
جريدة «الطليعة» ليست مجرد جريدة أو صحيفة عادية تنتهي بنهاية أصحابها أو تمويلها أو العقود التي تكتب وتوثق، أو تزول هكذا بحكم قضائي أو خسارة رأس مال الشركة، «الطليعة» هي مدرسة وطنية.. تخرج فيها أجيال، ومنها انطلقت مشاريع سياسية وصحف وشركات توزيع تتلمذت على يديها، وراحت تبحث عن أفق جديدة.
«الطليعة» كانت عنوان التيار الوطني الذي ناضل من أجل إقرار دستور 1962 والديمقراطية وكل الشعارات الكبيرة في وجود دولة المؤسسات وسيادة القانون والحقوق العامة، وكان نضال مؤسسيها متواصلا لكسر احتكارات الصحف الورقية، ورفع سقف النقد، وطرح قضايا الحريات العامة على المسرح السياسي.
«الطليعة» مدرسة وطنية بكل معنى الكلمة، يُطرح فيها الرأي ليعبئ الشارع الوطني، ويتحدث الجميع بلغة مفهومة ومبسطة لقضايا معقدة.
جمعت «الطليعة» طلابها من كل فج وكل طائفة وكل أقلية، قادت معارك باسم الشباب تارة، وباسم المرأة تارة أخرى، حملت الهم المحلي الصغير وكذلك هم الوطن الأكبر، وخاضت في ملفات شائكة وصعبة في قضايا المال العام والدفاع عنه وعن المكتسبات الوطنية.
وقفت «الطليعة» أمام مد متشدد ذي صبغة دينية لم يتوان عن الطعن في الخصوم وتكفير كل من يناكفه، لكن «الطليعة» بمدرستها ومبادئها الراسخة كانت تدافع أحياناً حتى عن خصومها!
«الطليعة» مدرسة تعلمتُ منها شخصياً، وشهدتُ في أروقتها نقاشات، وقرأتُ بين سطورها أفكاراً سبقت الزمان وحجمت المكان، أكتب حزيناً على ما آلت إليه هذه المدرسة الوطنية من مآل من أحكام قضائية وتصفية، ولكن الزمن تغير وتستطيع «الطليعة» الحياة من خلال الفضاء الإلكتروني والتطورات التكنولوجية الحديثة، فليس المكان ولا الترخيص عائقين أمام الفكر الذي حملته هذه المدرسة.
رحم الله الرواد، وأطال في عمر القائمين عليها وعلى فكرها الطليعي.