كتب محرر الشؤون العربية:
طرح الإعلان السعودي «المفاجئ» عن قيام تحالف إسلامي عسكري مقره الرياض، يضم 34 دولة، ويتولى مهمة التصدي للإرهاب، أسئلة عديدة عن جدواه وسلامة مراميه، وقدرته على مكافحة التطرف وحماية البلدان الإسلامية من المتشددين، ومدى اتفاق الدول الأعضاء فيه على «تفسير معنى الإرهاب والإرهابيين»، في ظل التباين الكبير في تعاطي دول ضمن التحالف مع «إرهابيين» تعدّهم دول أخرى به «معارضة معتدلة».
وفجائية إعلان التحالف تأتي في غياب أي معلومات عن عقد اجتماع للدول التي قيل إنها انضمت اليه، وجميعها أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وتعدادها 34 دولة، وليس من بينها دولة واحدة ذات أغلبية شيعية، مثل العراق وإيران، العضوين في المنظمة نفسها، أو دولة مثل الجزائر، خاضت حربا مدة عشر سنوات ضد جماعات تصفها بالإرهابية، أو إندونيسيا، أكبر دولة «سنية» إسلامية.
المحور الإيراني
وإزاء هذا الوضع الشائك، وصف بعض المحللين التحالف الجديد الذي أعلن عن تشكيله مؤخرا ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه «حلف ناتو سنّي» لمواجهة المحور الإيراني العراقي السوري، المدعوم من روسيا.
ويلفت المراقبون الى أن توقيت الإعلان على درجة كبيرة من الأهمية لأسباب عديدة، منها إعلان السيناتور جون ماكين مسؤول اللجنة العسكرية في الكونغرس الأميركي ضرورة توفير مئة ألف جندي معظمهم من الدول «السنية» لقتال «داعش»، الى جانب كشف جون بولتون، أحد أبرز صقور المحافظين الجدد عن «حتمية إقامة دولة سنية على أنقاض دولة داعش في العراق وسوريا، في موازاة دولة شيعية بجنوب العراق، وكردية في شماله».
ولعل من أبرز أسباب الإعلان في تقدير خبراء، تصاعد الاتهامات الغربية والأميركية بالذات لدول إسلامية، أبرزها السعودية، بتغذية الإرهاب، بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ الروسية، وتفجيرات باريس، وهجمات لندن والولايات المتحدة.
فشل مستقبلي ذريع
وأوضحت تدوينات لمحللين أن الخطوة السعودية المفاجئة «تعكس تغيرا في نهج الرياض، وانتقالها من مرحلة ضبط النفس الى الهجوم العسكري»، محذرين من أن يعزز هذا التحالف الجديد «الانقسام الطائفي في المنطقة التي يتم تقسيم حدودها الجغرافية حاليا وفق خطط سايكس بيكو جديدة».
واشاروا الى أن الخلافات العاصفة بين دول في التحالف المعني، تنذر بفشله قبل أن يبدأ، مدللين على ذلك بأن شكل العلاقات القائمة حاليا لبعض دول التحالف الجديد تكرس انقسامه مستقبلا، فتركيا وقطر، مثلا، على خلاف كبير مع مصر، كما أنهما لا تنظران الى جماعات متشددة في المنطقة بالمسطرة ذاتها التي تراها بها دول أخرى كالمغرب أو الأردن، فضلا عن وجود اتهامات لدول بعينها بأنها تموّل تنظيمات جهادية تنتهك حرمة دول داخل التحالف الجديد ذاته.
وخلص هؤلاء إلى أن الأمر برمته لا يعدو كونه «مغامرة على درجة كبيرة من الخطورة، تعكس تسرعا في الانتقال من حرب الى أخرى، حتى قبل أن يتم الانتصار أو الحسم في الحرب الاولى»، ما يؤشر الى احتمالات توسع نطاق الحرب الجديدة، او المتوقعة، بحيث يتم الانتقال من الحرب ضد «الارهاب»، أي «داعش»، الى حرب أخرى ضد إيران وحلفائها بتحريض ورعاية أميركية، دون إغفال الكلفة المالية الباهظة التي ستتحملها السعودية ودول خليجية أخرى جراء مسؤوليتها عن تغطية نفقات هذا الحلف، و«رشوة» الدول المشاركة فيه.
يحدث كل ذلك، في وقت يتهاوى فيه سعر النفط الى أدنى مستوياته، ويتفاقم العجز في الميزانيات، وتتآكل الاحتياطات لدول غنية كدول التعاون، التي بدأت في انتهاج سياسة تقشف ظهرت في فرض ضرائب غير مباشرة، ورفع تدريجي للدعم عن مواد وسلع أساسية.