كتب محرر الشؤون العربية:
بعد مرور عام على توليه منصبه، يواجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحديات جمَّة، تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد العراقي المضطرب، سياسياً وأمنياً، في ظل سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء واسعة من البلاد.
ويحاول العبادي، بعدما قفز من خلف صفوف «حزب الدعوة»، بزعامة سلفه نوري المالكي (الذي تنحى مرغماً عن طموحه بولاية رئاسية ثالثة)، معالجة ما خلفه الأخير من أزمة اقتصادية وأمنية، عبر إطلاق حزم إصلاحات واسعة، لإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، لكن كل إجراءات العبادي في ما يتعلق بتحجيم الرؤوس الكبيرة أو مكافحة الفساد لا تزال تراوح مكانها، بتدخلات واضحة من المالكي، المدعوم من إيران.
وكانت مدونات عراقية تحدثت عن مشادة كلامية حادة حدثت بين العبادي وقائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، خلال اجتماع للهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي اقتحمه سليماني، من دون إذن، الأمر الذي أغضب العبادي، ودفعه إلى سؤاله عن صفته التي أتاحت له حضور الاجتماع. ومنذ الأشهر الأولى لتسلم العبادي رئاسة الحكومة، بدا أن ثقة طهران فيه أقل كثيرا من ثقتها بالمالكي، حتى إن الدوائر السياسية والدينية الأكثر تشدداً في إيران وصفت العبادي برجل أميركا في العراق، بعد تصريح له، طالب فيه جميع دول الجوار، بلا استثناء، باحترام سيادة بلاده.
كما لم تخفِ الدوائر ذاتها توجسها من إظهار العبادي نيته إصلاح علاقات بلاده بمحيطها العربي، بعد أن وصلت مستوى خطراً من التردي في عهد سلفه المالكي. وبدأت خلافات العبادي مع سلفه وزعيم حزبه، حزب الدعوة الإسلامية، تُلقي بظلال من الشك على مستقبل الحزب، الذي يتصدر مشهد العملية السياسية في العراق، بكل عيوبها ومساوئها.
الصِدام مع سليماني
وترصد مجموعة الشرق الاستشارية (ميدل إيست بريفينغ) وقائع تبرز مدى الخلاف بين الجبهة العراقية العبادي/ السيستاني، والجبهة الإيرانية سليماني/ خامنئي، ومعهما نوري المالكي، من بين تلك الوقائع التي تستحضرها المجموعة، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، تعود إلى منتصف أغسطس الماضي، عندما طلب العبادي من هيئة الميناء الجوي في بغداد إخضاع الإيرانيين الذين يستخدمون الميناء للقوانين العراقية.
وقبل صدور هذه التعليمات، كان الحرس الثوري الإيراني يعمل في ظل بروتوكول يسمح بوصول شحنات الأسلحة الإيرانية إلى بغداد. وهذه الشحنات معفاة من عمليات التفتيش العادية، ويتم تحميلها.. إما على الطائرات العراقية التي تستأنف رحلاتها إلى دمشق، وإما على متن شاحنات، ليتم تقديمها إلى قوات الحشد الشعبي الموالية لطهران.
وفي 15 أغسطس الماضي، تقريبا، تم تطويق طائرة إيرانية بشكل مباغت من جانب موظفين عراقيين في ميناء بغداد الجوي، وطالب الموظفون بتفتيش الحاويات التي كان يتم تفريغها، ورفض الطاقم الإيراني وغيره من الأشخاص الذين رافقوا البضائع فتح الحاويات.
وسرعان ما وصل ممثلون عن السفارة الإيرانية والحرس الثوري إلى المكان، للمطالبة بالإبقاء على الحاوية مغلقة، وانتهت المشادات الكلامية بفتح الحاويات، لكن تعليمات من سلطة حكومية مجهولة أنهت التفتيش على عجل، وتم غلق الحاويات مرة أخرى، وتحميلها إلى وجهتها المقصودة.
الحادث الثاني، أهم بكثير، إذ نقلت مجموعة الشرق الاستشارية تفاصيل للمشادة الكلامة بين العبادي وسليماني، التي جرت بعد أيام قليلة من عودة المالكي إلى بغداد، بعد زيارة إلى إيران استغرقت خمسة أيام، يُقال إن المالكي تلقى خلالها تأكيدات إيرانية ثابتة، بأن إصلاحات العبادي لن تعيد النظر في قضايا الفساد المتهم بها، حيث تشير المجموعة إلى أن سليماني توجه بحديثه إلى العبادي، قائلاً له إن الإصلاحات التي يريد تنفيذها ستؤدي إلى نتيجة واحدة، هي: إضعاف الشيعة في العراق، وخدمة أولئك الذين يريدون الإساءة للبلاد. وتساءل سليماني بحدة «كيف تهدد أبوإسراء (نوري المالكي)؟ ماذا فعل غير محاربة أعدائنا؟»، وعندما صمت سليماني، قال العبادي: «حسنا.. الإصلاحات التي قمت بتمريرها ليست سوى جولة أولى. ستكون هناك ثانية وثالثة ورابعة. هذا ما يريده الشعب العراقي. وهذا ما يريده المرجع الديني الأعلى علي السيستاني. لا أنت، ولا أنا ولا أي شخص آخر يحق له إيقاف ذلك. وجودك في هذه القاعة لا مبرر له على الإطلاق. إن كنت أتيت لتبلغني بهذه الرسالة، فقد أتممت ذلك فعلا، وسمعت جوابي. ويكفي أن أقول للجميع هنا إن الشعب العراقي والمرجع الديني يريدونني أن أغادر التحالف الوطني وحزب الدعوة. في الحقيقة، أنا على استعداد للقيام بذلك. وأنا على استعداد للتخلي عن العضوية في الحزب والكتلة، مقابل عدم فقدان ثقة الناس والمرجع الأعلى.. هذه رسالتي إليك وإلى جميع الحاضرين هنا».
هل يطيح الجنرال بالعبادي؟
تقرير المجموعة الاستشارية يشير أيضا إلى أنه لم يعلق أحد على الحوار الذي دار، ما عدا ممثل التيار الصدري أمير الكناني، الذي قال للعبادي: «يجب عليك الاستمرار في إصلاحاتك. ونحن سندعمك. وبالنسبة إلى أولئك الذين تم اتهامهم بالفساد، ستقول العدالة كلمتها في حقهم».