ملاحظات أولية حول مشروع «مكافحة الفساد»

مجلس الأمة مطبخ القرارات

كتب محرر الشؤون البرلمانية:
تؤكد المؤشرات كافة أنه لن يطرح في الجلسة المقبلة لمجلس الأمة قانون هيئة مكافحة الفساد، كما كان مخططا له من قبل الحكومة وعدد من الأطراف النيابية قبل الجلسة الأخيرة، التي لم تكتمل بسبب وفاة النائب نبيل الفضل، فالمشروع الحكومي والمقترح المقدم من النواب والتعديلات الأخرى المقدمة على المشروع الجديد بحاجة إلى وقت أطول، كي لا يخرج القانون بشكل مشوه، ما يستلزم أن يشمل المشروع الحكومي المطالب النيابية والفنية التي كانت محل استفسار من قبل المختصين، في الوقت الذي تصر الحكومة على تمرير المشروع بحجة سد الفراغ التشريعي القائم حاليا بعد إبطال المحكمة الدستورية المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 2012 الخاص بالهيئة.

تبعية «الهيئة»

لا تزال الحكومة مصرة على إبقاء المادة الثالثة على وضعها دون تعديل، والتي تنص على «تنشأ هيئة عامة تسمى (الهيئة العامة لمكافحة الفساد) يشرف عليها وزير العدل، وتؤدي مهامها واختصاصاتها باستقلالية وحيادية كاملة وفقا لأحكام هذا القانون»، الأمر الذي من شأنه الالتفاف على المطالب بالحيادية الكاملة للهيئة، ونقل تبعيتها إلى مجلس الأمة أسوة بديوان المحاسبة، كي لا تتعرض لضغوط من السلطة أو الجهة التابعة لها.

يأتي هذا في الوقت الذي يرى عدد من السياسيين أن نقل تبعية الهيئة إلى مجلس الامة سيضر بعملها، ويدخلها في إطار الصراعات السياسية، لاسيما أن التجربة أكدت في السابق أن تبعية الهيئة لوزارة العدل لم يؤثر على عملها، وكانت إشرافية فقط كالمجلس الأعلى للقضاء «المستقل» لوزارة العدل.

تكبيل لليد

أخطر ما تضمنه المشروع الحكومي ما جاء في نص المادة 24 التي أشارت إلى «مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 32 لسنة 1968 المشار إليه، تقوم الهيئة فور علمها بوجود شبهة جريمة فساد بجمع المعلومات والأدلة بشأنها، ولها في سبيل ذلك أن تطلب من النيابة العامة السماح لها بالإطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم، وكذلك طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها، ولها أن تقرر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة».

وكذلك ما ورد في المادة 26، الفقرة الأولى التي تنص على «لا يجوز للجهات التابعة للقطاع الحكومي أو الخاص أو أي شخص طبيعي أو معنوي القيام بأي من الأفعال الآتية: الامتناع دون مبرر قانوني عن تزويد الهيئة -متى صرح لها بذلك- بأي سجلات أو وثائق أو مستندات أو معلومات قد تكون مفيدة في الكشف عن أفعال الفساد».
فقد قيدت هاتان المادتان حصول الهيئة على المستندات والمعلومات من خلال إجراءات التحقيق أو التحري وغيرها، بالحصول على إذن من النيابة العامة لذلك، أو السماح لها من جهات لم يتم ذكرها في المادة 26 كي تزاول عملها، وبذلك تقيد حركة الهيئة في الحصول على المعلومات بالسرية والسرعة والشكل الذي يجب أن يكون عليه الأمر.

المتابعة في الضبط والحجز

كما وقع المشروع في خطأ فني كبير بتأكيده في المادة رقم 23 على «تقوم الهيئة بمتابعة إجراءات ضبط وحجز واسترداد الأموال والعائدات المتحصلة من جرائم الفساد وفقا للأحكام والقواعد والإجراءات المقررة في القوانين المعمول بها»، وبذلك اقتصر دور الهيئة في ذلك الجانب على المتابعة فقط، دون المشاركة أو الإشراف الكامل على إجراءات الضبط وحجز واسترداد الأموال والعائدات المتحصلة من جرائم الفساد وغيرها ممن تقع تحت طائلة المشروع.

سد الفراغات التشريعية

على الرغم من تأكيد وزير العدل يعقوب الصانع منذ شهور، في رده على سؤال برلماني، أن الوزارة بصدد إحالة تعديلات على قوانين الجزاء لعدم تكرار حفظ قضايا كقضايا الإيداعات من جديد، وعلى الرغم من أن المشروع الحالي «هيئة مكافحة الفساد» يمثل فرصة ذهبية بتضمينه المطالب التي وردت بتقرير المجلس الأعلى للقضاء لعام 2013 الذي حث على تضمين تعديلات تشريعية على (إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد) وتعديلات أخرى على قانون الجزاء، إلا أن الحكومة لم تتعامل مع هذا الجانب بصورة جيدة، ومازالت الأمور معلقة، ويرى مراقبون ضرورة أن تعمل الحكومة على سد مختلف الثغرات.

موظفون بلا حصانة

لقد تجاهل مشروع القانون إعطاء حصانة خاصة للعاملين في الهيئة العامة لمكافحة الفساد أسوة ببعض الأجهزة الرقابية، وبذلك سيجد الموظف نفسه أمام عوائق قانونية كثيرة قد تعوق عمله في حال لو ظل النص كما هو عليه.

اللائحة التنفيذية

نصت المادة 57 من المشروع الحكومي «تصدر بمرسوم اللائحة التنفيذية لهذا القانون، بناء على اقتراح مجلس الأمناء وتنشر في الجريدة الرسمية»، وفي حال إبقاء النص على وضعيته هذه، فمن المرجح تكرار نفس السيناريو السابق للائحة التنفيذية لهيئة مكافحة الفساد المبطلة، التي ظهرت للنور بعد سنتين تقريبا من اصدار مرسوم الهيئة السابق.

لذا على المشرع أن ينتبه لتلك المادة، ويعدلها لكي يلزم الحكومة ومجلس الأمناء القادم بمدة زمنية محددة تصدر فيها اللائحة التنفيذية للقانون، لاسيما أن اللائحة التنفيذية السابقة ستكون بمثابة العمود الفقري للائحة الجديدة.

موظفو الهيئة السابقون

وأخيرا، غفل المشروع الحالي معالجة أوضاع موظفي الهيئة السابقين، والارتباطات التعاقدية، والمالية لمن أبرمت معهم الهيئة اتفاقات محددة، وذلك بعد أن اكتفى مجلس الوزراء بنقل العاملين في الهيئة إلى وزارة العدل.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.