محمد السنان : الحرية المقترنة بالوعي

مراقبفي مقالي هذا، لن أرتدي ثوب شخصية رجل دين ينظر إلى جحيم الوطن العربي، ويرى تداخل الأحداث، ويأمر بالركود و«الركوع»، ولن أبسط ذراعي وأترك قضايا إنقاذ الوضع الدامي، وأدعو إلى «جلد قناة العربية»، أو أستخدم موهبتي الشعرية، لأتغزل في الملوك، كما أنني لن أتقمَّص شخصية ثقيلة على الحنجرة، وأعلق البسطاء بين ناريَّ التنكيل؛ فأمنع استقبالهم في الأوطان العربية، وأقذفهم إلى ديار «الكفر»، إن مالَ مؤشرهم هجرةً إلى أوروبا، فأنا لست من هواة الاحتكار، وأكره التجار، بكل أنواعهم حقاً، وأحبذ الحرية جداً، لكنني سأتساءل، وأتحدث عن الحرية ومحاسنها.

لماذا لا تستطيع أمتنا تحدي الأمم الأخرى، وتؤسس لها كيانا موازيا أو متقدما؟ هل القدر هو الذي جعل المسلمين يعيشون واقعا متخلفا، يستمد تطوره ونموه من تبعيته للغرب؟ أم أن التخلف خيار ذاتي كرَّسه الاستبداد والجهل وغياب الحوار الداخلي؟

لاشك أن هذا التساؤل يوجه للإنسان ذاته أولا، ومن ثم للمجتمع أو الأمة، لأن الإنسان هو المسؤول عن تشكيل المجتمع، عقلاً وثقافةً ووعياً، فإذا فقد القدرة على إنتاج ذاته، في إطار المسؤولية الاجتماعية العامة، فإن المجتمع يفقد مبررات النمو والتقدم، ويبقى عاجزاً بعجز الفرد عن استثمار طاقاته ومواهبه الروحية والعقلية، ويتحول بالتالي إلى كائن سلبي يائس مدمر الهوية بلا هدف.

هنا يتوقف الإنسان والمجتمع عن تأثيره في صناعة التاريخ المتقدم والمتطور، ويبقى وجودهما هامشيا خلف كواليس التاريخ، وعندما يموت الإنسان، عقلا وروحا، ويصبح مجرَّد كائن مادي جامد، فإن هذا يعني أن المجتمع قد فقد الإنسان المعنى والجوهر الذي يغذيه بالحركة والدافع والطاقة، فالحياة الحقيقية للإنسان هي حياة العقل والروح والفكر، وموته في وجوده المادي المجرد.

وهنا نصل إلى حقيقة أساسية تقودنا للدخول في بحثنا المحوري، وهي أن وجود الإنسان قائم، بعقله وفكره وروحه، والعقل غير قادر على تحقيق غايته، إن كان مكبَّلا، والروح لا تعيش، ما دامت مقيدة، والفكر لا يجري، إذا ما كان مسجونا في أقبية الممنوع.

إن الحرية هي أساس وجود الإنسان، وعندما تُستباح وتدمر كرامة الإنسان يفقد المجتمع القدرة على تحقيق تكامله الوظائفي، وتختل حركته العضوية، ويسيطر عليه الشلل في مختلف جوانبه، لأن الارتباط العضوي قوي وعميق في البنية الاجتماعية، فإذا اختلت إحدى الوظائف عن أداء دورها العضوي، أصيبت بقية الفعاليات بالشلل، وتوقف الدور التكاملي والبنائي للمجتمع.

وتمثل الحرية الروح والعقل والقلب الذي ينظم حركات المجتمع وأدواته، ومن دون الحرية، تفشل الأعضاء في التناسق والتنظيم والتكامل، وهذا ما يسمى بـ «الحالة المرضية».

ويرى الباحث في العلوم السياسية موريس ديفرجيه، أن حرية الفكر والتعبير، هي ثمرة أساسية لكل تطور اقتصادي وتقدم اجتماعي، فالحد من حرية الفكر يعني تشويه التربية العقلية للأجيال الناشئة بمعناها العميق، الذي هو الحرية، وهذا يعني أن مستوى التعليم والتربية العقلية لدى مجموعة أبناء الشعب سيهبط ويفسد، وإذا ما عرفنا بالبديهية التي تقول إن مستوى التقدم العلمي والثقافي في بلد ما، إنما يتعلق بمستوى الجهاز العلمي والتقني لأبناء البلاد، فإننا نستخلص بالضرورة، أن هبوط مستوى التربية والتعليم سيقود إلى تأخر في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولإثبات دور الحرية الجوهري في حركة الإنسان في الحياة والتاريخ والحضارة، فإننا نجد أن الحرية أصبحت الحقيقة التي تستند إليها معظم المبادئ والأديان في صراعها الأيديولوجي والفكري والعقائدي في معاركها الحقيقية والحقوقية، باعتبار أن الحياة الواقعية، هي وجود كريم للإنسان ينال فيها حقوقه، من دون إكراه أو إجبار قاسر.

ويختصر علي القول رد الزميل أنور الفكر على أحدهم، القائل «الحرية هي الاستمرارية، فالحرية هي استمرار الأمن والعلاج والخبز لذلك فتعلموا وعلموا أبناءكم الحرية المقترنة بالوعي».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.