
محمد الغربللي:
عندما اتخذت الحكومة خطوتها، بزيادة أسعار الديزل والكيروسين، زادت بالتبعية كلفة وسائل النقل المختلفة التي تستخدم الوقود أو الخدمات المستخدمة للكيروسين.. بعدها ماذا حدث؟
أغلق عدد من المخابز التابعة للجمعيات التعاونية أبوابه، من جراء زيادة أسعار الكيروسين، كما احتج اتحاد الصيادين على هذه الزيادة، فمن شأن ذلك زيادة أسعار السمك، علاوة على ارتفاع أسعارها أصلا.. هنا اضطرت الجهة الحكومية المختصة إلى إعادة الأسعار بالنسبة لمراكب الصيد والمخابز على حالها، مع تطبيق القرار واستمراره على وسائل الشحن التي تعمل في داخل الكويت أو خارجها.. وأدى ذلك إلى زيادة تكلفة النقل الخارجي والداخلي بشكل مضاعف، وانعكست هذه التكلفة على أسعار المنتجات بنسبة تتراوح ما بين 20-25 في المائة.
لا شك أن هذا الوضع يعكس النظرة الضيقة والمحدودة للقرارات الحكومية التي يتم اتخاذها، سواء بالتراجع عن الأسعار الجديدة للديزل لبعض القطاعات، أو المبالغة في الزيادة، التي تجاوزت 100 في المائة على القطاعات الأخرى للنقل.
المصيبة
أي قرار وزاري لابد أن يكون حصيلة دراسة معمقة تبحث تبعات القرار ونتائجه السلبية وكيفية حلها ومواجهتها، قبل أن يصدر، ويتم التراجع عنه جزئيا أو كلياً.
المصيبة، أنها ليست القرارات الوزارية وحدها التي تصدر بشكل عشوائي وبما يشبه التجريب، بل حتى القوانين التي تمر بمراحل متعددة على مستوى الجهاز التنفيذي للدولة أو الجهاز التشريعي، ممثلا بمجلس الأمة، فهي تصدر، من ثم لا تجد إمكانية للتنفيذ، أو أنها تفتقر لأدوات التنفيذ، وخير مثال على ذلك، القوانين التي صدرت منذ عام 2008 والأعوام التي تلتها، حول تخصيص مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وتم استبدالها بشركة تُباع ثلث أسهمها لجهة خاصة.. فمنذ صدور القانون الأول عام 2008، وصلنا إلى قرار تبناه مجلس الأمة ومجلس الوزراء، للإبقاء على «الخطوط الجوية الكويتية»، كناقل رسمي للدولة، وفي ملكيتها.
نظرة ضيقة
مثل آخر على عشوائية القرارات، ممثلا بالقرار الوزاري الصادر من وزارة التجارة والصناعة رقم27/ 2015، بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 39/ 2014 بشأن حماية المستهلك، جرى تعديله في ما بعد، بقرار وزاري رقم 361/ 2015، أي جرى تعديل قرار وزاري في العام نفسه، وهذا تعبير صارخ على النظرة الضيقة في إصدار القرارات الوزارية، وافتقارها بشكل كلي لدراسة علمية تعمل على تيسير الإجراءات الحكومية، وليس التضييق عليها، وتحويلها إلى حبال تغل التنفيذ والإنجاز.
والحقيقة، لو أعددنا دراسة حول القوانين التي جرى إصدارها، أو بصورة أكبر، القرارات الوزارية التي تم إصدارها، لوجدنا فيها الكثير، سواء على صعيد عدم قابليتها للتطبيق، أو ما يشبه تجمدها فعليا، كونها غير قابلة للتنفيذ، خلاف عرقلتها للإنجاز.. والسبب، أنها نتاج أفكار صادرة عن مسؤولين قد يفتقرون هم أنفسهم للمؤهلات قبل الدراسة والقراءة العميقة للقرارات التي يريدون إصدارها.. ألم تنشر بعض الصحف عن الشهادات العليا «المضروبة» وأصحابها يتولون مناصب إشرافية عليا في الدولة؟!
قرار آخر
بالعودة للموضوع الرئيس، فإن مناسبة فتحه، هي تلك الأخبار التي رشحت منذ أيام حول وجود ما يشبه القرار، بزيادة أسعار البنزين بنسبة تتراوح ما بين 70 و90 في المائة، وفق ما نشرته صحيفة «القبس» في عددها الأحد الأسبوع الماضي.. ولا نعلم، إن كان هناك توجه فعلي لاتخاذ مثل هذا القرار، أم هو مجرد تكهنات، أو ما يشبه بالون اختبار أو تخمين صحافي!
وعلى افتراض صحة هذا التوجه الحكومي، فإن مثل هذا القرار سيأتي بنتائج عكسية على معيشة المواطن والمقيم على مستوى المصروفات الشهرية، نظرا لما يستتبع هذه الزيادة من انعكاس على جميع الأسعار فعليا، كتأثير مباشر، أو ذريعة لرفع الأسعار، وفي كلتا الحالتين، فإن مَن سيتأثر بها بداية، هم محدودو الدخل الشهري، وذوو الرواتب الثابتة والمتدنية، فاستخدام البنزين يفوق استخدام الديزل أو الكيروسين بشكل كبير، ونظام الحياة وقلة وسائل المواصلات يستلزمان استخدام السيارة للطلبة من سن الـ 18 حتى التخرج في الجامعة، ما يشكل مصاريف زائدة على كاهل رب الأسرة، الذي قد يكون متقاعداً، أو من ذوي دخل شهري ثابت.
ممارسة وتعود
جراء الممارسة والتعود من قبل الجهة التنفيذية للدولة على اتخاذ قرارات غير مبنية على دراسة معمقة تتولد الخشية من أن مثل هذا القرار كقرارات مماثلة سابقة تأخذ طابع العشوائية، من دون البحث عن السلبيات المحتملة.
نعلم أن أعداد المركبات هائلة، لا تستوعبها الشوارع، لكن البلد يفتقر إلى ثقافة النقل الجماعي بشكل شبه كلي منذ عقود طويلة، ولاتزال هذه المشكلة قائمة، وبالتالي، فإن الحل هو استخدام المركبة الخاصة كوسيلة تنقل للأفراد، وهذا واقع لا يمكن تغييره على المدى المتوسط، أوحتى الطويل.. ومثل تلك القرارات؛ زايدة أسعار الديزل سابقا، أو نية زيادة أسعار البنزين، تأتي في فترة تطالعنا فيها الصحف عن أشكال مختلفة من الهدر المالي في كل وزارة من الوزارات، وبالذات الخدمية منها، وكان آخر تلك الأخبار التي نشرت وتحدثت عن شراء أجهزة «التابليت» لطلاب المدارس بقيمة 26 مليون دينار!
هدر قانوني
هنا لا نتحدث عن المناقصات المليارية ذات الكلفة العالية أو المشاريع ذات الأبواب المشرعة على الصرف المليوني من دون حسيب أو رقيب، ولا نتحدث عن حالات الفساد محل حديث الناس ورواياتهم.. ففي المحصلة النهائية، هناك هدر مغطى بالقانون، وآخر مخفي، بعيد عن أعين الناس، لكنه بات حديثهم الدائم. كل ما نتمناه، هو دراسة القرارات قبل إصدارها دراسة عميقة وجادة تبيّن آثارها السلبية، حتى لا تأتي القرارات الوزارية الجديدة مشوبة بالتخبط والعشوائية، كحال قرارات سابقة.