أحمد الجاسم : يقولون إننا «متخلفون»!

أحمد الجاسم
أحمد الجاسم

يتناقل المثقفون العرب والمتكلمون في المجالس الشعبية «أننا أمة متخلفة، لا تعرف التعايش، أو التسامح، ولا تحترم القانون، أو تلتزم بالنظام، فجميعنا طائفيون وعنصريون، فالعرب أمة غير منتجة، وجماعة لا تحب العمل، والالتزام، فنحن شعوب لا تصلح لنا الديمقراطية والحرية، إلا العصا، هي الأجدى في إصلاحنا وتقويمنا، ولقد حاول الاستعمار الأجنبي تحديثنا، لكنه – يا حرام – فشل! وقد حاولت أميركا، بطائراتها وصواريخها وقنابلها، التي نزلت على رؤوس الأبرياء في أفغانستان والعراق، أن تعلمنا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ومع ذلك المسكينة فشلت».

وهؤلاء ينتهزون كل مصيبة تقع، حتى يؤكدوا لنا فرضيتهم المهترئة وأحكامهم التعميمية غير الدقيقة، التي تتنقد النتائج، وتتجاهل المسببات، فعندما هبَّت رياح الثورات العربية في سنواتها الأخيرة، وقد أبهرهم الشباب التونسي والمصري واليمني والسوري والبحريني في حُسن تنظيمه، وسلميته ورُقيه أمام همجية السلطة، قالوا «إن الربيع العربي مؤامرة»، وعندما انحرفت بعض الثورات (نتيجة ظروف معينة وتدخلات خارجية، عربية وغربية وإسلامية) إلى جماعات مسلحة، وتيارات دينية متطرفة تذبح وتدمر وتغتصب وتسبي، قالوا «أرأيتم؟ ألم نقل لكم، إننا أمة متخلفة، ظلامية، عصية على التطور والتحديث؟!».

وكأن التخلف والتطرف والجهل مطبوعة في مجتمعاتنا العربية من الأصل، وليست وليدة ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، من استبداد واستعمار، واستغلال وقمع كرَّس هذه التوجهات فينا، وقسمنا إلى طوائف وملل ونحل، وحتى فاجعة الحجاج الأخيرة، التي راح ضحيتها مئات الشهداء والمصابين في مشعر منى، يتم تعليقها على شماعة «تخلفنا وجهلنا»، من دون تحميل المسؤولين عن إدارة موسم الحج أي مسؤولية، أو حتى يكرموننا بصمتهم، حتى تظهر نتائج التحقيق.

فبعضهم يقارن، مثلاً، بين سلوك الحجاج، واحتفال البيرة المنظم في ألمانيا، الذي يحضره الملايين من السكرجية، من دون أي احترام لمشاعر المسلمين، والمقارنة من الأساس لا تصح.

إن أمة وحضارة أنجبت ابن رشد والمتنبي والمعري والخوارزمي والرازي والفارابي وابن سينا، وجبران خليل جبران وعابد الجابري وهادي العلوي وإدوارد سعيد، وجورج جرداق وعبدالرحمن منيف وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والسنباطي، حاشا أن تكون أمة متخلفة من الأصل، كما يدعون. فجميع الشعوب في العالم مرَّت بتجارب ومحطات ظلامية ومتخلفة ودموية، فهذه أوروبا المتقدمة اليوم كانت سابقاً ترزح تحت الظلام والتخلف والشعوذة والحروب الدينية، وكذلك أميركا، التي هي اليوم قِبلة دعاة «الحرية والإنسانية» لها تاريخ دموي مروع، فقد أبادت الملايين من الهنود الحُمر، فضلاً عن الدمار الذي أحدثته في اليابان، بسبب استخدامها للأسلحة المحرَّمة، كالقنبلة النووية، وأيضاً جرائم محاكم التفتيش في إسبانيا.

إن أي نقد لاذع يُصب على المجتمع من دون أن يمس الحكومات التي كرَّست ورعت هذا التخلف والفساد والفُرقة والظلم والتطرف، هو تواطؤ مع الجاني ضد المجني عليه.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.