
كتب إيهاب علام:
خيَّم تراجع النفط إلى مستويات مقلقة، وما تبع ذلك من خطر تحقيق عجز مالي في الميزانية العامة، على الجميع، سواء السلطة التنفيذية، بما تتضمنه من وزارات ومؤسسات وهيئات مختلفة، أو حتى السلطة التشريعية، حتى وصل الأمر إلى المواطن العادي.
وبات الانشعال وكل التركيز والتفكير ينصبُّ على الإجابة عن سؤال واحد: هل ستعاود أسعار النفط الارتفاع مجدداً؟ وهو ما يعني أن تفكيرنا بات قائما على الآمال والطموحات، ولا وجود لعبارة «تخطيط علمي» في القاموس الحكومي.. فبدلاً من وضع الحلول والمقترحات العلمية المدروسة، للتغلب على هذا العجز المالي، أو حتى التقليل منه، أصبحنا نعيش على الأمنيات، بأن ترتفع أسعار النفط مجدداً، لنتخلص من هذه المشكلة.
ووسط هذه الأمنيات، والانشغال بالتفكير في احتمالية ارتفاع النفط، نسينا أو تناسينا مشكلة البطالة، التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، مع تزايد أعداد الخريجين سنوياً، وعدم قدرة الحكومة على توظيف أعداد جديدة منهم، في ظل تراجع إيرادات الدولة، وتسجيل أول عجز مالي في الميزانية منذ أكثر من 10 سنوات خلال العام الماضي، وتوقع عجز مالي أكبر خلال العام الحالي، وتراجع الانفاق الاستثماري، واقتصارالإنفاق على المصروفات الجارية، وعدم القدرة على إنشاء أي مشروعات جديدة، وغياب المشروعات التنموية الحقيقية، التي يمكن أن تساهم في خلق فرص وظيفية للخريجين، الذين يتجاوز عددهم 120 ألف خريج وخريجة سنوياً، ويحتاجون إلى فرص عمل، لاستغلال طاقاتهم، وتوفير حياة كريمة لهم.
إغفال مشكلة البطالة
وعلى مدار العام الماضي، لم نرَ أو نسمع أي مسؤول حكومي، أو نائب في مجلس الأمة، أو حتى تقرير اقتصادي يتحدث عن هذه المشكلة، التي تنذر بعواقب وخيمة، اجتماعياً واقتصادياً، وحتى أمنياً، وبات كل اهتمام السلطتين، هو كيفية مواجهة العجز المالي، وكيف يمكن تمويله، هل من خلال السحب من الاحتياطي العام للدولة، أم خلال إصدار سندات؟
ووسط هذه المشكلة التي صنعتها الحكومة بيديها، ضاعت مشكلة البطالة، وغاب اقتراح وضع أي حلول لها، وتعقدت المشكلة بشكل كبير، خصوصاً خلال العامين الماضيين.
وبالنظر إلى مشكلة البطالة في الكويت، نجد أن أسبابها هي الأسباب ذاتها في غالبية الدول النامية، وغير المتطورة اقتصادياً، مع العلم بأن الكويت تتميَّزعن هذه الدول، بامتلاكها احتياطيات مالية كبيرة تكوَّنت على مدى سنوات، من خلال تحقيق فوائض مالية، لكنها لم تحسن استغلال هذه الفوائض.
وتنحصر هذه الأسباب بالكويت في تزايد عدد السكان، وضعف معدلات النمو الاقتصادي، وتعثر خطط التنمية وفشلها، وكل ذلك انعكس بالسلب على خلق فرص عمل جديدة للشباب الباحث عن عمل.
أرقام مقلقة
ووفقاً للأرقام المتوافرة، فإن نسبة البطالة في الكويت اقتربت من 5 في المائة خلال عامي 2013 و2014، من إجمالي قوة العمل، بما يقترب من 20 ألف مواطن، في حين تشير بعض التقديرات إلى أن عدد العاطلين عن العمل اقترب من 45 ألف مواطن خلال العامين المذكورين.. أما خلال العام الماضي، فتشير الأرقام والإحصائيات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء إلى أن معدل البطالة وصل إلى 6.9 في المائة، وهو ما يعني ارتفاعا بنسبة تقترب من 2 في المائة خلال عام واحد، وإذا ارتفعت البطالة بالنسبة ذاتها، فإن هذا يعني أن معدل البطالة في الكويت خلال العام الحالي عند 9 في المائة، وهي بلا شك نسبة كبيرة جداً في دولة تحقق فوائض مالية على مدى أكثر من 10 سنوات، وعدد سكانها يزيد على المليون نسمة قليلاً، حيث إنه من المفترض أن تكون هذه النسبة أقل من ذلك بكثير، فالكويت تملك من الفوائض المالية ما لا تملكه الكثير من الدول المتقدمة، كما تمتلك ثروات ومقومات طبيعية لا تمتلكها الكثير من الدول، ومن المفترض أن توجه هذه الأموال لتنفيذ مشروعات تنموية تخدم المواطن، وتخدم الشباب وتعالج قضية البطالة.
لكن رغم كل هذه الإمكانيات، فإن الاقتصاد الكويتي مثال للاقتصاد المتردي أحادي الدخل، الذي يعتمد على القطاع الحكومي في خلق الوظائف، على الرغم من اكتظاظ هذا القطاع بعمالة تفوق قدراته بكثير، حتى أصبح يعاني بشدة من البطالة المقنعة، بسبب السياسات الاقتصادية والحكومية الخاطئة، التي أغدقت على موظفي القطاع العام في المزايا والبدلات، ما أوجد حالة عزوف كبيرة من قبل المواطنين عن العمل في القطاع الخاص، فلماذا يقبل المواطن بالعمل في القطاع الخاص، في ظل كل المزايا التي تمنحها الدولة للعاملين في القطاع الحكومي؟
تحدٍ خليجي عربي
أكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أن مشكلة البطالة، هي أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية في هذه المرحلة، وخلال السنوات المقبلة، نظراً لانعكاساتها العميقة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية كافة.
وأضاف أن منطقة العالم العربي تسجل سنوياً معدلات زيادة سكانية كبيرة جداً، وصلت نسبتها إلى 25 في المائة، مبيناً أن عدد سكان الوطن العربي سجل حالياً 340 مليون نسمة، وسيرتفع إلى 482.8 مليون نسمة عام 2025، وهو من أعلى المعدلات عالمياً.
وأشار التقرير إلى أنه يقابل هذا النمو السكاني الكبير، تذبذب في الأداء الاقتصادي العربي، ويتضح هذا جلياً من خلال أرقام الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً ما بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008، مبيناً أنه على الرغم من تحسن الاقتصاد العربي خلال العامين الماضيين، بفضل تحسن الاقتصادات النفطية، فإن تراجع أسعار النفط، والتوقعات التي تشير إلى استمرار هذا التراجع على الأقل خلال العام المقبل، سيكون له تأثير كبير على نمو اقتصادات الدول النفطية، ومنها الاقتصاد الكويتي، من ثم تراجع خلق فرص العمل، وتعاظم مشكلة البطالة التي تواجهها غالبية الاقتصادات العربية عاماً بعد الآخر.
تجاهل «حكومي – نيابي»
جميع الأرقام تؤكد أن مشكلة البطالة من المشكلات التي تزداد تعقيداً، والتي لها تأثير سلبي على المجتمع.. ورغم التحذيرات المتواصلة من خطورة هذه المشكلة، فإنها لم تجد الاهتمام الكافي من السلطتين على مدار السنوات الماضية، وحتى عندما اهتمت بها الحكومة ومجلس الأمة وتمَّت مناقشتها في جلسة خاصة في البرلمان، لم تكن هذه المناقشة موضوعية وعلمية، وتبادلت السلطتان الاتهامات، وتقاذف المشكلة بينهما، وكانت نتيجة ذلك عدم الخروج بحلول عملية وخطة محددة لحل هذه القضية، بل وصل الأمر إلى أن التوصيات التي أقرت خلال هذه الجلسة، ومنها الإسراع في تفعيل قانون التأمين ضد البطالة، وإعادة النظر في خطة التنمية للربط بين المشروعات الكبيرة وقضية التوظيف، لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن.