
كتب محمد جاد:
ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى العربية في دورته الـ 24، الذي أقيم بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة من 9-1 الجاري، عقدت ندوة حول المأثورات الشعبية والأغنية العربية، ونخص هنا حالة الخليج العربي.
وقد تحدث بها كل من د.خالد علي القلاف من الكويت، والباحث محمد جمال من البحرين، في محاولة لتقديم وتأصيل المأثور الشعبي الخليجي في الأغنية، ومدى ارتباطه بالوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذه المنطقة، قبل ظهور النفط، حيث كان الاعتماد الأساسي على الصيد والتجارة.
وبالتالي، تعد هذه الأغنيات مرآة حقيقية لثقافة المجتمعات والعلاقات بين أفراده، متمثلة أحلامه وهواجسه وعقائده وأصوله.
وتعد هذه الأغنيات تجسيداً لحالة نفسية للمجتمع، يمكن من خلالها اكتشاف حالات التواصل بين الأجيال، وما تبقى منها الآن، في ظل تقدم تكنولوجي، لم يواكبه تقدم اجتماعي وفكري على المستوى نفسه.
بداية، أشار خالد القلاف إلى أن الأغنية الشعبية أدت دوراً رئيساً في حياة شعوب دول الخليج العربي، وعلى الأخص الشعب الكويتي، نظراً للموقع الجغرافي للكويت، حيث تقع شمال الخليج العربي، ما خلق مجالاً ومناخاً للعديد من المهن والوظائف المرتبطة بالبحر وعالمه، فكانت الأغنيات تصاحب البحارة والغواصين، كوسيلة ترفيهية وحيدة في ذلك الوقت، حتى إن بعض سفن الصيد استعانت بالمطربين أو مَن اشتهروا بحفظ الأغنيات وألحانها وتمتعوا بجمال الصوت، للتسلية والترفيه، والحث على العمل.
مرآة ثقافية
ويضيف القلاف أن الأغنية الشعبية تعد مرآة صادقة للمجتمع، ومن خلالها يمكن الكشف عن سماته وعاداته ومعتقداته، وكيفية نظرته للحياة والكون. إضافة إلى كونها من الركائز المهمة التي يحافظ بها المجتمع على نسيجه الثقافي والاجتماعي، نظراً لما تقوم به من دور ثقافي، وشكل من أشكال التواصل بين الأجيال.
من ناحية أخرى، تحمل هذه الأغنيات قدراً كبيراً من القيم الاجتماعية، بين الجماعات والأفراد، متمثلة المُثل العليا، التي هي في أساسها البنية الأولى والحقيقية للشعوب، بعيداً عن أشكال التغريب أو التحديث غير المسؤول، فهي ــ الأغنية ــ أحد أهم مظاهر الحفاظ على الهوية.
تطور الأغنية الشعبية الكويتية
ويرى القلاف أن للكويت ميراثا ضخما ومتباينا من ألوان الغناء الشعبي، كما أن هذا الميراث لم يتوقف أو يعاني الجمود، لتصبح أغنيات منسية أو تائهة في الذاكرة، بل تطور وطوّع وتأثر بالعديد من الأغنيات الشعبية العربية كافة، من خلال تطويع الإيقاع وفق بعض الإيقاعات الكويتية، أو استبدال الكلمات بكلمات كويتية محلية، حتى تتناسب مع البيئة والروح الشعبي.
التراث الشعبي والظرف السياسي
بدوره، أشار الباحث البحريني محمد جمال إلى مدى تأثر التراث الشعبي الخليجي عموماً بالظروف السياسية التي مرَّت بالخليج العربي، وخاصة في الفترة ما بعد الغزو المغولي لبغداد، الذي كان انهيار الدولة العباسية أحد أهم نتائجه، وبالتالي ظهور حركات ثورية وانشقاقات، كثورة الزنج ومحاولات القرامطة، وصولاً إلى غزوات العصور الحديثة، كالهولنديين والإنكليز.. ومن ناحية أخرى، نجد تناحر القبائل العربية، التي لم تستطع التخلص من عاداتها القديمة، كلما سمحت الظروف بذلك.. كل هذه الأحداث تجسَّدت ولاقت صداها في الغناء الشعبي، وفق اختلاف الأماكن والبيئات، فعدم الاستقرار السياسي هذا خلق تنوعاً كبيراً في الأغنية الشعبية، كانعكاس للصراعات السياسية في المقام الأول، ما جعل الإلمام بأنماطها وتفرعاتها أمراً في غاية الصعوبة.
غياب فئة المطربين
ويضيف جمال أن فكرة أو حالة فئة المُغنيين لم تكن معروفة في الخليج العربي، فلم يوجد مغنون امتهنوا واحترفوا الغناء.. فقط مهنة مُلحقة بسفن الصيد والغوص، لتسلية البحارة والترفيه عنهم.
من ناحية أخرى، يضم الخليج العديد من أنماط الفنون الغنائية، كفن الصوت على سبيل المثال، الذي برز فيه العديد من الفنانين، مثل: عبدالله الكويتي، ومحمد فارس البحريني، إضافة إلى العديد من أنواع الأناشيد التي تغنى في المناسبات والمحافل الدينية.
احتراف الغناء
ويذكر الباحث محمد جمال، أن الاعتماد على التناقل والتواصل الشفهي للثقافة في ما مضى، كان هو الأساس في ازدهار هذه الفنون، من خلال الهواة، وما ظهور الاحتراف، إلا بعد ظهور الغراموفون، وبالتالي، وجدت فئة من محترفي الغناء، فظهرت الإسطوانات التي تم تداولها كسلعة، فأصبح المطرب والغناء جزأين مهمين وأساسيين في هذه الصناعة، ومع ظهور شركات الإنتاج الغنائي، تم استقدام العديد من المطربين، سواء إلى القاهرة أو بغداد أو حلب، لتسجيل أعمالهم في استديوهات متقدمة في ذلك الوقت. وصولاً إلى إنشاء محطات الإذاعة والتلفزيون، وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج، واستلهام وإحياء الموروث الغنائي الشعبي في أعمال رواد دارسي الموسيقى بعد عودتهم إلى بلادهم.