
محمد الغربللي:
في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة، وصغيرة جداً، حيث تنتقل الأحداث والصور والأفلام وقت وقوع الحدث، وتنتشر في كل بلاد العالم بلمح البصر عن طريق كاميرات الهواتف وعبر أدوات التواصل بشكل لم يعد باستطاعة الأنظمة إخفاء أي حدث أو جعله طي الكتمان.. وعلى صعيد آخر لم تعد حقوق الإنسان شأنا داخليا، بل شأن عالمي عن طريق الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الأغلبية العظمى من الدول، وتتابعها لجان حقوق الإنسان في العالم، سواء التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات الأهلية العاملة بكل قدراتها وسبلها، بالاستعانة بما يرد إليها من تقارير وتحقيقات غالبا مرفقة بالصور والأفلام التي تبين انتهاك حقوق الإنسان في هذا البلد أو ذاك، نقول في هكذا عالم لايزال البعض مصرا على استخدام لغة مختلفة أو بالأحرى نوع من حوار الطرشان كما يقول المثل.
تقرير منظمة العفو الدولية
نتناول هذا الحديث على ضوء تقرير منظمة العفو الدولية تجاه الكويت، الذي يبين الملاحقات الأمنية والدعاوى القضائية المرفوعة تجاه الناشطين السياسيين أو أصحاب الآراء، وكذلك القوانين الصادرة المنافية للحريات العامة.. لم تُصدر المنظمة هذا التقرير إلا عندما وجدت هامش الحرية وقد تقلص بشكل مطرد في الكويت، وتزايدت الدعاوى القضائية والملاحقات الأمنية، وقادت العديد من أصحاب الرأي إلى السجون بأحكام قاسية، ووصلت القضايا إلى عدد تجاوز المئات وهو ما لم تشهده الساحة الكويتية بتاريخها من قبل.
روح الدستور
الحديث عن منظمة حقوق الإنسان لا يحتاج إلى «فذلكة» لسان أو فلسفة عميقة.. لكل إنسان الحق في إبداء رأيه بالشأن العام، وروح مواد الدستور الكويتي ليست بعيدة عن ذلك.. وعندما تبدي رأيا ما فللآخرين أيضا حرية إبداء رأي مخالف، كما لهم الحق في رفض رأيك وتفنيده، وتبقى الآراء في حيز من التبادل دون التسبب في أذى مادي أو خسائر فعلية.. ونتساءل أيهما أكثر ضررا، الرأي الذي قيل من أحد الأطراف، وربما يكون قابعاً الآن في السجن أو مغترباً خارج البلاد جراء الأحكام الصادرة بحقه، أو من ارتكب أفعالا إجرامية؟
أيهما أكثر ضررا، من سرق الاستثمارات الكويتية في لندن وولى هاربا خارج البلاد يستمتع بأمواله التي نهبها، أم أصحاب الرأي؟
أيهما أكثر ضررا على البلاد من استولى على أموال شركة الناقلات الكويتية أم أصحاب الرأي؟
أيهما أكثر تسببا في أذى وخسائر مادية جراء الإهمال وسوء التنفيذ والرقابة من تولى الإشراف على مجمع مضخات الصرف الصحي في مشرف أم أصحاب الرأي الملاحقين أو الذين يقضون أحكاما في السجون؟
أيهما أكثر أذى وجرما خسيسا من استغل أموال التأمينات الاجتماعية وولى هاربا خارج البلاد، أم أصحاب الرأي؟
مبادئ واضحة
محاكمة وتقرير منظمة العفو الدولية نابع من مبدأ حرية إبداء الرأي وإشاعة الحريات العامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وفق ما كفلتها اتفاقيات حقوق الإنسان وتقاريرها المبنية على وقائع وشهادات، وليس انطباعات قد تخطئ أو تصيب، لهذا أتى تقرير المنظمة على هذا النحو، وكان محل اعتراض من مساعد وزير الخارجية لشؤون المتابعة والتنسيق ناصر الصبيح على تلك الانتقادات، عندما صرح بذلك في ندوة «القانون الدولي الإنساني ودولة الكويت» في المعهد الدبلوماسي، حيث قال إن «الكويت ستقوم بواجباتها للرد على ما جاء في التقرير»، مشدداً على أن «البلاد لا تعاني إشكالية اعتقالات ظالمة أو غير قانونية لوجود محاكمات عادلة، خاصة أن القانون الكويتي يكفل الحق لكل كويتي ولكل من يريد أن يلجأ للقضاء».
وفي هذا الصدد نقول إن القضاء الكويتي لا يحكم وفق هواه بل من واقع القوانين التي تؤطر أحكامه التي يصدرها، ومادامت القوانين أكثر شدة فبالتبعية تصدر المحاكم أحكاما مشددة.. ويستطيع مسؤول الخارجية العودة إلى الملفات القضائية لمعرفة أعداد القضايا المرفوعة والأحكام التي صدرت والمتعلقة بإبداء الرأي قولا أو كتابة، هي مسألة أعداد يمكن إحصاؤها دون صعوبة أو عناء، ليتأكد من مدى مصداقية تقرير المنظمة، ويقرأ الواقع كما هو وليس كما يصفه، وذلك كي لا يستمر حوار الطرشان هذا، وتغيب المعرفة عن حرية إبداء الرأي والحريات العامة، والأذى والخسائر المادية الجسيمة التي تكبدها البلد ليس بسبب الآراء بل بسبب السرقات على مدى عقود ولاتزال مستمرة.