، فاز الروائي المجري لاسلو كراسناهوركاي، عن روايته «ميلانخوليا المقاومة».
وقالت رئيسة لجنة التحكيم مارينا وورنر: «إن لاسلو كراسناهوركاي هو كاتب الرؤى بامتياز، تمتاز أجواء رواياته بالتكثيف، وتعدد الأشكال السردية، التي تلتقط أجواء العالم المعاصر في مشاهد يطغى عليها الرعب حينا، وحينا تسودها الدعابة، وفي أحيان كثيرة تصبح جميلة بشكل يبعث على الصدمة».
يُذكر أن كراسناهوركاي تم اختياره من بين عشرة مرشحين في القائمة القصيرة، منهم الروائي الليبي إبراهيم الكوني والروائية اللبنانية هدى بركات.
بوكر العربية
(الطلياني) هي الرواية الأولى لكاتبها الباحث التونسي والناقد الأدبي واللغوي شكري المبخوت، التي توجت بفوزها بجائزة البوكر العربية في دورتها الثامنة.
وتستعرض الرواية حياة أحد المناضلين من اليسار التونسي – كجزء من اليسار العربي – بين زمنين مفصليين في حياة تونس، من بورقيبة والانقلاب عليه، وحتى عصر زين العابدين بن علي.
يتماس التاريخ السياسي العربي بالكامل مع حكاية (عبدالناصر/الطلياني) بطل الرواية، بصفته يمثل مناضلي تلك الحقبة، وما يبدو عليه من شخصية شعارية تنادي بعدة مبادئ، لكنها في حقيقتها تتوقف عند ذاتها، وتفشل في التواصل، وبالتالي تنهار ومشروعها التقدمي، الذي لم تؤمن به في قرارة نفسها، وتحيا حياة فصامية، رغم تحمُّلها العديد من المآسي الحياتية والاجتماعية.
جائزة نجيب محفوظ
هي الجائزة التي تمنحها الجامعة الأميركية كل عام، وقد ذهبت إلى الكاتب اللبناني حسن داود، عن روايته (لا طريق إلى الجنة).
تدور الرواية حول شخصية رجل الدين، الذي تخرج في النجف الأشرف، وينتمي إلى سلالة من رجال الدين، كل ذلك رغماً عنه، فهي حياة مفروضة منذ ميلاده، وعند لحظة مفارقة ــ اكتشافه أو تأكده بأنه مريض – يبدأ في التخلص من كل هذا التاريخ وهذه الحياة، ويبدأ كما أراد. فهو على سبيل المثال لا يكتفي بالزواج مِمَن أحب، بل يريد أن يتبادلا حالة الحب هذه، الحالة نفسها بكل تفاصيلها، بغض النظر عن كونها علاقة زواج، كما هو مُتعارف عليه.
جائزة الأركانة العالمية للشعر
وهي جائزة سنوية يقدمها بيت الشعر في المغرب، وقد حصل عليها الشاعر الألماني فولكر براون المولود عام 1939، الذي ذكرت لجنة منح الجائزة أنه «ظل وفياً على مدى نصف قرن لجوهر الشعر، بكتابة قصيدة مُتفاعلة مع زمنها، مُنتصرَة للأمل، تبث شعاعه، بحثا عن التوازن داخل عالم مُهتز. يكتبُ الشاعر فولكر براون قصيدة تنعتِق من أشكال التقليد، من دون أن تتنكر لروح التراث الشعري أو تنجر وراء حداثة مبتورة».

أدونيس في القاهرة
من أهم أحداث العام، الندوة التي أقامها أدونيس، ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والأربعين، التي أثارت الكثير من الجدل، كعادة الرجل أينما حلَّ.
جاءت ندوة أدونيس، من خلال محاور أربعة، أولها أن الإسلام «رسالة»، وأنه بحال تحوله إلى «دولة»، فإنه سيتورَّط في دائرة لا تنتهي من العنف والدموية، وهي الدائرة التي ترتبط دائما بمفهوم «الدولة» أو «السلطة»، لتتحوَّل «الرسالة» إلى «نظام قمعي»، وتبتعد عن هدفها «الروحي والمعرفي»، الذي من المفترض أن تقوم به.
أما المحور الثاني، فيتلخص في إنشاء «جبهة علمانية» للمجتمع العربي، تقوم على إعادة قراءة كل ما هو «موروث»، مشدداً على أن تغيير المجتمع أكثر أهمية من تغيير السلطة أو النظام الحاكم، حيث يأتي تغيير السلطة ضمناً مع تغير المجتمع، كمفهوم أكثر شمولية، يحتوي بداخله تغيير السلطة الحاكمة.
وثالث هذه المحاور، هو تحرير الثقافة العربية من حالتها «الوظيفية» إلى «الموضوعية»، وتحويلها إلى ثقافة «البحث والابتكار»، كي تقوم بدورها المُفتَرَض تجاه المجتمع الإنساني. وآخرها «الديمقراطية»، التي لا مفر منها، ولا بديل عنها، فمن دونها لن توجد «الحرية» ولا «المساواة».

الراحلون
غونتر غراس
رحل الكاتب الألماني غونتر غراس (16 أكتوبر 1927 -13 أبريل 2015)، الذي توج بالفوز بجائزة نوبل للآداب في عام 1999.
أدب غراس، هو أدب انتقادي في المقام الأول، يتلو المآسي الإنسانية الكبرى، هو أدب مؤلم، أشبه بوخزات الضمير.
ويُعد عمله الأشهر (الطبل الصفيح) تجسيداً لكل هذه الصفات والأفكار الروائية. وهي رواية ضمن ثلاثية بعنوان (ثلاثية دانتزغ)، أولاها طبل الصفيح، أو أصوات الهذيان 1959، مروراً بـ «القط والفأر» 1961، وختاماً بـ «سنوات الكلاب أو البؤس» 1963.
آسيا جبار

تعد آسيا جبار (1936 ــ 2015) من أشهر الروائيات العربيات في العالم الفرنكفوني.
ارتبط أدب جبار أو (فاطمة الزهراء إيمالاين)، بالمقاومة وحرب الاستقلال، وتابعت بعد ذلك طريق النضال هذا، من خلال كشف تناقضات المجتمع الجزائري والعربي بوجه عام تجاه المرأة ووضعها، وكل الإرث الثقافي والشعبي المنغلق، الذي يُكرّس لوضعية المرأة المتدنية بشتى الصور. وجبار، هي أول كاتبة عربية يتم ترشحها لجائزة نوبل للآداب لعدة سنوات منذ عام 2009، إضافة إلى كونها أول امرأة من شمال أفريقيا تصبح أحد أعضاء الأكاديمية الفرنسية.
عبدالرحمن الأبنودي
لم يكن الأبنودي (1938 ــ 2015) صوتاً شعرياً عادياً، ورغم كل التناقضات في مواقفه، فلا أحد يستطيع أن ينكر موهبته الشعرية، وتأثير كلماته التي أخذها من لسان الشعب المصري، وأعادها إليه مرَّة أخرى في شكل مواويل وقصائد وأغنيات تعبّر عن حال هذا الشعب. وما بين (عدّى النهار) و(ضحكة المساجين) رحلة طويلة شاهدة على نضال المصريين، وتضحياتهم التي لا تنتهي.
ورغم بعض المواقف الملتبسة في حياة الرجل، ووقوف العديد ضدها بانه أيَّد هذا او ذاك، فإن أشعاره ستظل باقية في وجدان المصريين، صغاراً وكباراً.
استقى الأبنودي موهبته من التربة المصرية، نيلها وشمسها وجنوبها، فمنحته خلود الكلمات عن طيب خاطر.
محمد الفيتوري
يُعد الفيتوري (1936 ــ 2015) من رواد الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وكذلك من رواد الشعر الحر الحديث، وتجلى ذلك في الكثير من قصائده، ومنها قصيدة «تحت الأمطار»، التي تحدَّى فيها كل ما تنص عليه القواعد القديمة لكتابة الشعر.
وتأثر الفيتوري تأثراً لافتاً بالتراث السوداني، فنجده يتحدث عن إيقاع أبياته الشعرية، بأنها تحمل الطبول والدفوف الأفريقية، كما استقى الكثير من المفردات التراثية، وكذلك أثرت فيه تجربة والده وجده الصوفية، ليستقي منها الكثير من الأفكار والمفردات.
كما تجلى صراع الفيتوري ضد الرق والاستعمار في الكثير من أعماله الشعرية، مناقشاً قضية «الزنوجة» ونبذه لكل أنواع العنصرية، داعياً الزنوج إلى التفاخر بلونهم الأسود، الذي لا يعني أبداً أنهم على درجة أقل شأناً من الرجل الأبيض، الذي كان رمزاً لاحتلال الأوطان في أفريقيا. أما اهتمامه بالحركات التحررية الأفريقية، فكان بطول القارة السمراء وعرضها، داعياً الشعوب إلى التحرر من محتليها وقيودها.
ومما يعكس مدى اهتمامه بالشأن الأفريقي، صدور أربعة دواوين له بعناوين «أغاني أفريقيا 1955»، «عاشق من أفريقيا 1964»، «اذكريني يا أفريقيا 1965» و«أحزان أفريقيا 1966»، ليصبح الفيتوري أحد الأصوات البارزة التي حملت هموم القارة السمراء، وناقشت قضاياها وعكست معاناتها. ولم ينفصل الفيتوري عن هموم العالم العربي، وخاصة القضية الفلسطينية، التي ساندها ودعمها.

جمال الغيطاني
لا أحد يستطيع أن يُنكر المُنجز الأدبي للكاتب والروائي الراحل (جمال الغيطاني 9 مايو 1945-18 أكتوبر 2015)، فما قدمه الرجل إلى الرواية العربية والأدب العربي يُعد إضافة كبيرة، والسعي به عدة خطوات، من تطوير البنية واللغة والأسلوب.
من ناحية أخرى، حاول الغيطاني أن يجعل من التاريخ السياسي والاجتماعي المصري متكأ، وإعادة تأويل لما يحدث في العصر الحديث، وكأنه يعيد صياغة الحوادث في سرد خيالي يؤكد رؤيته أو التساؤل الدائم حول اللحظة الراهنة.
ما أضافته تجربة الغيطاني للرواية العربية، هو البناء الصوفي واللغة الصوفية، التي جعلها تمتزج بالنص الأدبي، وكأنها من داخله، من دون اغتراب أو إقحام.
هناك عدة أعمال تعد علامة فارقة في مسيرة جمال الغيطاني الروائية، ومسيرة الرواية العربية بوجه عام، منها على سبيل المثال «أوراق شاب عاش منذ ألف» عام 1969، «الزيني بركات» 1974، «وقائع حارة الزعفراني» 1976، «خطط الغيطاني» 1978، «التجليات (الأسفار الثلاثة)» 1990.

فاطمة المرنيسي
تعد عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي (1940 – 2015) من أهم الأصوات العربية التي كشفت عورة السُلطة في البلاد الموسومة بالعربية، وبالتالي الكشف عن أسباب أعمق للسلطة، تتمثل في التراث الفكري والاجتماعي، وصولاً إلى العقل العربي، الذي لم يزل يعتمد الذكورة معياراً للتصنيف ما بين الأقوى والأضعف.
ولعل إنتاجها الذي حاول تفكيك وخلخلة السلطة الذكورية وتبعاتها المتمثلة بالأساس في سلطة سياسية، أهم إنجازاتها الذي حاولت من خلاله التماس مع ما هو ديني وفقهي، وخاصة في مجتمعات لم تزل تقدس النقل على العقل، واختلط في مفهومها النص الديني والقول الفقهي والوقائع الاجتماعية.
عملت المرنيسي باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، كذلك بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
من أهم مؤلفاتها: «الحريم السياسي»، «الجنس كهندسة اجتماعية»، «هل أنتم محصنون ضد الحريم؟»، «الجنس والأيديولوجيا والإسلام»، «ما وراء الحجاب»، «الإسلام والديمقراطية»، «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، «أحلام الحريم»، و«نساء على أجنحة الحلم».
كما حصلت على عدة جوائز عالمية، منها: جائزة أمير أستورياس للأدب، مناصفة مع سوزان سونتاغ عام 2003، وكذلك جائزة إراسموس الهولندية عام 2004.

إدوار الخراط
إدوار الخراط (1926-2015)، هو الصوت الأشد اختلافاً في الأدب العربي، وكانت لمؤلفاته الأدبية والنقدية أثر كبير في إحداث طفرة أدبية، سواء على مستوى الرؤية أو السرد الأدبي، الرواية، النصوص، والشعر.
سمة التسامح والتجاور مع الثقافات المختلفة تعد أهم سمات أدب الخراط، الذي يرى أن الأصالة الثقافية لا تعني الانتماء العنصري أو العرقي، بل تراكم وانصهار للمقومات الموحدة، متجاوزة بذلك الحدود السياسية، لكنها في الوقت نفسه تصدر عن منابع متعددة المرجعيات، في مصر مرجعيات فرعونية قبطية إسلامية ومعاصرة، وفي العراق أشورية، وفي لبنان وسوريا وفلسطين فينيقية، وفي المغرب مرجعية بربرية أمازيغية، وفي السودان والصومال تراث أفريقيا السوداء، من ثَم فإنها تسهم في صعود مذهب إنساني جديد وتاريخي في الوقت نفسه.