
كتب إيهاب علام:
منذ أسابيع قليلة تناولت «الطليعة» قضية عزوف الاستثمارات الأجنبية عن التدفق إلى الكويت، وكذلك هروب الاستثمارات المحلية إلى الخارج.
وعزت هذا العزوف وصعوبة ممارسة أنشطة الأعمال في الكويت إلى العديد من الأسباب، سواء أكانت قانونية، أم إجرائية أم إدارية، ومنها طول إجراءات الدورة المستندية، والرجوع المتكرر لأخذ الاستشارة القانونية في كل إجراء، وعدم إلمام الموظف بالإجراءات المتبعة، والقرارات الإدارية والوزارية في الجهة التابعة لها، بالإضافة إلى أنه قد تصدر قرارات إدارية كل فترة في معظم إدارات وزارة التجارة والصناعة قد تعرقل وتصعّب من سير الإجراءات وإنجاز المعاملات، هذا بالإضافة إلى عدم وضوح آلية العمل من ناحية القوانين واللوائح، وعدم فاعليتها، ما يؤدي إلى عدم إنجاز الموظف لعمله على أكمل وجه.
دراسة جديدة
وما هي إلا أيام قليلة، حتى كشفت دراسة مسحية حكومية، شملت 253 شركة، أن الاستثمار الأجنبي في الكويت يعاني 10 معوقات تساهم في عدم إقبال المزيد من الشركات الأجنبية على توطين استثماراتها في الكويت، مشيرة إلى أن الشركات المشاركة في المسح أكدت أن أكثر العوامل المعوقة للاستثمار الأجنبي المباشر تتمثل في الإجراءات المتعلقة ببيع الأراضي اللازمة لإقامة مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتأجيرها ورهنها في الكويت، وقد عبَّر عن ذلك نحو 76 في المائة من إجمالي تلك الشركات المشاركة في المسح.
ووفق الدراسة، جاء في المرتبة الثانية، من حيث أكثر العوامل المعوقة للاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت، تلك الإجراءات المتعلقة بإنجاز متطلبات وزارة الشؤون والعمل، بنسبة 66 في المائة.
وفي المرتبة الثالثة، جاءت الإجراءات المتعلقة بإصدار التصريح البيئي بنسبة 63 في المائة.
عوامل محفزة
أما من حيث أكثر العوامل المشجعة للاستثمار الأجنبي المباشر بدولة الكويت، وفق الدراسة، فتتمثل في أسعار المحروقات المناسبة (علماً بأن هناك اتجاهاً الآن إلى رفعها مع تفاقم عجز الموازنة)، وعبَّر عن ذلك نحو 90 في المائة من إجمالي الشركات المشاركة في المسح.
وجاء في المرتبة الثانية من حيث العوامل المشجعة الإجراءات المتعلقة بالتسجيل في عضوية غرفة التجارة والصناعة وبنسبة 82 في المائة.
أما المرتبة الثالثة، فجاءت فيها الإجراءات المرتبطة بفتح الحساب البنكي للشركة، وبدء إيداع رأس المال.
وقد شمل مسح الاستثمار المباشر تلك الشركات التي تدخل ضمن تعريف الاستثمار المباشر.. وهي إما أن تكون شركات محلية لديها استثمار أجنبي مباشر في الكويت، أو شركات محلية مؤهلة لأن تكون لديها استثمارات أجنبية مباشرة في المستقبل، إضافة إلى الشركات المحلية التي لديها استثمار مباشر في الخارج، أو مؤهلة لأن يكون لديها استثمار مباشر في الخارج مستقبلاً.
استمرار المعوقات
ومع استمرار هذه المعوقات سوف يستمر تطفيش الاستثمارات والأموال من الكويت، وهذه الأموال هي ما تحتاجه الحكومة لتعويض ما خسرته من تراجع أسعار النفط، بدلاً من الضغط والتضييق على المواطنين، فالاستثمارات الأجنبية وحدها يمكن أن تحمي ميزانية الكويت من أي انهيارات.
إن عزوف الاستثمارات الأجنبية عن الكويت، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج أمر بات مقلقاً، فالكويت التي كانت الأولى على كل دول المنطقة، اقتصادياً وصناعياً وتنموياً وجذباً للاستثمارات الخارجية، هي الآن الأكثر تراجعاً في هذه المجالات بين دول الخليج، والأقل جذباً للاستثمارات الأجنبية، والأكثر طرداً للأموال للخارج.
ووفق تقرير لشركة «المركز» المالي، فإن الكويت لا تزال مستمرة في تصنيفها ضمن الدول التي تتراجع بها سهولة ممارسة الأعمال.. ففي الكويت يجب على رجل الأعمال المبادر إنهاء أكثر من 11 معاملة حكومية لتأسيس شركة، بينما يتراوح عدد هذه المعاملات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ما بين 4 إلى 7 معاملات.
قاسم مشترك
ووفق ما جاء في الدراسة الحديثة، فإن مشكلة نقص الأراضي هي العائق الأكبر أمام الاستثمارات الخارجية، كذلك هي العائق الأكبر أمام حل المشكلة الإسكانية، فإجمالي المستغل من مساحة الكويت يتراوح ما بين 7 و8 في المائة فقط، ما يعني أن هناك مساحات من الأراضي كافية لحل المشكلة الإسكانية، وتشجيع الاستثمارات في الوقت نفسه.
ولكن يبدو أن هناك أطرافاً لا تريد أن تكون هناك حلول لهاتين المشكلتين، وهذه الأطراف هي المستفيدة من شح الأراضي وبقاء أسعار الأراضي مرتفعة، وهي المستفيدة من بقاء أسعار العقارات والبيوت والقسائم الصناعية ملتهبة، وبقاء الإيجارات مرتفعة.
وهذه الأطراف تسعى لبقاء الأراضي شحيحة، من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وضمان مصلحة كبار ملاك العقارات والأراضي والعمارات السكنية.
وقد أكد هذا الأمر تقرير حديث للبنك الدولي، حيث أكد أن أطرافاً في الكويت تسعى لإبقاء الأراضي شحيحة أمام القطاع الخاص، مشيراً إلى أن العوائق الموجودة أمام الوصول إلى الأراضي وتطويرها تحول دون حل كثير من المشاكل التي تعانيها الكويت.
أسعار مرتفعة
وقال تقرير البنك الدولي إن الأراضي المتاحة في الكويت شحيحة، وأسعارها مرتفعة للغاية، وهناك العديد من الأراضي غير المطورة، التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق السوق، بسبب عدم كفاءة إدارة أملاك الدولة، ونتيحة لذلك لا يستطيع المواطن الحصول عليها، ويجد العديد من المواطنين أن من الأفضل الاستثمار في الخارج، بدلاً من انتظار الحصول على الأراضي من خلال البرامج الحكومية.
وأشار التقرير إلى أن دولاً أخرى في المنطقة استطاعت جذب المستثمرين، وخصوصاً الإمارات والسعودية وقطر، لكن بالنظر إلى العوائق الموجودة أمام الوصول إلى الأراضي في الكويت، والإجراءات بالغة التعقيد الخاصة بتطويرها سيكون من الصعب تحقيق رؤية الكويت لعام 2035، بالتحول إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة جاذباً للمستثمرين.