هل استعدت الكويت للتغيُّرات القادمة في أسواق الطاقة؟

أوبككتب محرر الشؤون الاقتصادية:
حالة من العناد والمكابرة انتهجتها منظمة الأقطار المصدر للنفط (أوبك) على مدى الأعوام الماضية، كلما دار الحديث عن خطر النفط الصخري القادم، رافضة الاعتراف بهذا الخطر القادم، ومقللة من تأثير هذا النوع من النفط على أسواق الطاقة، وليس تصريح الأمين العام لمنظمة «أوبك»، عبدالله البدري، الذي أطلقه منتصف شهر أكتوبر الماضي في الكويت، بعيداً عنا، فقد أكد البدري أن «إنتاج النفط الصخري سينخفض بعد عام 2018، حيث يكون قد بلغ أقصى معدلات إنتاجه إلى 5 ملايين برميل».

وأعلن البدري حينها عن «انتهاء عصر النفط الصخري وزواله مع نهاية عام 2018، لتعود «أوبك» مرة أخرى لتتصدر وتقود الأسواق النفطية.

وكررت «أوبك»، التي تمتلك 80 في المائة من احتياطات النفط التقليدي في العالم، الكلام نفسه خلال مؤتمر لقطاع الطاقة عقد في العاصمة الروسية (موسكو)، وقالت: «النفط المحكم، كما نسميه، سيكون إضافة جديدة للمعروض، لكن لن يؤثر في «أوبك»، في حقيقة الأمر سيزيد هذا الانتاج حتى عام 2018 ثم سينخفض»، مبينة أن العالم لايزال يحتاج إلى كميات أكبر من النفط من «أوبك» في المستقبل، ومن ثم لن تضار المنظمة بسبب النفط الصخري.

وهكذا، وبكل سهولة، أنهى الأمين العام لمنظمة «أوبك» عبدالله البدري، مستقبل هذه الصناعة التي تطوَّرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، والتي يتوقع لها المزيد من التطور خلال السنوات الخمس المقبلة، من دون أي دليل أو برهان، متجاهلا التأكيدات التي تشير إلى أن ما تم خلال العامين الماضيين هو بداية لثورة النفط الصخري، وأن تقنيات استخراج النفط الصخري وصناعته في تطور مذهل، وهي قابلة للتغيُّر في وقت قصير، مع تزايد اكتشافات النفط الصخري في أكثر من دولة، وبكميات كبيرة جدا تشجع على إنفاق مليارات الدولارات على تطوير تقنيات لاستخراج هذه الكميات، وبتكاليف أقل من التكلفة الحالية، البالغة ما بين 70 و80 دولاراً للبرميل، تشجع هذه البلدان على الاستغناء عن النفط التقليدي القادم من الشرق الأوسط، فهذه التقنيات التي كانت حكرا فقط على الولايات المتحدة الأميركية لم تعد كذلك، وبدأت روسيا مثلا تستعمل تقنية أخرى، وهي البخار والحرارة، بديلا لعملية تفتيت الصخور عن طريق ضخ المياه أي «التصديع المائي» المتبعة في أميركا.

وسيتبع روسيا الأرجنتين وكندا والصين ودول أخرى اكتشفت كميات كبيرة من النفط الصخري.

تغيُّر في المواقف

وبعد طول عناد ومكابرة، تبدَّل موقف «أوبك»، وبدأت تستشعر الخطر القادم من النفط الصخري، وجاء أخيراً اعترافها بأن ثورة النفط الصخري ستهدد إنتاجها.

فقد أفاد تقرير منظمة «أوبك»، الصادر منتصف الشهر الجاري، أن «أوبك» قد تخسر نحو 8 في المائة من حصتها في سوق النفط خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ تعزز طفرة النفط الصخري، ومصادر منافسة أخرى إمدادات المعروض من خارج المنظمة، وهو ما يضعف استفادة «أوبك» من زيادة الطلب العالمي على النفط.

ورغم هذا الاعتراف، فإن منظمة «أوبك» كانت أبطأ كثيرا من غيرها في الاعتراف بأثر النفط الصخري على إمدادات المعروض.

وفي تقريرها السنوي، توقعت «أوبك» تراجع الطلب العالمي على نفطها في المتوسط إلى 29.2 مليون برميل يوميا في عام 2018، منخفضا 1.1 مليون برميل يوميا عن مستواه في عام 2013.

وفي إطار سيناريو آخر لارتفاع إمدادات المعروض، تتوقع «أوبك» أن يتراجع الطلب على نفط المنظمة إلى حوالي 28 مليون برميل يوميا في عام 2018، وهو ما يقل 7.6 في المائة عن مستوى العام الحالي، ومليوني برميل يوميا عن إنتاج المنظمة حاليا.

ورغم هذا التقرير المقلق، ورغم أن طفرة النفط الصخري الأميركي ستعيد رسم ملامح تجارة النفط عالميا، حيث تضرر منتجون كبار، مثل نيجيريا والجزائر(البلدان عضوان في «أوبك»)، من هذه الطفرة وفقدتا بعض قوتهما في أكثر أسواقهما التصديرية ربحية بزيادة الإنتاج الأميركي واقترابه من إنتاج روسيا (أكبر منتج للنفط في العالم)، فإن «أوبك» لم تتحرَّك بشكل جاد لبحث الأمر، بل اكتفت فقط بالاعتراف أنها ستفقد جزءا من السوق، بسبب طفرة النفط الصخري، وعادت لتردد نغمة تراجع إنتاج النفط الصخري، لكن هذه المرة ليس في عام 2018، ولكن في عام 2020، مرجعة ذلك إلى تحديات الهبوط السريع للإنتاج من الآبار والمخاوف البيئية وارتفاع التكاليف، مشيرة إلى استحالة تكرار نجاح شركات الطاقة في استخدام النفط الصخري خارج أميركا الشمالية.

وكل هذه السيناريوهات التي افترضتها «أوبك» يتحقق عكسها على أرض الواقع، فإنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري مستمر في النمو، مخالفا التنبؤات بأنه سيبلغ ذروته ثم يتراجع، كما أن إنتاج خامات النفط وسوائل الغاز الطبيعي الأخرى فاقت التوقعات في البرازيل وروسيا.

السعودية غير قلقة

وفي ظل الغفلة التي تعيش فيها منظمة «أوبك» كان على دول الخليج، ومنها الكويت، أن تتنبه إلى هذا الأمر مبكرا، حيث لا تجد نفسها في الموقف نفسه الذي تعيشه نيجيريا والجزائر حاليا، وتفقد أسواقها أو حتى جزءا منها، وهذا ما فطنت إليه معظم هذه الدول، ما عدا الكويت.. فرغم أن المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط في العالم، ومن الممكن أن تتضرر بشدة في حال تراجع أسعار النفط، فإنها أعلنت أنها غير قلقة من ثورة النفط الصخري، بل ترحب بطفرة النفط الصخري الأميركي، وقد يرجع عدم قلق السعودية إلى أنها، ومنذ سنوات، تنتهج سياسة تنويع مصادر الدخل، وطرقت أبوابا عدة صناعات، على رأسها صناعة البتروكيماويات، حيث تتصدر حاليا منطقة الخليج في هذه الصناعة، وأصبحت من أهم الدول عالميا في هذه الصناعة، وهو ما يؤمن لها مداخيل مستقبلا قد تعوض جزءاً كبيراً من مداخيل النفط، والأمر ذاته في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد اتبعت أساليب عدة لتنويع مصادر الدخل، منها السياحة والتجارة، حتى أصبحت مركز التجارة والمال في المنطقة، وترادفت مداخيل هذه الأنشطة مع مداخليها من النفط.. أما قطر، فلن يكون التأثير كبيرا عليها، فاعتمادها الأكبر على تصدير الغاز الطبيعي الذي يجد طلبا كبيرا على مستوى العالم، أما التأثير الأكبر، فسيقع على الكويت، التي لم تسع إلى تنويع مصادر دخلها، رغم المطالبات بهذا الأمر منذ سنوات وسنوات، ورغم التحذيرات المتكررة من الاعتماد المطلق على النفط، فالكويت لم تطور أيا من صناعاتها، وفشلت فشلا كبيرا في التحول إلى المركز المالي الذي كانت تنشده، ولا تملك أي دخل غير النفط.

حقيقة واقعة

ما نود أن نؤكده هنا، هو أن النفط الصخري أصبح حقيقة وواقعاً ملموساً يجب أن نستعد له جيدا، ولن يختفي خلال السنوات الخمس المقبلة كما تدعي «أوبك»، فهو في القريب العاجل سيكون ذا تأثير كبير على أسواق النفط، وقد يهوي بالأسعار إلى مستويات ما دون الـ 100 دولار، وهو ما يهدد ميزانية الكويت بقوة، فأفضل التوقعات ذهبت إلى أن ميزانية الكويت ستحقق عجزا بحلول عام 2020، ولكن في ظل تهديد النفط الصخري لأسعار النفط من المتوقع أن يكون العجز قبل هذا التاريخ بكثير.

إن النفط الصخري أصبح واقعاً عملياً حقيقياً، حيث سجلت الولايات المتحدة أعلى زيادة لها من الغاز والنفط، لتصبح الآن أرخص دولة في إنتاج الغاز، والأرخص في أسعار الطاقة، ولم تعد الدول الصناعية الكبرى الأخرى قادرة على منافسة أميركا في الأسعار، وبدأت الولايات المتحدة في تصدير المشتقات النفطية المنتجة من النفط الصخري إلى أوروبا، وبكميات تعادل تقريبا 1.5 مليون برميل يوميا، وذلك لأن القوانين الأميركية الحالية التي تمنع تصدير النفط إلى الخارج، لكنها تسمح بتصدير المنتجات النفطية.

فقدان أسواق

إن منافسة النفط الصخري بدأت فعلا تتحقق على أرض الواقع، وبدأت بعض الدول الأفريقية تواجه مشكلة النفط الصخري، حيث استغنت عنها أميركا، ولم تعد تستورد منها، مثل أنغولا ونيجيريا وليبيا والجزائر، ومستقبلا سيطول الأمر دولا أخرى، وهذا الأمر اضطر بعض الدول الأفريقية إلى الاتجاه إلى الدول الآسيوية العالية الاستهلاك، مثل الصين والهند، لتنافس الدول الخليجية المستحوذة على الحصة الأكبر في هذه الأسواق، لعلها تجد أسواقا جديدة لنفطها، وما كان يجب أن تتنبه اليه دول الخليج، وخصوصا الكويت، هو أن ثورة النفط الصخري في أميركا ستغير مسار خريطة الطاقة العالمية خلال العقدين المقبلين، حيث إن إنتاج نفط الولايات المتحدة زاد خلال عام 2012، مقارنة بالأعوام السابقة بمقدار 7 ملايين برميل يوميا، وذلك للمرة الأولى منذ مارس عام 1993.

وعلى الرغم من اعترافنا من أن تأثر الكويت بإنتاج أميركا للنفط الصخري على المديين القريب والمتوسط سيكون ضئيلا، نظرا لاعتماد الكويت على أسواق شرق آسيا ودول الصين والهند وفيتنام وبعض الدول العربية، في حين أن الصادرات الكويتية من النفط إلى الولايات المتحدة تقدر ما بين 100 إلى 150 الف برميل يوميا، إلا أن التأثير قد يكون على المدى البعيد، نظرا لمنافسة الدول التي تأثرت بإنتاج النفط الصخري للكويت في أسواقها، كما أنه يمكن وصول النفط الصخري وإنتاجه إلى الدول الآسيوية التي هي السوق الأول للنفط الكويتي. فهل الكويت مستعدة لواقع النفط الصخري القادم وللتحولات التي ستحدث في مسار خريطة الطاقة العالمية؟!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.