
حوار: عزة عثمان
اعتبرت مديرة المركز الإقليمي للطفولة والأمومة د.سعاد السويدان، أن ظاهرة العنف عند الأطفال في المدارس أصبحت اليوم من أخطر الظواهر على جيل المستقبل، مشددة على أهمية الانتباه لتربية وتنشئة الأبناء الآن، محمّلة الأبوين الجزء الأكبر من تلك المشكلة، والمدرسة الجزء الآخر.
وأشارت في حوار مع «الطليعة» إلى أن اعتماد الأب على الأم في تربية الأبناء، واعتماد الأم على الخادمة، لعب دوراً كبيراً في ظهور كل الظواهر السلبية التي نراها الآن في الأطفال، ومن أهمها العنف والتحرش.
واستغربت السويدان عدم اهتمام الأبوين بالأبناء وجلوسهم ساعات طويلة على الهواتف الذكية والأجهزة الحديثة، من دون أي رقابة مطلقة على هذا الجيل، الذي وصفته بـ «جيل الرقبة المنحنية»، بسبب انحنائه معظم الوقت على الهاتف أو أي جهاز آخر.
قضايا عديدة تناولها الحوار، وفي ما يلي التفاصيل:
● ما طبيعة عمل المركز الإقليمي للطفولة والأمومة؟
ـ نحن نعمل تحت مظلة وزارة التربية، فنقوم بعمل إرشادات توعوية وتربوية لجميع المراحل، فتأتينا طلبات من المدرسة عن موضوعات تهمهم، وإذا كانت هناك قيمة تربوية معينة نريد توصيلها للطلبة، ونحن بالتالي في المركز لدينا فريق من المتخصصات نرسل لهم من تتميز بالكفاءة، لتقوم بعمل ما يحتاجون إليه.
● انتشر العنف أخيراً في المدارس، خصوصاً في المرحلة الابتدائية، وأصبح ظاهرة تؤرق العديد من أولياء الأمور والهيئة التعليمية، بالإضافة إلى شكاوى من التحرش.. فما الأسباب الرئيسة لانتشار هذه السلوكيات؟
ـ العنف موجود منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض، وموجود في وقتنا هذا منذ سنوات، خصوصا عند الأطفال، الذين صاروا أشقياء في كل شيء، بسبب التنشئة الخاطئة، التي ساعدت على زيادة العداء بين الأطفال، وكذلك التحرش، الذي وُجد أولاً في المنزل قبل المدرسة، خصوصاً التحرش من المحارم، وأنا أرى أن الطفل لا يصبح عنيفاً، إلا إذا شاهد العنف في البيت من قبل المسؤولين عن تربيته، وهم الأبوان، أو الأقارب في الأسر الممتدة، سواء العم أم الخال، والأخطر من ذلك التكنولوجيا، التي أصبحت الخطر الأكبر على تنشئة أولادنا، حيث أصبح اهتمام الوالدين منصبَّاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وانصرفا عن الاهتمام بالأبناء، وانشغلا عن تربيتهم وحُسن توجيههم، والمصيبة الأكبر، توفير الهواتف الذكية والإنترنت وكل الأجهزة الحديثة في أيدي الأطفال، من دون حسيب ولا رقيب من الأب والأم، ونرى الطفل في كل مكان يجلس فيه، سواء في المنزل أم المطعم أم الحديقة أم المجمع التجاري، وعينه لا تفارق الهواتف الذكية والأجهزة الحديثة، ليصبح هذا الجيل جيل «الرقبة المنحنية»، من كثرة انحناء الرأس على الهواتف الذكية، وصار «الواتس أب» اليوم هو مَن يدير حياتنا وأوقاتنا.. أنا لست ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال، لكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية يجب أن تكون، هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة، ونجد أطفالاً الآن، وما أكثرهم، يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه وتربية، وبعض الآباء والأمهات يشتكون من انشغال أبنائهم بوسائل التكنولوجيا، ولو أنهم راقبوا أنفسهم، لوجدوا أنهم مشغولون أيضاً أكثر من انشغال أبنائهم، حتى صار التعلق بالهواتف الذكية سمة العصر، وأصبح الخطر الآن جلوس الأطفال ساعات طويلة أمام هذه الأجهزة، وهذا الأمر، بالتالي، أثر سلبا في صحتهم النفسية والبدنية، فأصبحنا نرى فيهم عنفاً أو عزلة، لأنهم يرون من خلال مواقع التواصل فيديوهات وصورا غير مناسبة لهم على الإطلاق، ولا يستطيع الأهل مراقبة كل ما يتابعه أطفالهم، وقد يتأثر الطفل بمشاهدة العنف، ويعده مسألة عادية، ويقوم بممارسته، هذا إلى جانب القنوات الفضائية، وتأثيرها السلبي جداً على الأطفال.
ظاهرة خطيرة
● لكن لماذا وصل العنف في المدارس بالتحديد إلى هذا المستوى، وأصبح ظاهرة خطيرة؟
ـ أولاً، كثير من المدارس فيها تسيب وعدم رقابة، بالإضافة إلى أنهم أصبحوا يضعون لولي الأمر، صاحب النفوذ، ألف اعتبار، ولا يعاقب ابنه، مهما بدر منه، وهنا كانت البداية، فنحن الآن في مدارسنا نحتاج إلى قياديين أصحاب قرارات قوية، يتبعون الحزم مع اللين، ويقيمون الأمور وفق قيمتها الحقيقية، بالإضافة إلى أننا لم نعزز عند الأطفال في مرحلة الروضة والمرحلة الابتدائية القيم التربوية، حتى الأطفال وصلوا في تلك المراحل إلى مقولة «البقاء للأقوى»، وفي هاتين المرحلتين نجد الآن كل مجموعة عندها زعيم يخافون منه، حتى صارت المدرسة بالنسبة للأطفال بيئة طاردة، لأن الولد يخشى أن يذهب إلى المدرسة و«ينطق»، وعندما يسأله أبواه؛ لماذا لا تريد الذهاب للمدرسة؟ يقول «هذا الولد يطقني وأخاف منه»، حتى ولي الأمر، للأسف، غير متعاون مع المدرسة، فأين ولي الأمر مما يحدث الآن؟ وإذا كان في المنزل كل واحد يضرب الآخر من دون حسيب أو رقيب من قبل ولي الأمر، فكيف يكون ولي الأمر قدوة؟! ولماذا لا يكون الطفل عنيفا في المدرسة؟ بالإضافة إلى ما سبق اختفاء ثقافة التسامح بين أبناء الجيل الجديد.
حلول
● وما الحلول العملية لمعالجة ظاهرة العنف عند الأطفال؟
ـ أول شيء، الانتباه لقواعد التربية السليمة من ولي الأمر، لأن تلك القواعد هي التي تصل بالأبناء إلى بر الأمان، وعلى الأبوين الابتعاد عن الأساليب الكثيرة الخاطئة والشائعة، التي يتبعونها، ومنها أسلوب الإهمال والتذبذب والحماية الزائدة، وهذه وحدها خطرها كبير جداً على الأطفال، لأن الحماية الزائدة تخلق طفلاً اتكالياً، كما يجب على الأبوين الابتعاد عن أسلوب القسوة، لأنها تخلق طفلاً عدوانياً.. أما التذبذب، فينشئ طفلاً فاقد الثقة بالنفس، وكل هذه الأمور هي السبب الرئيس في مشكلات الطفولة، التي نراها في سلوكيات الأولاد في المدارس.
وأرى بحكم خبرتي، أنه يجب التركيز على كيفية التعامل مع الطفل وتنشئته الاجتماعية الصحيحة، وألا نتغاضى عن خطورة ما نواجهه مع الجيل الحالي أو أطفال اليوم، لأنهم جيل كامل يمثل مستقبل الوطن، ولابد أن ننتبه له.
● وماذا عن كيفية القضاء على ظاهرة العنف داخل المدرسة نفسها؟
ـ الأطفال الذين لديهم نشاط زائد يظهر في صورة عنف يتم تحويلهم إلى الاختصاصي الاجتماعي، وهو بدوره يوظفهم في نشاط هادف داخل المدرسة، ويشعرهم بالمسؤولية، من دون أن يوجه لهم أي كلمات سلبية، بل على العكس، كلماته معهم تكون إيجابية، ويوضح لهم أنه تم اختيارهم، لأن لديهم القدرة على عمل هذا النشاط، من دون غيرهم، وبذلك يكون تم استغلال نشاطهم بشكل صحيح، والمدرسة ارتاحت من مشاكلهم تدريجياً.. ولو قمنا بهذا العمل بشكل صحيح، فمن المؤكد أننا سنصل إلى مرحلة نقضي فيها على العنف في مدارسنا.
● هناك ظاهرة عنف من قبل الطلاب.. فماذا عن العنف من المدرسة؟
ـ العنف من المدرسة موجود، وليس من الضروري أن يكون عنفاً بدنياً، على الرغم من أن العنف البدني موجود، لكن هناك من العنف ما هو أخطر منه، وهو توجيه كلمات جارحة للأطفال، أو كلمات بذيئة، حتى التهديد يعد عنفاً، لأنه يشعرهم بعدم الأمان، وهذه الأساليب يجب أن نترفع عنها، لأن الطفل يحتاج إلى الرعاية والأمان.
● الآباء في السابق لم يكونوا بالقدر نفسه من التعليم، الذي عليه آباء الجيل الحالي، ولا حتى الثقافة أو مستوى المعيشة، ومع ذلك استطاعوا تربية أجيال حققت نجاحاً كبيراً في كل المجالات، وأثبتوا أنهم نتاج تربية وتنشئة اجتماعية على أعلى مستوى، لكن آباء الجيل الحالي لم يستطيعوا تربية أبنائهم بنجاح، مثل آبائهم، فما السبب برأيك؟
ـ في السابق، رغم الخبرة البسيطة للآباء والأمهات، فإنهم خرجوا أجيالاً ناجحة فعلاً في كل شيء.. والسبب، أنهم في السابق كانوا أصحاب قرارات، وكانت الأم متفرغة لتربية الأبناء، ولا يوجد عندها ما يشغلها عن تربيتهم، والأب كان حازماً وحكيماً، ويعرف من خلال تجاربه البسيطة كيف يربي أولاده، وكان في السابق يغيب عن المنزل ساعات طويلة، من أجل طلب الرزق فقط.. وعلى الرغم من ذلك، كان حريصا على معرفة كل أمور أبنائه وتوجيههم.. ورغم غيابه طوال اليوم، كان يحرص أن يجلس مع أولاده، ويناقشهم في معظم أمورهم، ويوجههم إلى تحمُّل المسؤولية، فكانوا يشعرون بالأمان.. أما الآن، فالأب يذهب إلى الديوانية، ويقضي وقتا طويلا فيها، وأصبح يعتمد على الأم في تربية الأبناء، والأم تعتمد على الخدم، وأصبح الموبايل عند الأم أهم من أولادها، ولا يوجد لدى الأم أو الأب سعة صدر للتحاور مع الأبناء، وأصبحت أسرع وسيلة لإسكات ولدها، هي توفير أحدث الهواتف أو الأجهزة الذكية له، كي ينشغل بها، وبعض الأمهات يعطين الآيباد للأولاد، ويحملون عليه ألعابا عنيفة، بدلاً من الألعاب التربوية الهادفة للأبناء، فكل ذلك ساعد على انتشار العنف بين الأبناء.
دور الإعلام
● هل للإعلام دور في انتشار ظاهرة العنف عند الأطفال؟
ـ الإعلام، خصوصا الفضائيات، لعب دوراً كبيراً جداً في انتشار ظاهرة العنف، من خلال المسلسلات التلفزيونية غير الهادفة، والهادمة للقيم، التي تظهر العنف والانحدار الأخلاقي على أنهما من الأمور العادية، التي تحدث كل يوم، وأنا أتساءل: أين الرقابة؟ وأين المسلسلات الهادفة التي كنا نراها من قبل ونتعلم من خلالها القيم والمبادئ؟ فلابد للأبوين من تحديد القنوات الفضائية التي يشاهدها أبناؤهم، واختيار الهادف منها، وإلغاء كل القنوات التي تبث العنف والانحدار الأخلاقي.
● قبل أيام قررت وزارة التربية جعل فرصة المرحلة الابتدائية فرصتين، وفصل المراحل عن بعضها، بحيث يكون الصف الأول والثاني والثالث في فرصة واحدة، والصف الرابع والخامس فرصة أخرى، للقضاء على ظاهرتي العنف والتحرش، بعد ارتفاع أصوات أولياء الأمور والمعلمين بالشكوى من كثرة هاتين الظاهرتين.. هل هذا الحل مناسب برأيك؟
ـ هذا القرار لن يحل شيئاً، فالأولاد جميعهم يلتقون قبل بداية الدوام وبعد انتهائه، وهذا ليس حلاً، فالحل في دراسة المشكلة من قبل فريق متخصص، وفي فترة وجيزة جداً، على أن يضم هذا الفريق كل الأطراف المعنية، بدءاً من ولي الأمر والمدرس والاختصاصي والخبراء النفسيين والتربويين، ووضع حلول تطبق فعليا على أرض الواقع.
