أحمد الجاسم : اغتيال الكلمة الحُرة

أحمد الجاسم
أحمد الجاسم

للكلمة الحُرة الصادقة أثر في مستمعيها، ودوي يصم آذان مَن لا يقوى على سمعها، وخصوصا حين يضيق هامش الحرية، ويرخي ظلام الاستبداد بسدوله، ليعدم الحياة السياسية وحرية التعبير، حتى قيل في المأثور الإسلامي عنها «إن من أعظم الجهاد، كلمة عدلٍ عند سلطان جائر»، لذا نتفهم أسباب تصفية الكثير من الأحرار ودعاة التغيير والمعارضين السياسيين، فالمفكر الإسلامي الثوري علي شريعتي وُجد مقتولاً في منزله عام 1977 بلندن، واُختطف المناضل المغربي المعارض المهدي بن بركة في فرنسا عام 1965، وإلى اليوم مازال مجهول المصير، وأعدم الشهيد الثاني محمد المنيس بالرصاص في ساحة الصفاة بالكويت سنة 1939، واُغتيل المبدع ناجي العلي برصاص مجهول في أحد شوارع لندن عام 1987، والقائمة تطول.

وإلى جانب أسلوب الخطف والاغتيال والسجن وسلب الهوية في إسكات أصوات المعارضة، يأتي دور المحاصرة المادية، وقطع الدعم لكل صحيفة ومجلة ودار نشر تخرج عن النص، وتخالف رأي أرباب المال والسُّلطة، فقبل أكثر من عام عثرت على ورقة بمجلة قديمة لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، وفيها نداء موجَّه للراحل الكبير جاسم القطامي، من أجل دعم المجلة ومساعدتها، كي تستمر مستقلة عن إملاءات الأنظمة، فليس مستغرباً أن تتوقف مجلة «المنابر» العروبية عن الصدور، وكذلك مجلة «الآداب» التقدمية (عادت أخيراً بصيغة إلكترونية)، وأيضاً توقفت مجلة «الطريق» اليسارية لفترة، ثم عادت، فضلاً عن الأزمة المالية التي مرَّ بها مركز دراسات الوحدة العربية، الرصين في منشوراته.. إنها ضريبة الموضوعية والجرأة في طرح قضايا الحريات والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وواقع حقوق الإنسان في العالم العربي، فضلاً عن مخالفة «اللوبي» المسيطر على الرأي العام العربي، وقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك – تويتر…) منابر لجميع الناشطين مجاناً، لكنها أيضاً خُنقت بقوانين الإعلام الإلكتروني.

وفي هذا السياق، يأتي قرار إيقاف قناة «الميادين»، التي انطلقت مع موجة التغيير التي اجتاحت المنطقة العربية، فأضافت للفضاء العربي وجهة نظر جديدة مختلفة عن زميلاتها «العربية، الجزيرة، الحدث…»، وخاصة حين سلطت الأضواء على قضية فلسطين المحتلة، وتخلي العرب عنها، وما ترتكبه جرائم عصابات التوحش والتطرف باسم «الثورة» على الظلم في أكثر من قطر عربي، فليس صدفة أن تأتي الرغبة في إخماد صوتها في وقت تشتد فيه صولة الانتفاضة الفلسطينية الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يعكس حجم التضامن الفلسطيني معها، ولا سيما العربي والأجنبي (أميركا الجنوبية)، والسبب طبعاً ليس كما تدعي الشركة، بأنها قناة لا تنقل الواقع كما هو! فليس هناك قناة إعلامية واحدة تنقل الواقع كما هو! فالإعلام موجَّه كله بلا استثناء.

نعم للميادين انحيازاتها في الصراعات الدائرة بالمنطقة في جانب النظام السوري والحوثيين وعلي عبدالله صالح في اليمن، و8 آذار في لبنان، وهي ليست موضوعية، لكنها للأمانة تسمح بوجود رأي معارض على شاشتها، فقد تعرفنا من خلال شاشتها على المعارضين السوريين، من أمثال هيثم منّاع، وحسين عبدالعظيم، وهناك عتب مستحق عليها، فهي تُفرد برنامجاً خاصاً للمسيحيين العرب بعنوان «أجراس المشرق»، وآخراً للإسلاميين «إسلاميون.. وبعد»، فلماذا لا يكون عندها برنامج خاص للعروبيين والقوميين واليساريين، طالما أن بوصلتها عربية وتقدمية ووحدوية؟

فالتضامن معها ضد إغلاقها ليس من باب الاتفاق معها في ما تطرحه، بل إيمان بحرية التعبير والرأي، التي ندافع عنها ضد مَن يريد حجب الحقيقة، وسيطرة رأيه على الرأي العام.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.