
محمد الغربللي:
بالعودة مرة أخرى إلى موضوع الغلاء في الكويت، الذي يمسُّ حياة المواطن اليومية، وبصورة مستمرة، من دون توقف، يمكن القول إن هناك أسبابا خارجة عن إرادة الحكومة أو البلد، مع إمكانية وضع حلول مؤقتة، علَّها تخفف من وطأة هذه المشكلة، وتحد من ارتفاع الأسعار.
فمثلا كانت شاحنات المواد الغذائية والخضار تأتي من سوريا في السابق، قبل الحرب الدائرة هناك، إلا أن هذا الأمر توقف منذ سنوات، ولم تعد هناك منتجات مصدرة منها.. وكانت تأتي منتجات مماثلة من لبنان، عن طريق سوريا. ونظراً لإغلاق المناطق الحدودية والممرات البرية بين البلدين، أصبح شحن المنتجات الغذائية يتم عن طريق البحر، من لبنان إلى السعودية، ويتم تفريغها هناك بشاحنات، لتعبر عن طريق البر أيضا، وفي ذلك زيادة كبيرة في أجور الشحن، يتحمَّلها في النهاية المصدر، ويؤدي ذلك بالطبع إلى ارتفاع الأسعار.. ليس على المستهلك العادي فقط، بل تشمل أيضا الأنشطة ذات العلاقة بالمنتجات الغذائية، مثل المطاعم وشركات إعداد الأغذية، وغيرها من الأنشطة المماثلة.
مسؤولية حكومية
هذه التعقيدات قد تكون خارجة عن الإرادة، لكن هناك حكومات تتحسَّب لمثل هذه الظروف، وتعمل على تقليل النتائج الناجمة عن مثل هذه الارتفاعات في الأسعار.. هي حكومات دول قادرة على التفكير والتحليل واتخاذ القرارات المناسبة، مع امتلاك الأدوات اللازمة لتنفيذها.. فضبط الأسعار مسؤولية حكومية بامتياز.. وبحكم مسؤوليتها هذه، يفترض أن تخدم شعبها، لا أن تتزين بعباءات مذهبة وروائح عطرة.. مثل هذه الحكومات لا نجدها إلا في دولنا، ومنها دولتنا، التي لا تخرج عن إطار هذه الصورة.
أحيانا يأتي اتجاه معاكس تماما لذلك، عندما تترك الحكومة الحبل على الغارب، وتسدل جفونها متثائبة طوال ساعات اليوم.. ومن الطبيعي، أن ينتج عن ذلك استمرار في ارتفاع الأسعار، من دون قرار، ومن دون أن تكون هناك دراسات، والأدهى والأمرُّ، أن تأتي أحداث داخلية من شأنها زيادة الأسعار، علاوة على زيادتها، من جراء عوامل خارجية، كما هو حاصل في ميناء الشويخ.
حادثة الميناء
لقد ساهم ميناء الشويخ، حيث يتم تنزيل المواد الاستهلاكية والغذائية، في زيادة الأسعار.. وبداية الحكاية، هي اكتشاف تهريب أو خروج شاحنة قادمة من الخارج لم يتم تفتيشها، ويُقال إن فيها ممنوعات، وهذا ما غطته صحيفة «الراي» في أحد أعدادها منذ أيام.. فأين اختفت الشاحنة؟ لا أحد يعلم!.. كيف خرجت من دون تفتيش؟ أيضا لا أحد يعلم!.. لكن هذه الحادثة أدَّت إلى زيادة التفتيش الدقيق من قِبل جمارك الميناء، وهذا ما أدى بدوره إلى حدوث فترة انتظار طويلة.
في السابق قبل هذه الحادثة كانت عملية التفتيش تتم لعدد يفوق الألف شحنة يوميا.. وبعد الحادث، لم يعد يتجاوز التفتيش الثلاثمائة شحنة.. وهذا أدى إلى إطالة فترة الانتظار، وهنا أتى دور الميناء، الذي يتعامل بشكل منفصل عن الجمارك.. فجراء توقف الشاحنات، انتظاراً لعملية التفتيش، فُرضت غرامات انتظار (أرضية)، وصلت مبالغها إلى سبعين ألف دينار على شركات، وشركات أخرى وصلت الغرامات بحقها إلى 130 ألف دينار، كما أدى ذلك التأخير في التفتيش إلى إطالة أمد فترة انتظار البواخر، لتفريغ حمولاتها، ما رفع رسوم الشحن الخاصة بالشركات المالكة للبواخر، ولا يزال الموضوع مستمراً حتى يومنا هذا، من دون حل، وربما من دون معرفة أو دراية من قِبل الجهات الحكومية المعنية، ممثلة بوزارة المالية المشرفة على الجمارك، أو الجهة التي تدير شؤون الميناء «السكراب».
مجرَّد شعار
منذ أيام، بحث مجلس الوزراء موضوع الغلاء وإمكانية مواجهته. في الحقيقة، لا نعلم شكل المناقشات التي دارت في هذا الاجتماع.. وبالاعتقاد أنها لا تبتعد عن نقاش أي ديوانية في إحدى المناطق.. كما لا نعلم ما القرارات التي اتخذت.. وباليقين أن أغلب أو جميع الوزراء لا يعلمون بما يدور في مؤسسة مثل الموانئ أو جمارك الكويت، اللتين قامتا بزيادة الرسوم بطريقة غير معقولة.
من الجلي إذن، أنها حكومة مسؤولة عن نفسها، وليست عن الشعب.. كما أنها غير محل مساءلة أو مراقبة، في ظل هذا البرلمان المصطنع التابع للسلطة التنفيذية عمليا.. السلطتان مكتفيتان بشعار تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، من دون العمل جديا على تطبيقه.. هكذا يُدار البلد، وينحدر من سيئ إلى أسوأ في المستقبل.. فبدلاً من معالجة المشاكل الطارئة، تُمعن الحكومة في زيادة حدتها.. فهكذا هو أداؤها وتصرفاتها عمليا.
