«الطليعة» تنشر الظروف التاريخية التي أحاطت بتأسيسه والمؤثرات التي رافقت تلك الحقبة (الحلقة الأولى): مجلس الشورى 1921.. كيف بدأ وإلى أين انتهى؟

الكويت قديماً
الكويت قديماً

دراسة: علي حسين العوضي
لم تحظَ تجربة مجلس الشورى في الكويت لعام 1921 بدراسات تاريخية مستفيضة، على الرغم من أهميتها الكبرى في التاريخ السياسي المعاصر في الكويت، من حيث دلالتها الأكيدة على وجود اتجاهات شعبية للمشاركة في الحكم واتخاذ القرار، عندما أخذ نمط الانفراد بالسلطة يشق طريقه.

هذه التجربة، أو «الحركة الإصلاحية»، كما أطلق البعض عليها، وإن كنا لا نتفق مع هذا الوصف، لعدم دقته، أحاطتها العديد من الظروف والمؤثرات الداخلية والخارجية، أفضت في نهاية المطاف، وفق توازنات اجتماعية محددة، إلى الصيغة «المشوّهة» التي خرجت عليها، فتوقفت مسيرتها مبكراً، وحالفها الفشل السريع والذريع.

و«الطليعة» تنشر على حلقتين الظروف التاريخية التي أحاطت بتأسيس مجلس الشورى، والمؤثرات التي رافقت تلك الحقبة، والعوامل الموضوعية التي أدَّت إلى انهياره سريعاً.

أحمد الجابر
أحمد الجابر

قام الحُكم في الكويت على نظام مبسط غير معقد للشورى واتخاذ القرار، وهو ما اتضح في اختيار الكويتيين للشيخ صباح الأول حاكماً لهم عام 1752، فأتاح هذا النظام له استطلاع رأي العامة، خصوصاً وجهاء البلد وتجارها، في مختلف المسائل والقضايا التي مرَّت بها البلاد.

وفي ظل مجتمع صغير، لم تتوسع علاقاته أو تتشابك، جمع الحاكم بين يديه السلطتين التنفيذية والقضائية.. أما في ما يتعلق بالسلطة التشريعية، فلم يكن لها أثر واضح، باعتبار أن العرف والشريعة الإسلامية هما المصدران الوحيدان للتشريع حينها، لذلك يمكن إطلاق تعبير «نظام الحكم المشترك»، كتوصيف لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي العام، حيث خضع اختيار الحكام وتثبيت شرعيتهم إلى نوع من الموافقة المجتمعية والإجماع الشعبي.

يُضاف إلى ذلك، اعتماد المجتمع الكويتي على نشاط اقتصادي ونمط إنتاجي مرتبط بصورة مباشرة بالبحر، حيث كان النشاط الأساسي هو الغوص على اللؤلؤ، وما دار في محيطه من أعمال، كالبحارة ومُلاك السفن وتجار اللؤلؤ وبناة السفن وتكوينات اجتماعية ارتبطت بها، وأدى ذلك إلى بروز دور فئتين، هما: تجار اللؤلؤ ومُلاك السفن، فزاد نفوذهما السياسي، لما يملكان من قوة اقتصادية تقدم الدعم المالي للحاكم ومؤسسته السياسية التقليدية البسيطة، ما جعلهما، ونقصد الحاكم والفئة التجارية، شريكين أساسيين في الإدارة.

استمر هذا النمط سائداً، «الصباح يحكمون والأهالي يستشارون في كل صغيرة وكبيرة، ولم تكن هناك تعقيدات أو صعوبات»، إلى أن تولى الشيخ مبارك الصباح الإمارة في مايو 1896.

تفرَّد الشيخ مبارك الصباح بانتهاج سياسات من دون أي استشارة، واستقل برأيه عن الناس ، كما عقد اتفاقية الحماية مع بريطانيا عام 1899، تثبيتاً لنظام الحكم، وضماناً لاستقلال البلاد وحماية لحدودها، فقد اعتبر البريطانيون أن الكويت في ظل هذه الاتفاقية دولة محمية، مع الاعتراف بوضعيتها شبه المستقلة، ثم أمر بزيادة الضرائب، ومنع الذهاب إلى الغوص في أحد المواسم، لتأمين توفير المال والجنود للمعارك الحربية، التي خاضها في فترة حكمه، وفق تحالفات فرضتها تطورات الأوضاع، كمعركة «الصريف» في 7 مارس 1901، و«جو لبن» في 18 أبريل 1903، و«هدية» في 16 مارس 1910، فقد كان له طموح كبير لفرض سيطرته وقوته على المنطقة، وكان «يعدّ نفسه والكويتيين لأمر أعظم وأكبر حالت المقادير دون الوصول إليه».

ولّدت هذه الاتجاهات معارضة شعبية، فبدأت هجرة بعض المثقفين والسياسيين بعد توقيع اتفاقية الحماية، وشهد عام 1910 هجرة تجار اللؤلؤ، والمجاهرة بالعداء للإنكليز، إلا أن الحاكم تراجع عن موقفه، بعدما أدرك خطأ قراره وعدم صحته، فبعث بابنه الشيخ سالم إلى التجار المهاجرين، طالباً منهم العودة، ومقدماً لهم اعتذاره.
بعد وفاة الشيخ مبارك الصباح في 28 نوفمبر 1915، أتى بعده الشيخ جابر المبارك، الذي لم تستمر فترة حكمه سوى سنة وشهرين، ليخلفه أخوه الشيخ سالم المبارك، الذي حكم الكويت خلال الفترة من 5 فبراير 1917 إلى 22 فبراير 1921، وخاضت الكويت في عهده معركتي «حمض» في مايو 1920، و«الجهراء» في أكتوبر 1920، لصد هجوم «الإخوان»، وكانت هذه المعارك ذات إطار دفاعي، للحفاظ على كيان البلد ووجوده.

الفكرة والعريضة

في هذه الفترة، كان الوطن العربي مسرحاً للثورات الإصلاحية التي تأثر الكويتيون بها، ومن أهمها الثورة العربية الكبري (1918-1916)، التي قادها الشريف حسين ضد الدولة العثمانية، ثم الحركة الاحتجاجية الشعبية في مصر

(1922-1919)، التي عرفت بثورة سعد زغلول، وثورة 1920 في العراق، والحركة الإصلاحية في البحرين 1921 وغيرها، وكانت هذه الثورات والحركات والاحتجاجات موجهة أساساً ضد سلطات الاحتلال البريطاني، ومطالبة بالمشاركة الشعبية.

أما في الكويت، فقد تنامى الوعي السياسي، نتيجة انعكاس المؤثرات الخارجية، وانتشار فكرة القومية، إضافة إلى سوء الإدارة وبروز الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة، فأصبحت الحاجة ملحة لإجراء نوع من التغيير الجذري في طبيعة النظام الموجود، من خلال تحقيق مشاركة شعبية توفر الاستقرار وتمنع التفرد بالحكم، فأخذت بعض الفئات الاجتماعية المتنفذة التي كوَّنت لها ثروة مقبولة من التجارة والغوص على اللؤلؤ على عاتقها البحث عن مبادرة.

ففي مطلع عام 1921 بدأ بعض التجار بتداول فكرة يتم طرحها على الشيخ سالم المبارك، وهي قيام مجلس يتألف من 6 شخصيات بارزة، من بينهم الشيخ أحمد الجابر، للعمل كمستشارين دائمين له.

لم تتح وفاة الشيخ سالم المجال لمناقشة ذلك المقترح وتنفيذه، فاجتمع عدد من وجهاء البلد في ديوان الحاج ناصر البدر، لدراسة تطورات الوضع السياسي الجديد، و«تعاهدوا على الاتحاد واتفاق الكلمة، وأن يسعوا إلى صلاح البلاد»، وأثمر الاجتماع عن وثيقة تقرر تسليمها للشيخ أحمد الجابر، حال عودته إلى الكويت، وقبل تسلمه الحكم، وكان الهدف من ورائها، اتباع مبدأ الشورى في اختيار الأمير من بين أفراد الأسرة الحاكمة.

العريضة الأولى

وتكشف المصادر عن وجود عريضتين شبه متطابقتين في محتواهما وبنودهما ومطالبهما؛ الأولى هي المتعارف عليها والمنشورة في كتاب «من تاريخ الكويت» للمؤرخ سيف مرزوق الشملان، ووقع عليها 8 من رجالات الكويت، في ما يلي نصها:

«بسم الله.. نحن الواضعين أسماءنا بهذه الورقة، قد اتفقنا واتخذنا على عهد الله وميثاقه بإجراء هذه البنود الآتية:

أولاً: إصلاح بيت الصباح، كي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم.
ثانياً: إن المرشحين لهذا الأمر هم: الشيخ أحمد الجابر والشيخ حمد المبارك والشيخ عبدالله السالم.
ثالثاً: إذا اتفق رأي الجماعة على تعيين شخص من الثلاثة، يرفع الأمر إلى الحكومة للتصديق عليه.
رابعاً: المعين المذكور يكون بصفته رئيس مجلس الشورى.
خامساً: ينتخب من آل الصباح والأهالي عدد معلوم لإدارة شؤون البلاد على أساس العدل والإنصاف.
محمد شملان، مبارك بن محمد بورسلي، جاسم بن محمد بن أحمد، عبدالرحمن بن حسين العسعوسي، صالح بن أحمد النهام، عبدالله بن زايد، سالم بن علي بوقماز، ناصر بن إبراهيم».

العريضة الثانية

أما الثانية، فهي التي أعلن عنها في السنوات الأخيرة د.خليفة الوقيان في كتابه «الثقافة في الكويت بواكير- اتجاهات- ريادات» للمرة الأولى، وحملت توقيع 24 من رجالات الكويت، وجاء نصها:

حمد الصقر
حمد الصقر

«بسم الله..
نحن الواضعين أسماءنا بذيل هذه الورقة، قد اتفقنا واتحدنا على عهد الله وميثاقه على هذه البنود الآتية:

أولاً: إصلاح بيت الصباح، كي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم.
ثانياً: إن المرشحين لهذا الأمر هم: الشيخ أحمد الجابر والشيخ حمد المبارك والشيخ عبدالله السالم.
ثالثاً: إن ارتضت عائلة الصباح على تعيين واحد من الثلاثة فبها ونعمت، وإن فوضوا الأمر للأهالي عيناه، وإن أرادت الحكومة تعيين واحد منهم رضينا به.
رابعاً: المعين لهذا الأمر يكون بصفته رئيس مجلس شورى.
خامساً: ينتخب من آل الصباح والأهالي عدد معلوم لإدارة شؤون البلاد على أساس العدل والإنصاف.

حرر في 15 جمادى الآخر سنة 1339
ناصر يوسف البدر، حمد عبدالله الصقر، إبراهيم بن مضف، أحمد الحميضي، أحمد الفهد الخالد، عثمان الراشد، خالد المخلد، محمد شملان، محمد الزاحم، عبدالرحمن محمد البحر، مبارك الساير، سلطان البراهيم الكليب، عبدالله السميط، فهد العبداللطيف الفوزان، عبدالمحسن الصبيح، فلاح الخرافي، علي بن إبراهيم الكليب، يوسف بن عيسى، عبداللطيف الحمد، يوسف الرشيد، حمد السميط، مسعود بن مشحن الرشيدي، عبيدان المحمد، محمد بن إبراهيم القلاف».

من اللافت، التطابق شبه الكامل بين العريضتين، وهو ما يشير إلى توافق تام بين العديد من الأطراف، التي طالبت بوجود نوع محدد من المشاركة، كما تكرر اسم محمد شملان فيهما، وقد يشير ذلك إلى أنه كان عنصر الربط وحلقة الوصل بين المجموعتين، من دون أن نجزم بذلك.

اجتماع موسع

أدَّت هذه المطالبات إلى اجتماع عدد من أعيان الكويت ووجهائها، يتقدمهم يوسف بن عيسى القناعي، عُقد لاحقاً مع أفراد الأسرة الحاكمة، الذين تقدمهم الشيخ عبدالله السالم، الذي كان يدير البلد خلال هذه الفترة، إلى حين عودة الشيخ أحمد الجابر، فأكدوا أهمية أن يكون لهم دور وكلمة في إدارة شؤون البلاد، وأنهم لن يقبلوا إلا بحاكم يقبل بإنشاء ووجود مجلس يشاركون به، حتى لا تجر الكويت في أتون حروب لا تريدها، كما حدث في الماضي، ولقي هذا الاتجاه ترحيباً واسعاً وتفهماً للبواعث التي دفعت الكويتيين لتقديم هذه العريضة.

ومع عودة الشيخ أحمد الجابر إلى البلاد، تقرر إرسال وفد ليقابله في «اليخت التجاري» الراسي على السواحل الكويتية، قبل أن ينزل على البر، لعرض المطالب.. ووفق ما ذُكر في «مذكرات خالد سليمان العدساني»، فإن الحاشية سارعت إلى الالتقاء بالشيخ أحمد الجابر، لإطلاعه على ما اتفق عليه الكويتيون، مقترحين عليه الموافقة عليها، مؤكدين له أن الخلافات «ستدب» بين الكويتيين!

إنشاء المجلس

تطبيقاً لنص البند الخامس من الوثيقتين، تم إنشاء وتكوين أول مجلس شورى في الكويت، وذلك في يونيو 1921، الذي تحدد بـ 12 عضواً، نصفهم يمثلون منطقة «شرق»، والنصف الآخر منطقة «جبلة»، وهم: حمد عبدالله الصقر (رئيساً)، يوسف بن عيسى القناعي (نائباً للرئيس)، والأعضاء هم: عبدالعزيز الرشيد، حمد فهد الخالد، عبدالرحمن النقيب، خليفة شاهين الغانم، هلال المطيري، شملان بن علي بن سيف، مرزوق داود البدر، أحمد الحميضي، إبراهيم المضف ومشعان الخضير، ومن هنا جاء المجلس بأعضائه محصلة لمطالب النخبة التجارية.

ويلاحظ هنا في طريقة تشكيله، أنه جاء بالتعيين، وليس بالانتخاب، كما أن كل أعضائه من أعيان البلد و«أهل الثراء»، وليس من بينهم أي فرد من عائلة الصباح، وهو ما يخالف ما احتوته العريضتان من ضرورة عملية انتخاب أعضائه، كما أن طبيعة عمله التنظيمية اقتصرت على تقديم الرأي والمشورة للحاكم في المسائل التي يعرضها عليه، وهي غير ملزمة بالنسبة له، في حين تولى حمد الصقر رئاسة المجلس، وهو مخالف لما جاء في البند الرابع الذي أشار إلى أن الحاكم يكون رئيساً للمجلس.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.