
كتب محرر الشؤون الدولية:
تجاهلت روسيا «حملة ترويجية» نفذتها أخيرا دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) للزحف نحو شرق أوروبا، وفتح خمسة مقار جديدة للحلف هناك، بقيادة واشنطن، وبعثت برسائل مضادة، مفادها إصرار موسكو على موقفها، الداعي إلى مشاركة الرئيس بشار الأسد في الفترة الانتقالية، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية.
التصرف الروسي المضاد حمل عددا من المؤشرات المقلقة، تعززت بانتشار أنباء عن قتال الجنود الروس، وبأعداد كبيرة، إلى جانب الأسد، فضلا عن إرسال موسكو تعزيزات عسكرية «نوعية»، ما يشكّل حلفا «قائما بذاته» يجمع روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، يقاتل مجتمعا لدحر «داعش» وإبقاء الأسد.
المراقبون الذين كانوا قد أبدوا تفاؤلا بنتائج المباحثات التي خاضها، في يونيو الماضي، وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وبرز خلالها انطباع، بأن تحالف «دمشق ـ موسكو» على وشك التفكك، بعدما تتالت هزائم الجيش السوري، وظهور بوادر اتفاق حول «إزاحة الأسد»، وفسح المجال أمام حل سياسي للأزمة، عادوا إلى تشاؤمهم، إثر تصريحات أخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد فيها عزمه استعادة السيطرة على الملف السوري، من خلال خطة موجَّهة للخروج من العزلة النسبية التي غرق فيها منذ تدخله العسكري في أوكرانيا، تهدف إلى بناء تحالف مناهض لـ «داعش» ـ كبديل للتحالف الذي تقوده أميركا- بمشاركة دمشق وطهران.
معارضة «بناءة»
حديث بوتين الأخير، الذي جدَّد فيه استعداد نظيره السوري لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة واقتسام السلطة مع معارضة «بناءة»، مطالبا في الوقت ذاته بإنشاء تحالف يضم النظام السوري للتصدي لـ «داعش»، يعكس تمسكه ببقاء الأسد، وإشرافه على الفترة الانتقالية في سوريا، الأمر الذي ترفضه السعودية والولايات المتحدة بشدة.
وتريد موسكو في هذه المرحلة قيام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وينفذ ضربات جوية ضد مواقع «داعش»، بالتنسيق ميدانيا في عملياته مع الجيشين السوري والعراقي، ومع الأكراد والجماعات المعارضة للأسد، والتي توصف بأنها معتدلة.
ويرى خبراء أن مبادرة بوتين حول الإرهاب ليست إلا محاولة لإضفاء شرعية على الأسد، الأمر الذي لا يلقى صدى لدى المعارضة السورية، أو لدى القوى الإقليمية الداعمة لها.
وقد فشلت اتصالات دبلوماسية مكثفة في الآونة الأخيرة في تحقيق انفراجة بشأن نقاط الخلاف الرئيسة في الصراع.
وفي ظل إشارة تقارير صحافية عدة لعرض بوتين مشروعه على السعودية والأردن، خلال لقائه الأخير بالملك الأردني عبدالله الثاني وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أنه لم يلقَ حتى الآن صدى كبيرا، إذ لا يزال أمرا غير مقبول بالنسبة للرياض وعمان مشاركة الأسد في مقاتلة «داعش»، على الرغم من أن التنظيم الإرهابي يشكل تهديدا كبيرا البلدين.
لكن، لا يبدو أن ذلك ثبط همة الكرملين، إذ تحث الصور والفيديوهات التي ظهرت أخيرا على الإنترنت على التفكير، على أن روسيا قررت رفع مساعدتها العسكرية لسوريا.
انسداد الأفق الدبلوماسي
في هذا السياق، أكد عدد من المراقبين والخبراء، أنه في الوقت الذي تهيمن فيه أخبار السوريين الفارين من بلادهم على نشرات الأخبار خلال هذه الفترة، فإن المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى وقف الصراع في البلاد لم تحقق أي نجاح يذكر، ويتزامن هذا الفشل الدبلوماسي مع تصعيد متواتر للتصريحات بين موسكو وواشنطن حول تسليح روسي متواصل لقوات الأسد.
وعزز الفشل الكبير غير الملحوظ وجهة نظر خبراء في الشأن السوري، إذ يعتقد مراقبون أنه لا حل يلوح في الأفق مع وجود واحدة من أكبر العقبات التي لا يمكن على ما يبدو تجاوزها وتتعلق بمستقبل الأسد.
أوروبا منقسمة
في غضون ذلك، بدت دول الاتحاد الأوروبي منقسمة حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد، ومدى مشاركته في المرحلة الانتقالية، التي تسعى الدول الكبرى إلى التوصل إلى صيغة توافقية حولها، وقبل ذلك دوره المستقبلي في قتال «داعش».
المعسكر الذي يضم بريطانيا وفرنسا، اللتين قامتا بأول أعمال عسكرية ضد «داعش»، أخيرا، يبدو متشددا، في ضرورة استبعاد الأسد من أي تسوية مستقبلية، فيما تتفق دول، كإسبانيا والنمسا، البلدان الأوروبيان اللذان مازالا يحافظان على تمثيلهما الدبلوماسي في دمشق، مع وجهة النظر الروسية بضرورة التفاوض مع الرئيس السوري، كأحد الفاعلين في الحرب الدائرة منذ أربعة أعوام.