
ترجمة ظافر قطمة
تناولت صحيفة نيويورك تايمز قضية الفساد المستشري في الأوساط السياسية والحكومية في إندونيسيا منذ عهد الرئيس سوهارتو وحتى يومنا هذا.
وقالت الصحيفة، في تقرير لها حول هذه الظاهرة، إن تسجيلاً سرياً مدته 80 دقيقة يتعلق برئيس البرلمان الإندونيسي سيتيا نوفانتو، الذي كان يسعى إلى الحصول على رشوة مقابل مساعدة شركة على تمديد عقدها الخاص بالتعدين، قد نشر ثم تمت إعادة الأجزاء التي تدينه بشدة بحيث يتمكن الكل من سماعها.
ويقول التقرير إنه بحلول الوقت الذي قدم فيه نوفانتو استقالته مؤخرا قبل ساعات من قرار مجلس آداب المهنة بتجريده من منصبه، كانت المفاجأة كونه صمد كل تلك الفترة الطويلة، وبحسب نائب الرئيس جوسف كالا: «كان قراراً جيداً رغم أنه تأخر بعض الشيء».
ورغم ذلك فإن الكشف العلني لقضية ضد أحد أقوى الشخصيات في إندونيسيا وسرعة سقوطه تمثل مسألة غير مسبوقة.
ويقول رئيس إدارة السياسة والعلاقات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في جاكرتا فيليبس فيرمونت إن «رجلا واحدا فقط سقط، وهذه ليست حقاً مثل فضيحة ووترغيت، لكنها طبعاً سوف تعتبر على هذا النحو، لأنه من خلال البرلمان والشعب لدينا سابقة جديدة»، مضيفا: «ما شهدناه هو أن الضغط العام كان ناجحاً جداً إزاء الضغط على مجلس آداب المهنة، وبسبب هذا الضغط لم يكن أمام ذلك المجلس من خيار سوى العمل».
32 عاما
في عهد الرئيس سوهارتو، الذي سرق بحسب التقديرات ما يصل الى 35 مليار دولار، خلال فترة حكمه التي استمرت 32 سنة، كان يحظر نشر الأنباء، ووسائل الإعلام التي كانت تتجرأ على نشر أخبار الفساد، وهو نظام يخضع لرقابة مشددة من قبل الدائرة الضيقة لسوهارتو، كانت تتعرض للتهديد أو الإغلاق.
وبعد أكثر من 15 عاماً، ومع استمرار إندونيسيا في الانتقال نحو الديمقراطية قامت وسائل الإعلام بتغطية قضية نوفانتو، حيث سارت مظاهرات ضد الفساد في جاكرتا ومدن إندونيسية أخرى، واجتاحت تعليقات الإدانة ضد رئيس المجلس النيابي مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان وزير الطاقة الإندونيسي سودرمان سعيد هو الذي أبلغ مجلس آداب المهنة وسلمه التسجيل الخاص بالقضية، والذي تم من قبل مارويف سجامسودين وهو رئيس «فريبورت» إندونيسيا خلال اجتماع خاص عقد في يونيو الماضي.
وتملك «فري بورت – ماك مو ران» أكثر من 90 في المئة من وحدتها في إندونيسيا التي تعتبر أكبر دافع للضرائب في ذلك البلد، كما أن منجم الشركة «غراسبرغ» في الإقليم الشرقي من «بابوا» يملك أكبر منجم للذهب في العالم وثالث أكبر منجم للنحاس.
وأعلنت «فري بورت – ماك كو ران» خططا تتعلق باستثمارات جديدة بقيمة 17 مليار دولار في عمليات «بابوا»، لكن ذلك يتوقف على تمديد عقدها الحالي الذي ينتهي في عام 2021 حتى عام 2041.
محتوى التسجيل
اشتمل التسجيل على طلب نوفانتو من ماروف الحصول على حصة بنسبة 20 في المئة في فري بورت إندونيسيا، وزعم أنه يطلب ذلك نيابة عن الرئيس جوكو ويدودو ونائبه كالا، كما وعد بأن تلك الحصص هي لهما، في الوقت الذي نفى جوكو وكالا علمهما بمحاولة الابتزاز.
والسيد جوكو، الذي جهد في عمله السياسي في حزب سوهارتو غولكار تورط، لكنه لم يتعرض لمقاضاة خلال العديد من فضائح الفساد خلال شغله مناصب عامة.
وأغضب الإنكار العديد من الإندونيسيين، خصوصا أولئك الذين عايشوا تجاوزات نظام الرئيس سوهارتو.
ويقول كيث لافيرد، وهو رئيس الخطر السياسي لدى شركة كونكورد الاستشارية الأمنية التي تتخذ من جاكرتا مقراً لها، «المهم هو ما يظنه الشعب الإندونيسي وردة الفعل كانت مقيتة».
لجنة الفساد
بدأت إندونيسيا بخطوات في مكافحة الفساد منذ إقالة سوهارتو في سنة 1998، ثم تشكيل لجنة مستقلة لاجتثاث الفساد في عام 2003.
وقد حكمت هذه اللجنة بسجن أكثر من 400 شخص في عمليات كسب غير مشروع من المستوى الرفيع، وشملت القائمة العشرات من أعضاء برلمان سابقين وحاليين، إضافة لأحد الوزراء ورئيس المحكمة العليا وقادة أحد الأحزاب السياسية، وحكام أقاليم وكبار مسؤولي الشرطة، ومدعين عامين ورجال أعمال بارزين.
ولا غرابة في أن هذه اللجنة اشتبكت في بعض الأحيان مع الشرطة الوطنية ومكتب الادعاء العام، كما تم اعتقال كبار أعضائها، وقدموا إلى المحاكمة بتهم ملفقة بسبب تحقيقاتها، بحسب نشطاء في مكافحة الفساد.
ورغم نجاحات اللجنة، لا يزال أمام إندونيسيا طريقاً طويلا، وبحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية في مكافحة الفساد في سنة 2014 فإن إندونيسيا احتلت المركز الـ107 من أصل 175 دولة في الفساد، وكان ذلك التصنيف أعلى بثلاث نقاط عما كان في عام 2010.
ويقول محللون إن ثمة قضية رئيسية تظل في هذا الصدد، وهي فشل إندونيسيا في إصلاح نظامها الحزبي السياسي وقوانين تمويل الحملات.