
كتب إيهاب علام:
تختلف أوجه الفساد والإهمال، والواسطات والمحسوبية من دولة إلى دولة، وبدرجة أو أخرى، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة استفحال أمراض الواسطات والمحسوبيات، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وضيق الأفق والنظرة العامة السائدة في الكويت، التي كانت دولة إصلاح وتنمية، وما خلفته في إهدار ملايين، بل مليارات الدنانير على البلاد، وتطفيش الملايين الأخرى إلى الخارج، بسبب التعنت والتعسف، وتغليب المصلحة الشخصية على الصالح العام.
وهذه الصفات لو انتشرت في أي دولة في العالم، فإنها تهوي بها إلى الأسفل، وتوقف نموها، مهما كان حجم ثرائها، لأن هذه الصفات مجتمعة تمثل أكبر خطر على اقتصادات الدول، لهذا لا يمكن أن يحاكم كل مَن يثبت تورطه في نهب المال العام فقط، بل لابد أن يحاكم كل مَن يثبت تورطه في ضياع أموال على الدولة، أو يتسبب في تطفيش استثمارات من الممكن أن تستفيد منها، لأن عدم المحاسبة يشجع على الاستمرار في تطفيش الأموال من الكويت، وهذه الأموال هي ما تحتاجه الحكومة لتعويض ما خسرته من تراجع أسعار النفط، بدلاً من الضغط والتضييق على المواطنين والمقيمين، فالاستثمارات الأجنبية، هي وحدها التي يمكن أن تحمي ميزانية الكويت من أي انهيارات.
مَن المتسبب؟
إن ابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن الكويت، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج أمر بات مقلقاً، فالكويت التي كانت الأولى في كل دول المنطقة، اقتصادياً وصناعياً وتنموياً، وجذباً للاستثمارات الخارجية، هي الآن الأكثر تراجعاً في هذه المجالات بين دول الخليج، والأقل جذباً للاستثمارات الأجنبية، والأكثر طرداً للأموال للخارج.
ولا شك أن هناك أكثر من جهة متسببة في تطفيش المستثمرين، وطرد الأموال إلى الخارج، على رأس هذه الجهات وزارة التجارة والصناعة، التي اعترفت في أكثر من مناسبة، بأن الكثير من الإجراءات فيها تمثل معوقات تمنع ممارسة الأعمال في الكويت.
وقد حددت «التجارة» العقبات التي تحول دون سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في الكويت، سواء أكانت قانونية أم إجرائية أم إدارية، ومن هذه المعوقات: طول إجراءات الدورة المستندية، والرجوع المتكرر لأخذ الاستشارة القانونية في كل إجراء، ما يؤدي إلى تعطيل المعاملة، مبينة أن هناك العديد من العقبات أمام ممارسة الأعمال في الكويت، ومن هذه العقبات التي ذكرتها «التجارة» ضمن التقرير السنوي لأنشطة الأعمال في دولة الكويت، عدم إلمام الموظف بالإجراءات المتبعة، والقرارات الإدارية والوزارية في الجهة التابعة لها، بالإضافة إلى أنه قد تصدر قرارات إدارية كل فترة في معظم إدارات وزارة التجارة والصناعة قد تعرقل وتصعب من سير الإجراءات وإنجاز المعاملات.
وأشار التقرير إلى أنه من العقبات القانونية التي يواجهها المستثمرون في الكويت، مشكلة في قانون الضريبة بخصوص أنواع الضريبة، وعلى مَن تطبق من أصحاب المشاريع، بالإضافة إلى عدم وضوح آلية العمل من ناحية القوانين واللوائح، وعدم فاعليتها، ما يؤدي إلى عدم إنجاز الموظف لعمله على أكمل وجه، كذلك هناك معوقات من ناحية وزارة الشؤون في تعيين العمالة للشركة المملوكة بالكامل للمستثمر الأجنبي.
أما في ما يخص العقبات الإجرائية، فتتمثل في طول إجراءات الدورة المستندية بوزارة الشؤون الاجتماعية، التي قد تصل إلى 3 شهور، هذا بالإضافة إلى تأخير إنجاز المعاملات التي قد تضطر صاحب المشروع، أو من يمثله، إلى دفع مبالغ مالية كبيرة، كغرامات، أو غيرها من تكاليف مالية عالية، هذا بالإضافة إلى أنه عند تقديم المستندات والأوراق المطلوبة، تقوم بعض الجهات بتعطيل المعاملة تقريباً لمدة 3 شهور وأكثر، في حين أن بعض المستندات لها فترة معينة للانتهاء، ما يتطلب من أصحاب المشروع إعادة تجديدها، من ثم إعادة تقديم الطلب مرة أخرى، كذلك طول الإجراءات في إدارة العلامات التجارية، والاعتماد على المعاملات الورقية، ما يعد إهداراً للوقت، ويعطل أصحاب المشروع.
يُضاف إلى كل ما سبق، أن دولة الكويت تفتقر إلى الموانئ التجارية والمجهزة لاستقبال السفن الآتية من دول عدة، حيث لا تستطيع بعض الشركات تصدير منتجاتها، إلا بعد إرسالها إلى موانئ عدة في الدول المجاورة، وهذا يكلف مبالغ كبيرة ووقتاً أطول لا يشجع على التصدير.
مقترحات
وذكرت «التجارة» تسعة مقترحات، لتسهيل ممارسة أنشطة الأعمال، منها ضرورة وجود مركز موحد لإنجاز كافة المعاملات والموافقات، بحيث يكون واجهة حضارية للدولة، وتعيين موظفين ذوي كفاءات مدربين ومؤهلين لإنجاز المعاملات بدقة وسرعة، وضروة تحديث وتجديد بعض لوائح الوزارة في أنشطة الشركات المسموح بها، بما يتلاءم ويتماشى مع الوقت الحاضر.
الخلاصة، أن كل هذه المعوقات جعلت الكويت تحتل مرتبة متأخرة خلال العام الماضي في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال على المستوى العالمي، حيث جاءت في المرتبة 86 من أصل 189 دولة.
ووفقاً لتقرير الاستثمار العالمي الصادرعن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) لعام 2015، احتلت الكويت المركز الأول شرق أوسطياً، والسابعة عالمياً، في قائمة الدول الأكثر استثمارا في الخارج، وبحجم استثمارات يصل إلى 13 مليار دولار، فيما احتلت قطر المرتبة الثانية، باستثمارات بلغت 7 مليارات دولار، ثم السعودية بـ5 مليارات دولار، والإمارات بـ3 مليارات دولار.
وتصدر الكويت لدول الشرق الأوسط في الاستثمارات الخارجية، يعني أنها طاردة للاستثمار، وتوجيهها كل الاستثمارات إلى الخارج يجعلها خاوية من الاستثمارات، في حين أنه يفترض أن تظل غالبية هذه الاستثمارات داخل البلاد، لكن المناخ الاستثماري المتردي جعلها تهرب للخارج.
معاملات حكومية معقدة
ووفق تقرير لشركة «المركز» المالي، فإن الكويت لا تزال مستمرة في تصنيفها ضمن الدول التي تتراجع بها سهولة ممارسة الأعمال، ففي الكويت يجب على رجل الأعمال المبادر إنهاء أكثر من 11 معاملة حكومية لتأسيس شركة، بينما يتراوح عدد هذه المعاملات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ما بين 4 و7 معاملات. واعتبر تقرير «المركز»، الذي استمد معلوماته من تقرير أورده صندوق النقد الدولي، أن هناك ارتباطاً واضحاً بين عدد المعاملات الحكومية، وعدد الأيام المطلوبة لإنهاء إجراءات تأسيس شركة.. ففي الكويت، تشمل إجراءات التأسيس التسجيل لدى ما يزيد على 5 هيئات حكومية مختلفة، وهو الرقم الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ويستغرق حجز اسم فريد للشركة يوماً كاملاً في الكويت، بينما يمكن أن يتم ذلك في المملكة العربية السعودية وقطر عبر شبكة الإنترنت.
تقصير حكومي
وفي الشأن ذاته، أكد تقرير شركة بيان للاستثمار، أن احتلال الكويت الصدارة في حجم الاستثمارات الأجنبية في الخارج، جاء على حساب الاستثمار في الداخل، ما يؤكد تقصير الحكومة في دعم الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى ضرورة عودة الثقة للمستثمرين عن طريق التدخل الحكومي للمعالجة الاقتصادية الشاملة، وهذا واجبها وأصبح لزاما عليها، مثلما فعلت معظم حكومات دول العالم المتحضر في معالجة مشاكلها الاقتصادية، مبيناً أن الكويت تخلفت كثيرا في هذا الأمر الحيوي والضروري، والذي يمس الاقتصاد الوطني بصميمه.
والمؤكد أن الكويت في حاجة كبيرة إلى الاستثمارات الخارجية، وهذا يتطلب تنفيذ مزيد من الإصلاحات، وإعطاء أهمية مساوية لمراقبة سير أعمال تنفيذ الخطوات الإصلاحية، إلى جانب تطبيق أحدث التطبيقات العملية في مجالات الإدارة والإصلاحات، مع سرعة تحديد الفرص الجديدة واستغلالها، والاستفادة من الموارد الحالية بشكل أكثر إنتاجية وكفاءة، والتركيز على كيفية جذب الاستثمارات، وليس إخراجها من البلاد.