
محمد الغربللي:
نشر المغرّد د.طارق العلوي تغريدة على حسابه لافتة للنظر، ومسكوتا عنها على مستوى وسائل الإعلام.. التغريدة على شكل رسالة من مواطن يشرح فيها المعاناة والمشاكل الدائرة في منياء الشويخ.. ووفق ما ذكر في هذه الرسالة، أن «هناك قرارا اتخد في 27 يوليو الماضي، من إدارة الجمارك، يقضي بالتفتيش الدقيق على الشحنات المرسلة من قِبل الكويتيين، ما أدى إلى انخفاض عدد الحاويات في التفتيش اليومي من 2000 إلى 320 حاوية يوميا، الأمر الذي أدَّى بدوره إلى تكدُّس الحاويات داخل الميناء، وتكبيد المستورد خسارة تقدَّر بمئات الآلاف، والحصيلة النهائية لخسارة المستوردين تبلغ الملايين، وتذهب لصالح شركتي نقل تعملان داخل الميناء، وقد أدَّى ذلك بالتبعية إلى تأخير عملية تفريغ السفن لحمولتها، وتأخيرها لمواصلة رحلتها، كما تم فرض رسوم نقل إضافية، من جراء هذا التأخير على بواخر شركات النقل تُضاف إلى رسوم التوقف في الأرضيات، وهي رسوم باهظة يتكبَّدها المستورد، وهي بعشرات الآلاف، كما ذكرنا، وهذا يعتمد على الفترة الزمنية التي تظل فيها الشحنات متوقفة، حتى يتم التفتيش الجمركي عليها.. وفي النهاية، قد تضاف هذه المصاريف على كاهل المستهلك، من جراء الإجراءات الجمركية، وما يتبعها من رسوم وتأخير للإفراج عن الشحنات.
وللعلم، فقد طرأت تلك التطورات، نتيجة حادثة جرت في الصيف الماضي، تمثلت بخروج شحنة إلى الخارج فيها ممنوعات، من دون أن يتم تفتيشها، وهي حالة لا تشكل نسبة ما من حالات الاستيراد التي تتم من ميناء الشويخ، لكنها أحدثت إرباكا كبيرا، وأدَّت إلى تعطيل في كلتا المؤسستين؛ الجمارك والموانئ.
حالة شاذة
منذ فترة، ذكرت إحدى الصحف خبرا حول إلقاء القبض على أحد المفتشين الجمركيين في الميناء، بسبب إخراج شحنة تحتوي على بضائع مقلدة نظير رشوة تقاضاها.. هي أيضا حالة فردية لا يمكن تعميمها على بقية المفتشين الجمركيين، فالحالات الفردية الشاذة لا يمكن تعميمها على البقية من الأفراد.. الأمر ذاته ينطبق على حالة خروج شاحنة من دون تفتيشها، ما أدى إلى المبالغة في عملية التفتيش، كما ذكرنا، والتأخير في الإفراج عن الشحنات.
ولدينا حول هذا الموضوع عدة ملاحظات، فميناء الشويخ يُعد من الموانئ القديمة والرئيسة للبلد، إلا أنه كحال العديد من المرافق الأخرى، ناله الإهمال، سواء على مستوى رافعات التنزيل من البواخر التي تتعطل بشكل دائم، أو على صعيد تردي أوضاع المراسي وعدم صيانتها، ما أدى إلى عزوف مراكب الشحن عن تنزيل حاوياتها في الميناء، حتى لا يتضرر جسم الباخرة، من جراء الاحتكاك، من دون حماية من المرسى، وبالتالي بات أصحاب السفن يفضلون الانتظار، لترسو سفنهم في مراسٍ مؤهلة، بدلا من المراسي غير المتوافر بها أدوات الحماية من الاحتكاك.
مدير جديد
الملاحظة الثانية، أن هناك مديرا جديدا تم تعيينه في هذا المنصب، وهو غير ملم تماما بالأمور التشغيلية في الموانئ.. جديد وطازج في هذا المجال، لكن لا مانع من هكذا تعيين، إن كان هناك إصرار عليه، بشرط أن يخضع لدورة تدريبية مكثفة لا تزيد على السنة في أكثر الأحوال قبل توليه منصبه.. سنة يمكن أن يقضيها كشخص عادي في ميناء كميناء دبي أو سنغافورة، ليتمكن من الإلمام بآليات العمل، ويشاهد ويتدرَّب على الناحية التشغيلية في الموانئ، بالتنسيق مع الأطراف الأخرى ذات العلاقة، كالجمارك والبلدية والصحة وهيئة الغذاء.. فأي خلل أو سوء إدارة في تلك الجهات سيؤثر في سمعة الميناء.. سنة واحدة ليست كثيرة، ليكون على بيّنة من جميع التفاصيل التشغيلية الخاصة بالمنصب الذي سيتولاه في ما بعد.. لكننا في الكويت، ومن الناحية الإدارية، فإننا نطبق المثل «تعلم التحسونة في روس القرعان»، وهذه إحدى السمات في الإدارة الكويتية بوجه عام، ونتائجها سيئة جداً، فضلا عمَّا تخلفه من خسائر مادية كبيرة، كما جرى في مؤسسة الموانئ، وإجراءات الجمارك التي شابها الكثير من التعسف.
غلاء الأسعار
ثالث الملاحظات، أن هذه الإجراءات والتكاليف الباهظة التي تتطلبها، من شأنها أن تنعكس على أسعار جميع المواد المستوردة، ومن باب التذكير، منذ بضعة أسابيع، خصص مجلس الوزراء أحد اجتماعاته الأسبوعية، لمناقشة سُبل مواجهة غلاء الأسعار، ولا نعرف هل تم تشكيل لجنة وزارية بذلك، أم كان الأمر مجرَّد كلام عام، لامتصاص الشكاوى على غلاء الأسعار؟!
على كل حال، وبغض النظر عن تنفيذ هذا القرار، أم لا، فهو يتضارب تماماً مع ما يدور في مؤسسة الموانئ والجمارك، ويزيد من تكلفة المواد المستوردة، وليس العكس.. مثل هذه القرارات تتخذ من دون تفكير في مفاعلاتها، ومن دون اهتمام حقيقي بتنفيذها، بل أحيانا تتم بخطوات فعلية بالتضاد معها.. وكلها أو أغلبها ناتجة بقدر ما عن التعيينات «البراشوتية» التي تتم، وزادت في السنوات الأخيرة.
انظروا الآن، فمع كل المشاكل التي تعانيها الرياضة الكويتية ودهاليز «الضرب تحت الحزام»، إلا أنه في الوقت ذاته يتم تعيين مدير جديد لهيئة الرياضة، وهو بعيد كل البُعد عن هذه الأجواء، وخبرته قليلة في هذا المجال، وسط ساحة صراع داخلي وخارجي، ويفتقر إلى العلاقات، التي يفترض أن تبنى طوال عقد أو عقدين، ومع ذلك، يتم تعينيه في هذا المنصب.. وكأنك تلقي بجندي في ساحة المعركة، من دون ذخيرة أو سلاح، وتطلب منه القتال!
هو مجرَّد تعيين والسلام، من دون تمحيص، إن كان الشخص يمتلك القدرات والمؤهلات والمعرفة والدراية الكافية لتولي هذا المنصب.. فلا عجب بعد ذلك من تردي الأداء.. وهذا ما يتم تلمسه في هذه المؤسسة أو تلك، وحكاية الموانئ والجمارك خير مثال.