
كتب محمد جاد:
ربما أثارت جائزة نوبل للآداب هذا العام الكثير من الانقسام حول الفائزة بها.. ليس بسبب الإنتاج الأدبي، ففي الكثير من الأحيان تُمنح الجائزة لأصوات أدبية كثيراً ما توصف بالعادية، إلا أن هذا العام ذهبت الجائزة إلى كاتبة من خارج مجال الأدب، فهي صحافية، وتكتب ما يمكن أن يُطلق عليه «النثر الصحافي»، الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، التي تعد أعمالها بمثابة التوثيق الصحافي للأحداث الكبرى في التاريخ.
الأمر الآخر الذي أثار اعتراضات البعض، سواء من نقاد أو قارئي الأدب، المسحة الانتقادية التي تتميَّز بها الكاتبة، فقد رأوا أن «نوبل» أرادت أن تُعلي من صوت منشق على السياسة الروسية، وهو ما يجعل الجائزة ساحة حرب أخرى، وخاصة مع تزامن صعود الصوت الروسي مرة أخرى هذه الأيام على أرض الواقع.. وأياً كان حال الكاتبة ومواقفها تجاه الاتحاد السوفييتي السابق، وآثار انحلاله إلى دويلات حائرة الهوية، فالمقياس هو ما تنتجه بالفعل.. وبما أننا في لغتنا العربية نجهل الكاتبة تماماً – الأمر أصبح اعتيادياً مع الكثير من فائزي «نوبل» – فإننا سنتعرف على إنتاجها خلال أسابيع أو أشهر قليلة بالطبع، من خلال ترجمات متسرعة تتلاحق لمواكبة السوق، وصولاً إلى ترجمات متأنية وموثوق بها، ستصل المكتبة العربية مُستقبلاً.
أشار بيان جائزة نوبل إلى الأسباب التي نالت من أجلها أليكسيفيتش جائزة آداب هذا العام.
فيصف بداية كتاباتها، بأنها تمثل «لحظة شجاعة ومعاناة في زماننا»، فالكاتبة «انشغلت طوال الأربعين عاماً الماضية بدراسة الاتحاد السوفييتي قبل الانهيار وبعده، لتقدم لنا كتابها (وقت مستعمل)، إلا أن ذلك لم يندرج تحت بند رواية الأحداث، إنما قدمت لنا تاريخاً من المشاعر، سواء في كارثة تشيرنوبيل أو الحرب السوفييتية في أفغانستان. كما لم تقتصر أعمالها على التاريخ، بل حملت شيئا ما داخليا عميقا ولمحة من السرمدية.. ففي روايتيها عن أفغانستان وكارثة تشيرنوبيل، أجرت ألكسيفيتش الآلاف من المقابلات مع الأطفال والرجال والنساء، لتقدم تاريخاً من حياة البشر ومعلومات عنهم، لم نكن نعرف عنها الكثير، تاريخاً من العواطف وتاريخاً للروح البشرية».
آفتا القرن العشرين
ترى أليكسيفيتش صاحبة أسلوب النثر الصحافي الاستقصائي، أن كل من الاشتراكية والفاشية تمثل آفة ولعنة القرن العشرين، فـ «الاشتراكية والفاشية هما فكرتا القرن العشرين. إنهما شديدتا التضليل والإغواء». فآثار كل من الفكرتين هما الشغل الشاغل للكاتبة، هذه الآثار التي لم تنتهِ حتى الآن، فترى كونها آتية من عالم اشتراكي، وإن اختلط بالفاشية أننا «نحن كأُناس قادمين من الاشتراكية لا يمكن مقارنتنا بالناس القادمين من الغرب. لدينا أفكارنا الخاصة عن الخير والشر، عن الأبطال والضحايا، لكن ليس هذا الاختلاف بمعنى التنوُّع، بل التمايز، لأننا نمتلئ بالكراهية والتحامل».
يأتي هذا الكلام، في الوقت الذي يتم فيه استدعاء أفكار ومقولات ماركس والفكر اليساري في الغرب نفسه، والوقوف أمام أفعال الرأسمالية وتداعياتها، كما حدث في احتجاجات اليونان، وقبلها ما حدث في وول ستريت، من خلال الحركة المناهضة لمدينة المال (احتلوا وول ستريت).
قدَّمت سفيتلانا أليكسيفيتش عملها الأول (وجه غير أنثوي للحرب) في عام 1985، واعتمدت فيه على مقابلات ورؤى العديد من نساء شاركن في الحرب العالمية الثانية، فالحِس التوثيقي لرسم صورة شبه شاملة لحدث ما، هو الأسلوب الذي اعتمدته الكاتبة بعد ذلك في كل أعمالها.
وتُرجع تفضيلها لهذا الأسلوب قائلة «اخترت هذا النوع التعبيري الذي تعبر فيه الأصوات البشرية عن نفسها». هنا يبدو أن شخصية الكاتبة تختفي وراء هذه الأصوات، وتظهر من خلال الفكرة الكلية للعمل.
صخب الأصوات العادية
من منظور أليكسيفيتش هذا، وإعطاء المساحة للأصوات الخافتة، مجرد بشر عاديين يعانون، لا يذكرهم ولا يستدعيهم أحد، يصبح صوتهم هو الأعلى، في ظل سياسة إعلامية مُجحفة ومتواطئة على الدوام مع السلطة السياسية. هؤلاء الضحايا يتكلمون الآن عبر قلمها، نساء ورجالا وأطفالا. كما في مؤلفاتها (تاريخ شفاهي للكارثة النووية)، (أصوات من تشيرنوبل)، كذلك في عملها (أولاد الزنك)، وهو عبارة عن شهادات مباشرة من أجواء الحرب السوفييتية الأفغانية.
وتقول عن كتابها الأخير (وقتٌ مُستعمَل.. زوال الإنسان الأحمر):
«لا أسأل الناس عن الاشتراكية، إنما أسألهم عن الحب والغيرة والطفولة والشيخوخة، الرقص والموسيقى وتسريحات الشعر.. جميعها تفاصيل نثرية، لا تعد ولا تحصى، من طريقة حياة لا حياة فيها. هذه هي الطريقة الوحيدة لملاحقة كارثة في إطار الدنيوية ورواية قصة».
ويضم الكتاب مقابلات مع أشخاص من جميع أنحاء روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في محاولة لمعرفة الجو النفسي بعد هذه الأحداث، شعور الشخص حينما يفقد هويته ويجد نفسه في بلد لا يستطيع التعرف عليه، فهي رواية بمثابة مسح تاريخي صغير لروسيا في النصف الثاني من القرن العشرين، وصولا إلى سنوات فلاديمير بوتين.
بيبلوغرافيا:
وُلدت الكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش عام 1948 بمدينة إيفانو- فرانكيفسك من أب بيلاروسي وأم أوكرانية.
وانتقلت عائلتها إلى بيلاروسيا، بعد أن أكمل والدها خدمته العسكرية. درست ألكسيفيتش الصحافة في جامعة منسك في الفترة بين 1967 إلى 1972، وعملت صحافية لعدة سنوات، وكتبت العديد من القصص القصيرة والمقالات والتحقيقات.
المؤلفات:
من مؤلفاتها باللغة الروسية: مسحور بالموت عام 1994، الشاهد الأخير عام 2004، وقت مستعمل عام 2013.
ومن أعمالها المترجمة للإنكليزية: تاريخ شفاهي للكارثة النووية عام 1986، وجه غير أنثوي للحرب عام 1987، أولاد في الزنك 1992، أصوات من تشيرنوبل عام 2005. كما حُوّلت بعض أعمالها إلى عروض مسرحية على المسارح الفرنسية والألمانية.
الجوائز:
جائزة نقد الكتاب الوطني عام 2005، جائزة هيردر عام 1999، جائزة ميديسي الفرنسية عام 2013، جائزة السلام بمعرض فرانكفورت للكتاب في العام نفسه. وتعد الكاتبة الـ 14 في تسلسل الحائزات جائزة نوبل للآداب في تاريخ الجائزة، التي تأسست عام 1901.