أحمد الجاسم : الإرهاب يتمدد.. فماذا أنتم فاعلون؟

أحمد الجاسم
أحمد الجاسم

سيسجل التاريخ، أن القرن الواحد والعشرين، هو قرن الإرهاب والرعب، بدءاً من كارثة 11 سبتمبر في مطلع الألفية الثالثة، إلى يومنا هذا.

وبالمناسبة، فإن الإرهاب والعنف ليسا حكراً على الحركات الدينية والإسلام تحديداً، كما يُصوَّر لنا، فهناك إرهاب الحكومات والدول ضد معارضيها، والإرهاب العسكري، كالأميركي والبريطاني والإسرائيلي، ضد المدنيين في أفغانستان والعراق وفلسطين.

لكن شئنا أم أبينا، فإن كل حزام ناسف لإرهابي مسلم ينفجر، ليقتل أبرياء، سترتد شظاياه، وتصيب صورة الإسلام والعرب بتشوهات عميقة، لا يمكن معالجتها بردود مستهلكة، مثل: «الإرهاب لا دين له»، أو «هؤلاء خوارج العصر، لا يمثلون الإسلام».

ففي ظرف ضيق جداً، تصاعدت الاعتداءات الإرهابية في الآونة الأخيرة بشكل مخيف، فبين عشيةٍ وضحاها، أي بين الخميس والجمعة (11 و12 الجاري)، حدثت جريمتان فظيعتان.. الأولى كانت مجزرة برج البراجنة في لبنان، والثانية مذبحة باريس بفرنسا، وقد سقط فيهما مئات الجرحى والشهداء، وقد تبنى تنظيم «الدولة الإسلامية» هاتين العمليتين.

وعلى الرغم من توالي الاستنكارات والإدانة للجريمتين، فإن هناك ما هو أسوأ من الجريمة، وهو تبريرها، فقد سُجلت بعض المواقف الهزيلة واللاإنسانية، بعد تفجير الضاحية الجنوبية، فهناك مَن اعتبر المنفذين «فدائيين»، وآخر وصفهم بـ«جنود الحق»، وثالث اعتبر الجريمة «رداً طبيعياً لتدخل حزب الله في سوريا»، ورابع كان موقف لشيخ ودكتور ورئيس سابق لاتحاد علماء المسلمين، حيث أدان اعتداءات باريس، وصمت عن تفجير برج البراجنة.. وكلها مواقف تعكس حالة الاصطفاف الطائفي البغيض التي تعيشه المنطقة العربية.
هذا التناقض في المواقف تجاه الإرهاب، الذي يجب أن ندينه ونرفضه جميعنا، هو الحاضنة الشعبية الفعلية له، فهناك مَن يعد الإرهابيين القتلة في العراق وسوريا «مجاهدين»، ويدعو لهم بالنصر والتمكين، بينما يراهم في فرنسا «إرهابيين»، مع أن الجريمة واحدة هي العنف ضد الأبرياء.

إن الجريمتين تعكسان هذا التمدد الخطير في ذراع التنظيم، الذي استطاع أن يخترق المجتمعات العربية والغربية، ويجند شبابها المسلم، خدمة لأجندته وأهدافه المشبوهة، فجريمة باريس، تحديدا، تدل على أن «داعش» ليس صناعة غربية خالصة، كما يُروج في الإعلام العربي في لحظات التملص من المسؤولية.. وما ذكر على لسان هيلاري كلينتون عن الدور الأميركي في صناعة «داعش»، هو محض افتراء وكذب، لا وجود لهما في مذكراتها، لكن بلا شك هناك مسؤولية تقع على عاتق الأنظمة العربية والغربية والإسلامية التي ساهمت في تضخم التيارات الجهادية في العالم العربي، وقد تعاملت معها بنظرية «الأعداء والأصدقاء وفق الزمان والمكان»، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: فعندما خرج العراق من احتلال الكويت عام 1991 مدحورا، ونتيجة لظروف الحصار الظالم على الشعب العراقي والضغط الدولي، والأزمة الداخلية التي عاشها النظام مع المعارضة، ارتأى صدام حسين، أن يوجه حزب «البعث العربي الاشتراكي» نحو الإسلام، ليخلع منه قميص العلمانية، ويلبسه عباءة الدين، فدشن الحملة الإيمانية ضد الحريات الشخصية، وأمر بإغلاق حوانيت الخمر والنوادي الليلية، وأسس ميليشيا «فدائيي صدام» وألبسهم السواد، وكان هذه التوجه بمثابة خطوة أولى مهدت لنمو تيار أصولي جهادي موالٍ لرئيس الجمهورية، ولعل هذا ما يفسر سر انخراط الكثير من ضباط وجنود الجيش العراقي المنحل، بعد الاحتلال في صفوف القاعدة والجهاديين ثم مع «داعش» لاحقا. (راجع ما كتبه الصحافي عبدالباري عطوان حول نشأة داعش).

وكذلك أطلق النظام السوري في الأشهر الأولى من الانتفاضة 2011 المئات من المعتقلين في سجونه، وكان من بينهم الإسلاميون والجهاديون وبعض سجناء الرأي، والمجرمون، استجابة لنداء «المصالحة الوطنية»، في حين كانت تتم تصفية النشطاء المدنيين برصاص جنوده، كاغتيال الشهيد معن العويدات، ومازال الطبيب المناضل عبدالعزيز الخيّر مختطفا حتى الآن، بيد أن قرار عسكرة الثورة كان إقليميا ودوليا عربيا وغربيا وإسلاميا، فتمت تصفية التيار الوطني المعارض وعزله، لصالح التنظيمات الإسلاموية المسلحة وسيطرتها على الأرض، وكذلك استعانت أميركا بالجهاديين، لمواجهة خصمها الأيديولوجي، الاتحاد السوفييتي سابقا، في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، فدعمتهم وأشرفت على تدريبهم وتمويلهم، فمن الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى مجتمعاتهم العربية، وهم يحملون مشروع إقامة «الدولة الإسلامية» على غرار إمارة «طالبان»، التي شيَّدوها هناك، فضلا عن الدعم التركي، الذي وفرته حكومة أردوغان لعصابات التوحش، كي تكون خنجرا في خاصرة خصومها الأكراد.

وعلى الرغم من ارتداد تلك العصابات على داعميها في أحداث سبتمبر 2001 بأميركا، وتفجيرات مدريد في مارس 2004، وتفجير قطارات لندن 2005، والاعتداء على مجلة شارلي إبدو في فرنسا 2015، ومع ذلك مازالت بعض تلك الحكومات تراهن على تسليح هذه العصابات، لإنجاح مخطط تقسيم المنطقة العربية، طائفيا وإثنيا، وإشغال العرب والمسلمين بحروب مذهبية، وبعدو داخلي، بعيدا عن أمن الكيان الصهيوني، (هناك علامات استفهام على هذه التنظيمات «الجهادية» التي توغلت في دماء المسلمين، سنة وشيعة ودروزا، والمسيحيين، لكنها لم تقم بأي عملية ضد العدو الصهيوني، مع أنه لا يبعد عنها إلا بضعة كيلومترات في الجولان المحتل)، والأمثلة شاهدة أمامنا في الخراب الذي يضرب العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان.

وبات واضحا، أنه لا جدوى من «الحرب الدولية» المعلنة ضد «داعش»، واستهدافه بآلاف الغارات الأميركية والروسية، فقد استطاع التنظيم أن يرد بطريقة غير مباشرة على أعدائه، عبر استهداف الطائرة الروسية في شرم الشيخ، بتهريب عبوة ناسفة، والهجوم أخيرا على باريس، لذا لا بد من التفكير بصياغة حلول أخرى أكثر نفعا، لمواجهة استفحال الخطر الأصولي في عالمنا العربي، إلى جانب الحل الأمني، فهناك مثل عربي شائع يقول «مَن يرد قتل البعوض، فعليه أن يجفف المستنقعات»، وأول تلك المستنقعات العربية، هو مستنقع الجهل والأمية، فلدينا عشرات الملايين من الجهلة والأميين، وأرباع المثقفين وأخماس المتدينين، الذين لا يعرفون من الإسلام سوى الجهاد والنكاح، ومن القرآن سوى آيات السيف.

يليه مستنقع الفقر والبطالة، الذي يجتاح قطاعات واسعة من الشباب العربي، ومستنقع التهميش والظلم الاجتماعي والتمييز الطائفي، ومستنقع الاستبداد السياسي، وغياب الحريات والعدالة والمساواة، فكل تلك العوامل تدفع بهؤلاء المتخلفين والعاطلين والمهمشين والمحبطين والمضطهدين والمجرمين إلى الانخراط في صفوف «الدولة الإسلامية»، بحثاً عن مستقبل أفضل (نشرت صحيفة الأنباء عدد السبت 21 الجاري، على لسان زوجة الانتحاري إبراهيم عبدالسلام، أحد منفذي عملية باريس، بأنه سجين سابق، ولم يكن ملتزما دينيا، حتى بالصوم والصلاة، بل كان يتعاطى الحشيش باستمرار، ويعاني البطالة والضيق المالي).

ولنكن أكثر صراحة في تشخيص المشكلة، إن «داعش» الفكر سبق التنظيم بمئات السنين، ما يستوجب علينا أن نسارع بتدشين حملة تنويرية تطول تهذيب المناهج في المدارس والمعاهد والجامعات وخطاب المساجد، فما أحوجنا اليوم إلى فكر تنويري يستنهض الإسلام الحضاري، إسلام القرآن الكريم والمصلحين، حتى نستعيد إسلام الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، والحكمة (وَادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، والحريّة (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، والأخلاق (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والإنسانية (الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)، في وجه الجهل والتعصب والتطرف، وهي مهمة الجميع، من مثقفين وإعلاميين ومعلمين وفقهاء وخطباء وشعراء وفنانين، وليست الحكومات فقط.

الارهاب ينتشر في كل مكان
الارهاب ينتشر في كل مكان
Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.