
حوار – آدم عبد الحليم:
«مع اقتراب موعد الانتخابات أكاد أشعر بأنني أنا الثابت وغيري الكثير يتحركون».. «أنا الثابت ولا يهمني غيري».. «الإخوان وتوابعهم لديهم مشكلة»، «تورطوا في قضية الكي داو، وليسوا قادرين على الخروج منها».. ما سبق تغريدات للنائب السابق المشاكس صالح الملا في مناسبات مختلفة خلال الأيام القليلة الماضية، ردا على عدد من المغردين في قضايا تشهدها الساحة السياسية.
«الطليعة» التقت الملا وحاورته حول ملفات عدة، وأكد لنا أن وجوده خارج المجلس وابتعاده نسبيا عن الضوء لم يؤثر على وضعه السياسي، بل على العكس يرى أنه أصبح أكثر تأثيرا واستقطابا لمختلف شرائح المجتمع، كونه لم ينقطع عن العمل السياسي، كما شدد على أنه سيظل متمسكا بالعهد الذي قطعه على نفسه، وسيبتعد عن أي انتخابات طالما بقي النظام الانتخابي الحالي على وضعه.
وتناول اللقاء أيضا قضايا أخرى، منها رؤيته لحكم تصفية «الطليعة»، وتقييمه للمشهد السياسي بشكل عام، وتعليقه على الحرب الباردة التي يشنها أقطاب سياسيون داخل وخارج المجلس، في محاولة للفوز بمنصب رئاسة المجلس القادم، فضلا عن رأيه في إعلان عدد من النواب السابقين خوضهم الانتخابات المقبلة، ومسألة ما أسماه مسؤوليته عن عدم تعديل قانون الجنسية، وتعامله بحسن نية مع الحكومة.. وإليكم التفاصيل:
● في البداية، كيف ترى الوضع بعد حكم محكمة التمييز الأخير بتصفية «الطليعة»؟
< للأسف لقد مثّل لي الحكم صدمة قوية، كون الأمر لا يتعلق بمؤسسة إعلامية عادية، فالمقربون لـ»الطليعة»، ومن يتابعها وغير المقربين أيضا يدركون أنها لا يمكن أن تختزل في صحيفة أسبوعية توقفت عن الصدور، بل هي مدرسة سياسية لها رجالها وخطها الذي أثر في الكويت والأوطان العربية بفكرها المستنير.
ولذلك أؤكد أن أي شخص لديه حس وطني أو قومي أو عروبي – وأنا واحد منهم بالتأكيد – سيدرك تماما مدى الفداحة والخسارة الجمة التي تكبدتها الساحة المحلية والعربية بعد حكم المحكمة، لذلك جاء تصريحي الشهير عقب الحكم معبرا عن ذلك الموقف، فقد قلت في تغريدة لي: «انه ليوم حزين للحركة الوطنية وللصحافة الحرة».
● هل لك أن تحدثنا عن موقفك أثناء تداول القضية بالمحكمة بدعوتك للمحامين للترافع من أجل «الطليعة»؟
– لقد عرضت ذلك، وكان لدي بالفعل محامون متطوعون من الكويت وخارجها للدفاع عن «الطليعة»، عندما استشعروا خطر تصفيتها، فعقب تصريحي انهالت الاتصالات من خارج الكويت وداخلها، وكلها رسائل تضامن تؤكد استعدادهم للترافع من أجلها، وللعلم كان هناك كم هائل من المحامين من داخل الكويت من مختلف التوجهات والأطياف، وكانت عروضهم بدافع التقدير والمكانة التي تحظى بها «الطليعة»، فكما قلت إنها ليست مجرد جريدة.
الخيارات المتاحة
● وكيف تقيم المرحلة السابقة في عمر «الطليعة»؟
– هناك من أزعجه صوت «الطليعة»، ولدي يقين بأن هناك من تآمر عليها، والأمر برمته مؤامرة، نعم نحترم أحكام القضاء، لكن ما حدث ليس وليد اللحظة، فمنذ سنوات «الطليعة» تتوقف وتعود وهكذا، ولهذا أؤكد أن القصد ليس التصفية بل تغييب صوتها وهو صوت الحق.
● ماذا بعد الحكم وما رؤيتك لاستمرار هذا الكيان؟
– «الله يجازي اللي كان السبب في ذلك الحكم»، لكننا اليوم أمام حكم واجب النفاذ، لذلك أرى أن يتم تطوير الموقع الإلكتروني، فموقع «الطليعة» لسان حال المطبوعة الورقية، وقد يكون من الضروري اليوم أن يأخذ شكلا أكثر احترافية، ومن السهل جدا على كوادر «الطليعة» الوطنية والعربية، التي تعمل فيها حاليا، أن تتخطى ذلك التحدي، وتحافظ على نهجها ومبادئها الوطنية.
وإذا كانت هناك ضرورة لإصدار مطبوعة ورقية للتيار الوطني فلا يزال لدينا متسع من الوقت كي نجتمع أولا ونتفق على رؤية محددة، فقانون المرئي والمسموع أتاح لنا ذلك، ويمكننا الحصول على رخصة لجريدة جديدة وبإجراءات بسيطة، فلم يعد هناك احتكار لإصدار الصحف، الأمر كله متعلق بتوجه الكبار الذين نحترمهم جميعا، ونحن معهم في أي قرار، فإما إصدار مطبوعة ورقية أخرى، أو تطوير الموقع ليواكب التطورات التي شهدتها وسائل الاتصال الحديثة، لكن كما قلت نحن بحاجة إلى قرار.
المشهد السياسي
● لننتقل إلى موضوع آخر، ودعنا أولا نبارك لك حكم محكمة الجنايات بتبرئتك من تهمة الإساءة إلى سمو الأمير والإضرار بالعلاقات الكويتية المصرية..
– لا يزال الأمر طويلا، فحكم التبرئة صدر من محكمة أول درجة، وقد استأنفت النيابة الحكم، وحاليا القضية منظورة أمام محكمة الاستئناف.
● وكيف تنظر لقرار النيابة بالطعن على الحكم؟
– إجراء طبيعي جدا، ومن واجب النيابة أن تستأنف.
< بالعودة إلى المشهد السياسي البعض يتوقع استمرار الوضع الحالي حتى صيف 2017، حتى الانتخابات القادمة، هل تؤيد تلك الرؤية؟
– والله أرى أن المشهد سيستمر لأبعد من ذلك ما لم تحدث مفاجأة.
● لكنك كنت متفائلا في فترات سابقة، وتتوقع أن يكون هناك تغيير؟
– بالفعل كنت متفائلا جدا، لكن تدريجيا قل ذلك التفاؤل بنسبة كبيرة، فالمشهد ما زال مبهما وربنا يستر من القادم.
● ما أسباب عدم تفاؤلك؟
– بالتأكيد المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ترجح ذلك، فالسياسة لا تخضع لحسابات التخمين أو ضرب الودع.
مزاجية الحكومة
● ماذا عن أداء المجلس؟
– لست وحدي الذي يرى أن أداء المجلس أصبح لا يطاق، فالكل يرى ذلك، والأمر لا يتعلق بالمجلس وحده، فالحكومة أيضا تجرأت ووصلت إلى مرحلة الاستهانة بالقوانين وبمشاعر البشر، وآخرها التصريحان الشهيران للواء مازن الجراح.
فقد تحدث هذا المسؤول «غير المسؤول» عن مزاجية الحكومة في تطبيق قانون الجنسية، وهدد البشر بسحب «جناسيهم» وفق الأهواء، ولذلك أكرر أن تلك المؤشرات لا تعطيني ولو فسحة قليلة من الأمل بأن القادم سيكون أفضل أو أن يكون هناك تغيير بكل أسف.
ومن خلال «الطليعة» أحب أن أوجه رسالة الى وزير الداخلية ورئيس الوزراء بأن هذا القيادي «الفلتة» عبء عليكم بهذه التصريحات المعيبة التي قالها، وأتساءل من هو مازن الجراح الذي يقيّم شخصا بقيمة الدكتور شفيق الغبرا؟!
● لكن البعض يرى أن هذه الأوضاع التي وصفتها بغير المبشرة تشكل حافزا لتغيير الوضع..
– من المفترض أن تكون كذلك، لكن المشكلة تكمن في أن الشارع الكويتي أصيب باليأس ولم يعد تفاعله على قدر الأحداث.
● البعض يرى أن ما يحدث وما يقابله من هدوء في الشارع بمثابة قبول للمشهد السياسي، ما تعليقك؟
– مخطئ من يعتقد ذلك، فما يحدث ليس قبولا بالأمر الواقع، بل أراه يأسا مؤقتا، والمخيف يتمثل في ماهية ردة الفعل بعد اليأس المؤقت، وعلى السلطة أن تدرك ذلك، لأن الأمر ما زال بأيدينا، فما نعاني منه ليس خصومة أو مشاكل مع النظام، بل بسبب التفرد بالقرار ومشاكل في إدارة الدولة.
قانون الجنسية
● أنت وزملاؤك في المجالس السابقة تحملتم المسؤولية بسبب عدم تعديلكم قانون الجنسية، هل لك أن توضح لنا ذلك؟
– لا أخلي المسؤولية عن نفسي ومعي زملائي السابقين، وعلى الرغم من أن المدة التي قضيتها في المجلس ليست كالمدة التي قضاها الآخرون، إلا أنني أتحمل جانبا من المسؤولية فيما آلت اليه الأوضاع على صعيد قانون الجنسية.
● وما السبب في ذلك؟
– ببساطة لم نكن نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا النحو، مشكلتنا في الكويت أننا كقوى سياسية تعاملنا مع الحكومة بحسن نية، ولو عادت الأمور إلى سابق عهدها لم نكن لنتعامل بها، كي لا تلتف الحكومة على القوانين وتتعامل معها على هذا النحو.
وأود أن أشير إلى أنه وعلى الرغم من تلك المسؤولية، لكني تقدمت في 2009 باقتراح بقانون يقضي بإلغاء عقوبة السجن عن قضايا الرأي، ولك أن تتخيل لو مرّ ذلك القانون حينها لكان كل سجناء الرأي المسجونين حاليا في بيوتهم الآن.
موقف سياسي
● ما الذي أوصل الوضع إلى ما وصل إليه اليوم؟
– ما حدث في السنوات القليلة الأخيرة، خصوصا بعد إصدار مرسوم الصوت الواحد، وابتعادنا عن الساحة، أن السلطة انفردت باتخاذ القرار، لعدم وجود صوت آخر، وقتها أدركنا هذه الحقيقة عمليا، وألخصها في أننا – كبعض القوى السياسية- تعاملنا بطيبة زائدة مع الحكومة.
● هل تحميل المجلس الحالي أيضا المسؤولية بمثابة تغيير لموقفك السابق تجاهه؟
– لم أنكر يوما وجود المجلس الحالي، رغم أنني لا أعترف به سياسيا فهو لا يمثلني، ولكن لا أستطيع لا أنا ولا غيري إنكار دستوريته، على الرغم من عدم اقتناعي بحكم المحكمة الدستورية الذي منحه إياها.
● ما أسباب عدم اعترافك به سياسيا؟
– لا يمكن للإرادة الفردية أن تتحكم في النظام الانتخابي الذي من خلاله يفترض أن يفوض الشعب من يراقب الحكومة ويحاسبها، فالأمر يشبه تعيين شخص لمديره الذي يقيّمه! مع الفارق طبعا.
الخوف من المقاطعة
● ألا تخشى أن يشكل ابتعادك عن الضوء خطورة على وضعك السياسي؟
– لا أخفيك سرا أنه في البداية وبعد صدور مرسوم الصوت الواحد اجتمعت مع تنظيمي السياسي الذي يمثلني وهو «المنبر الديمقراطي»، وقواعدي من «الشباب والشابات» الذين يعملون معي منذ أن كنت شخصا غير معروف وبدون لقب سياسي، واتفقنا وقتها على المقاطعة، وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية بشأن مرسوم الصوت الواحد، وبعد إبطال المجلس الثاني، عقدنا اجتماعات موسعة، وكانت هناك أصوات تطرح نفس التساؤل خوفا من أن ينساني الشارع.
● وماذا كان القرار وقتها؟
– قلت لهم إذا كان العمل السياسي وذكر الشارع لي سيكون من خلال البرلمان فأنا لا أريد.
ووجهة نظري تصب في اتجاه أن العمل السياسي الحقيقي لم يرتبط يوما بكرسي البرلمان، فالنشاط السياسي خارج البرلمان أكثر تأثيرا وانتشارا، ودعنا نتساءل ماذا حدث بعد المقاطعة الثانية؟
● ماذا حدث؟
– على المستوى الشخصي وبدون غرور وبناء على مؤشرات يستطيع الشارع أن يحكم عليها، حتى خصومي السياسيون، أجد نفسي أكبر تأثيرا منهم، وأقوى على الساحة، وأكثر انتشار واستقطابا لمختلف شرائح المجتمع، لم أنقطع يوما عن العمل السياسي، ولهذا اقتنع الشباب الذين كانوا متخوفين من وجهة نظري التي أعلنتها وقتها من مقاطعتنا الثانية بعد أن قيموا النتائج.
وبذلك أثبت أن القضية ليست قصة برلمان، فلو دخلته في أجواء غير صحية فسأكون مقيدا وسيرفضني الناس نظرا لتقيدي المفروض علي وللظروف غير الصحية، لكني اليوم أتحدث عندما أريد وكيفما أريد دون تحفظات، وأستطيع أن أوجه الرأي العام أكثر من أكبر نائب، وأتحدى أي نائب في ذلك.
حرب باردة
● ثمة أخبار تؤكد وجود حرب باردة بين أقطاب سياسية داخل المجلس وخارجه على معركة رئاسة المجلس القادم، كيف ترى تلك ذلك؟
– باختصار ما لم يتغير المشهد فلا يعنيني من سيكون رئيس المجلس القادم، موقفي نابع من مقاطعتي للمجلس الحالي والقادم إذا ظل المشهد على هذا النحو، وفي حال تغيير النظام الانتخابي سأعطي لك رأيي، وأعدك ألا يكون رماديا.
● يشير البعض إلى أن المعضلة تكمن في توجه رئاسة المجلس؟
– ما أقوله ليس دفاعا عن الأخ العزيز مرزوق الغانم، فالقضية لا ترتبط برئاسة المجلس، بل تتعلق بالنهج السيئ، وأذكرك بأنه خلال فترة من الفترات كان هناك رؤساء سيؤون لمجالس سابقة، لكن شهدت تلك الحقبة إنجازات نيابية كبيرة، ولهذا أكرر أن الرئيس ليست له علاقة بالقضية، فدور الرئاسة بروتوكولي، وجانب آخر يتعلق بإدارة الجلسات، ولا يمكن تحميله أكثر مما يتحمل.
النية الصادقة
● إذاً كيف ترى الطريق للخروج من تلك الإشكالية؟
– ما لم يتغير النظام الانتخابي، وتكون هناك نية صادقة للإصلاح لكي تعود القوى السياسية والأطراف السياسية والمقاطعون للمشاركة فسيظل الوضع على ما هو عليه ولن يتغير، حتى وإن ذهب مرزوق وجاء غيره للرئاسة، لأن العلة تكمن في النهج كما قلت لك.
● ثمة قطاعات شعبية تؤمن بأن بعض من قادوا الحراك السياسي ومنهم من ينتمون للقوى السياسية كان هدفهم التكسب السياسي والسعي لعضوية المجلس، والدليل إعلان بعضهم خوض الانتخابات القادمة.. ما تعليقك؟
– القوى السياسية ليست منزّهة عن الخطأ، ففيها الصالح والطالح.. من يلتزم بمبدأه سيتذكره التاريخ والعكس صحيح، التاريخ سيلعن غير الملتزم، وسينكشف أمام الشارع، الحكم للناس، ولا أريد تصنيف الأشخاص.
لكن في المقابل أحب أن أؤكد أن الوقت الحالي ليس للمجاملة، هناك تضحيات قدمت، وآخرون دخلوا السجن ومنهم الأخ مسلم البراك، وشباب ومغردون، وبالتأكيد نوايا هؤلاء وطنية، ولا يعقل أنه وبعد ذلك يخوض المقاطعون الانتخابات، فهذا يعني أنهم منافقون.
● لماذا؟
– السبب بسيط: ما الذي تغير لخوض الانتخابات؟ هل تبدلت الأسباب؟.. الإدارة الفردية التي خرج بها مرسوم الصوت الواحد لا تزال مستمرة، وعليه يفترض ألا نخوض الانتخابات.
والأمر المهم الآخر أنه وبعد المقاطعة الثانية التي أعقبت صدور حكم الدستورية لا توجد أعذار للعودة إلى الترشح من جديد.
● هناك من يشير إلى ضرورة التواجد في المجلس للإصلاح بعد أن ساءت الأمور؟
– إذا كان هناك من يتحجج بأن الأوضاع أصبحت سيئة ولا يمكن السكوت عليها فسيكون ردي ماذا كان توقعك؟ هل كنت تعتقد وفقا للمعطيات أن يتم تحويل الكويت إلى سنغافورة أخرى؟!! ولذلك أستشهد بكلمة العم أحمد السعدون «الوضع السيئ نتركه للسيئ».