محمد الغربللي:
وقف وحيداً أمام الدول السبع الكبرى في مؤتمرهم، الذي عقد بمدينة «لوك آيرُن» في إيرلندا الشمالية يومي 17 و18 يونيو 2013، يحذرهم من الخطر الإرهابي الذي بدأ يتجذر في بعض الدول العربية الشرق أوسطية، واصفا إياهم بآكلي الكبود البشرية.. وقتها انتشر شريط (فيديو) على وسائل التواصل الاجتماعي، يصور قيام أحد الإرهابيين في سوريا بقتل أحد جنود الجيش السوري، وتمزيق جثته وقضم كبده بشكل وحشي.
هكذا إذن وقف بوتين، محذراً تلك الدول من هذا التوحش المطلق وخطورة انتشاره في كافة دول المنطقة والعالم، داعيا بتحذيره هذا بقية الدول المجتمعة لدق ناقوس الخطر ومواجهة الإرهاب المرعي من بعض الدول الكبرى والإقليمية.. وقتها كانت جبهة النصرة تعد من مكونات المعارضة السورية، وتتلقى دعما ماليا وعسكريا من «البعض»، وترتبط بعلاقات وثيقة مع دول إقليمية في المنطقة، وكانت محل تزكية من أطراف في المعارضة السورية أيضا.
ما بين يونيو 2013 والآن، تمددت الساحة الجغرافية للإرهاب، وتم احتلال إقليم الأنبار، ليتمدد، شاملا الرقة السورية معه، كما توسعت عملياته المتوحشة في أكثر من بلد عربي، ومنها الكويت في رمضان الماضي.
تحذيرات بوتين أتت بعيون وعقلية رجل الاستخبارات، الذي يفترض ألا «تطوفه» لا شاردة ولا واردة.. وكان تحذيره قبل سنتين صائبا مرتكزا على معلومات شبه مؤكدة.
لقد وقف بوتين منذ أيام على منصة مؤتمر الدول العشرين، ذات القوة المالية والاقتصادية، ورمى جملته التي أتت في الشكل من دون قصد، لكن بالمضمون تحمل معاني كثيرة جداً. فعندما قذف جملة «أن هناك أربعين دولة تدعم الجماعات الإرهابية، ومنها من دول العشرين»، رماها هكذا، من دون تحديد أو تلميح إلى هذه الدول، لكن يمكن معرفتها من أفعالها.. رمى جملته هذه واثار عمليات باريس لاتزال ساخنة، لم يتم طيها أو نسيانها.
جملته تعني أن الدول القريبة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أقليمية أخرى، تحرك هذه الجماعات الإرهابية، وفق مصالحها وأهدافها الاقتصادية، وأنها في الحقيقة غير جادة في مواجهة الإرهاب، مادام بعيدا عن بلادها ومجالها الجغرافي ومصالحها الاقتصادية.
في الواقع، لا يمكننا أن نفهم تصريح وزير الدفاع الفرنسي، الذي أدلى به في السنغال، حول أن الطائرات المقاتلة الفرنسية استهدفت مواقع تصدير النفط الموجودة ضمن حيازة «داعش»، فهذه المواقع ثابتة ومكشوفة، ولا نعلم أين كانت مقاتلات التحالف عنها طوال أكثر من سنة.
كما أننا لا نفهم تصريح المسؤول العسكري الأميركي، الذي قال إنه تم قصف صهاريج لنقل النفط تخص التهريب «الداعشي» في سوريا، وكذلك لا يمكننا أن نفهم تلك التسهيلات الممنوحة من تركيا لتجميع الإرهابيين وإرسالهم إلى الساحة السورية.
شواهد كثيرة ومتعددة على المستويين الدولي والإقليمي تترجم ما قاله بوتين بلسانه الاستخباري بوجود أربعين دولة تدعم الإرهاب وتنظيماته، على اختلاف ألوانها ومسمياتها، وهذا يتناسق مع ما أوضحته الصحيفة الألمانية «ديرشبيغل»، حينما ذكرت أن «90 في المائة من المقاتلين في سوريا من الأجانب».
والمفارقة، أن هؤلاء الإرهابيين يريدون تغيير النظام على «أسس ديمقراطية».
وهنا تكمن المأساة.