العيسى: ما وصلنا إليه نتيجة مؤلمة لرضوخ الوزراء إلى «نواب فوبيا الإبداع»

بثينة العيسى
بثينة العيسى

كتب آدم عبدالحليم:
«أكتب من أجل أن أشبع حاجة أساسية فيَّ.. أؤمن بأن هذه الحاجة متأصلة في دواخلنا.. بسببها يرسم الأطفال بيوتاً وحيوانات، بسببها يرسمون أمهاتهم، محاولين بذلك ترك بصمة في هذا العالم الملموس، هذا العالم الذي يغمرنا بكل ما يحرك حواسنا: ضوء الشمس، النجوم، الألوان، الروائح، تعابير الوجوه والأصوات، ملمس كل ما هو ناعم، طعم كل ما هو حلو، معتدل أو مالح، مليء بنكهات الدنيا، ساخن أو بارد».

ما سبق جزء من نصائح قدَّمتها الكاتبة الأميركية ماري جيتسكل، في فصل من كتابها «لماذا نكتب؟»، ذلك الكتاب الذي منعت الرقابة بوزارة الإعلام بيعه وتداوله بشكل مفاجئ، ومن دون مقدمات، بسبب ما اعتبرته «خدش الآداب العامة».

«لماذا نكتب؟» بنسخته العربية، نتاج جهد مجموعة من الشباب في الوطن العربي قاموا بترجمته، وأشرفت عليه وأخرجته الكاتبة الكويتية بثينة العيسى، في ثاني تجربة لها مع مشروع «تكوين»، وهو مشروع أدبي ثقافي متخصص في الكتابة الإبداعية، بعد المشروع الأول (الزن في فن الكتابة).

إيقاف تداول وبيع الكتاب أوقف بالتالي الهدف الأسمى الذي اجتمع عليه المؤلف والناشر، باتفاقهما على تخصيص ريع بيع الكتاب للتلاميذ المعسرين «من فئة البدون» في المدارس الأهلية، وكانت الفكرة قد نجحت، حيث سدد ريع الكتاب مصاريف ما يقارب الأربعين تلميذا، وساعدهم في استكمال أعوامهم الدراسية، بعد حجز مقاعدهم.

ويصنف الكتاب ضمن ألوان الكتب الأدبية، وتتلخص فكرته في نصائح يقدمها عشرون كاتبا من مختلف أرجاء العالم للكُتاب المبتدئين، يحكون فيها كيفية الكتابة وسبل الإبداع والطقوس وطريقة الوصول إلى تأليف رواية أو كتابة مقال متكامل الأركان يستطيع من خلالها الكاتب المبتدئ أن يشبع حاجته للكتابة الأدبية التي تعود بالنفع على القارئ والمنتج الأدبي بشكل عام. وضمن هؤلاء الكُتاب: إدواردو غاليانو، جيمس فري، بول أستر، خافيير مارياس، لين تيلمان، إيزابيل الليندي، ماري كار، ميج والتيرز، وأرميستد ماربين، الذي قال في إجابة له عن لماذا تكتب: «أكتب، لأترجم نفسي لنفسي.. إنها وسيلة لفهم مصائبي، وترتيب بعثرة الحياة، لأمنحها الاتساق والمعنى».

«الطليعة» التقت الكاتبة الشابة بثينة العيسى، التي استنكرت بشدة موقف الرقابة من إيقاف بيع الكتاب وتداوله، مؤكدة أن ما حدث، أمر لا يقبله عقل أو منطق، وأنها ترفض أن تكتب ما يُملى عليها، ولا يمكن أن تطالب الكاتب بالكتابة في اتجاه معيَّن، وفق منظومة فكرية معقمة بالديتول، ليس لها علاقة بمسطرة الكاتب.
وقالت: «إنها ليست المرة الأولى التي تمنع فيها الرقابة عملاً لي، فمنذ فترة قصيرة منعت لي رواية خرائط التيه»، مضيفة: «لم أحزن على قرار منع الرقابة لتداول «خرائط التيه»، بقدر حزني الشديد على منع هذا الكتاب، كونه عملا عربيا مشتركا يضم مجموعة من المترجمين من ذوي العقول الإبداعية»، قائلة «ليس من حقك أن تحارب الإنتاج الثقافي، ولا تجبرني أو تجبر غيري على كتابة ما تريد سماعه».

مبادرة إنسانية

وعن المبادرة الإنسانية التي تبنتها مع الناشر، وتخصيص ريع الكتاب لدفع مصاريف التلاميذ المعسرين في المدارس، لتوفير مقاعد دراسية لهم، أجابت العيسى: «تنازلت أنا وفريق الترجمة مع الناشر عن أرباح الكتاب، على أن يتم تخصيصه لدفع مصاريف المعسرين من الطلاب البدون، الذين لم توفر لهم الحكومة مقاعد دراسية، وللأسف، بعد هذا القرار المفاجئ سيتوقف كل شيء، ولن نستطيع استكمال هذا المشروع الخيري».

سبب المنع

بثينة العيسى التي كانت غاضبة جدا أثناء حديثنا معها، بسبب القرار الذي لم تجد له تفسيرا، أكدت أن ما قيل عن أن جمع التبرعات للمقاعد الدراسية للطلاب المعسرين السبب في المنع غير صحيح، فوزارة الشؤون ليس لها علاقة، لا من قريب أو بعيد بالقرار، إذ لا يدخل العمل الإنساني ضمن التبرعات، مؤكدة أن القرار وصل إلى «مكتبة أعضاء»، بمنع الرقابة لبيع الكتاب وتداوله، بحجة خدشه للآداب العامة.

ورجحت أن يكون سبب المنع، أن واحدا من العشرين كاتبا الذين يقدمون نصائحهم مثلي الجنس، مشيرة إلى أنه واحد ضمن عشرين، ولم ينشر أو يسرد شيئا عن حياته المثلية، هو فقط ينقل تجربته في الكتابة مع كتاب آخرين، ولا يمكن أن نقصي شخصا نختلف معه، كونه يتحدث عن تجربته.

تأثير القرار

وعن تأثير قرار منع عملين لها من التداول على مستقبلها الأدبي، قالت العيسى: «ليس صحيحا أن ينجم تأثير على ذلك، فقد صدرت أول رواية لي منذ أكثر من عشر سنوات، وكل كتبي مجازة من قبل أعضاء لجنة الرقابة، الذين لا يملكون قرارهم، مؤكدة أن «البعبع الحقيقي، هو عدد من أعضاء مجلس الأمة الذين لديهم فوبيا من الدراما والمسرح، وكل ما يمس الإبداع والثقافة».

وزادت أن «ما وصلنا إليه، نتيجة مؤلمة وتخاذل، بسبب رضوخ الوزراء إلى هؤلاء الأعضاء، وخوفهم من الابتزاز السياسي والاستجوابات التي يتم التهديد بها، على خلفية تلك الحالات». وأشارت إلى أنها بالفعل تدرك أن هؤلاء الأعضاء يمثلون الأمة، وأنهم نتاج ذهنية مجتمع وانتخابات، لكنها أكدت أنه من المفترض أن الكويت دولة مدنية دستورية، ولا تخضع لتركيبة وأهواء أطراف من المجتمع، ولا يحق لأحد أن يمارس وصاية فكرية على الناس، فهل ستحمي الحكومة المجتمع من كتاب بمنعه؟

وأكدت أن الأصل، هو الإباحة، وفي حال تضرر شخص من كتاب أو رواية، فالقضاء موجود، وسيكون له ولغيره حق التقاضي، الذي سيفصل في ما إذا كانت تلك الرواية أو الكتاب يسيء للمجتمع أو له شخصيا.

وعن مدى تأثير القرار على حركة بيع الكتاب، أكدت العيسى في ختام حديثها، أن «من يرد الحصول على الكتاب سيحصل عليه، فلكل له أساليبه، وهو حاليا معروض على عدد من المواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع الكتب، مؤكدة أن ذلك القرار سيؤثر في حركة البيع المحتملة لمن يرى الكتاب على رفوف المكتبات أو في المعارض المختلفة، وبالتالي خسرنا هؤلاء القرُّاء المحتملين».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.