«حزب الله» على أعتاب «معركة مصيرية» بعد الاتفاق النووي

كتب محرر الشؤون العربية:
تتزايد التكهنات والأقاويل، باقتراب حزب الله اللبناني، من دخول «معركة مصيرية»، تفضي إلى «سيطرته كلياً على لبنان»، أو تنتهي بإضعاف قبضته، بعد بروز مؤشرات تدل على أن الظروف الجيوسياسية الجديدة في المنطقة، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وظهور بوادر لتحقيق حل سياسي في سوريا، في ظل محاولات مستميتة من الحزب، لإظهار نفسه للبنانيين، على أنه «درع حمايتهم في مواجهة تهديدات داعش»، فضلا عن محاولات جادة أخرى لاختطاف الحراك الشعبي في الحملة المنددة بأزمة النفايات، وإحداث فراغ دستوري يقود إلى تغيير النظام.

فمنذ انخراطه في الحرب السورية، يواجه الحزب، الذي كان في يوم ما رمزا للمقاومة، موجة عارمة من المواقف المنددة بسياساته، حتى وصلت شعبيته إلى مستوى غير مسبوق من التأزم.

إسرائيل ليست هناك!

تقارير الاستياء في الجنوب اللبناني ليست جديدة، إلى جانب التشكيك في حكمة التضحية بأرواح مقاتلين في حرب تندلع في منطقة تتناقض مع مبررات الحزب نفسه، الذي تأسس لخوض حرب في بيئة طبيعية خاصة بمساعدة خطاب إعلامي معادٍ لإسرائيل، وبالتالي، فإن «إسرائيل ليست هناك»، لإعطاء الحزب الفرصة للحفاظ على هذه الخطابات.

وفي حين تمكَّن نصرالله من احتواء تلك الانتقادات، نسبيا، فقد تعذر عليه إسكات فرقاء داخل الحزب، يمثلون «فصيل الاعتدال»، يقابلهما فصيلان آخران، هما «الفصيل الإيراني» و«الفصيل السوري»، في ظل تزايد الفجوة بين الفصائل الثلاثة، من جرَّاء تطورات الوضع في المنطقة، حيث يعتقد الفصيل المعتدل أن الشيعة في لبنان «كان يجب أن يحددوا دورهم الصارم في جنوب لبنان، وتجنب أي تورط في المعركة ضد أهل السُنة في سوريا، لأن هذا يهدد التعايش مع السُنة في لبنان».

هذا الرأي المعتدل، وفق خبراء ومحللين، اصطدم مع الحرس الثوري الإيراني، لأنه «يعكس طريقة مختلفة للنظر في هدف حزب الله.. ففي حين يرى الشيعة من اللبنانيين الحزب كدرع ضد كل من إسرائيل وأي ظلم طائفي، تنظر طهران إلى الحزب، باعتباره أداة استراتيجية في لعبة إقليمية كبيرة».

ويلفت محللون إلى أن نصرالله يحاول تحقيق التوازن بين موقفه، لوضع نفسه في مكان لا يسيء فيه لأي فصيل داخل الحزب، ومع ذلك، ونظرا لشدة الأزمة السورية ووتيرتها المتسارعة، وكذلك بسبب الخلافات الناشئة بين الأسد الضعيف وإيران المهيمنة، أصبح من الصعب على زعيم حزب الله الحفاظ على قبضته على الصراعات التي تختمر بين أعضاء حزبه.

«داعش».. المنقذ

وإذا كان البعض يردُّ التراجع الكبير في شعبية الحزب إلى تحالفه المتين مع الأسد، فإن الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ديفيد داود، يرى أن «بصيص الأمل لا يزال موجودا أمام حزب الله»، مشيرا في أطروحة على موقع «هيفغتون» الأميركي إلى أنه «من المفارقات أن خلاص حزب الله يأتي، وبغير قصد، من أكثر مصدر مستبعد، وهو داعش»، ذلك أن التنظيم «اجتاح سوريا والعراق، وأنزل الويلات بالأقليات الدينية، مغرقا المنطقة بأسرها في حالة توتر شديد، بما في ذلك لبنان.. ونظرا لهشاشة وضع البلاد، يبحث اللبنانيون مرة أخرى عن منقذٍ وطني، ويستعد حزب الله للاضطلاع بهذا الدور».

واستفاد الحزب من تغير النظرة المحلية تجاهه، ليعيد إحياء «كتائب المقاومة اللبنانية» التي أسست في عام 1988 لغير الشيعة الراغبين في قتال إسرائيل، من أجل محاربة «داعش».. وتشير بعض التقارير إلى انضمام متطوعين من السُنة في هذه الكتائب.

ويرى داود أنه نظرا لقلة الدعم الذي يتلقاه «داعش» من اللبنانيين، بكافة مذاهبهم، «فليس مستغربا أن يرى اللبنانيون غير الشيعة بشكل متزايد أن حزب الله هو أهون الشّرين، من ثم يمنحونه حرية أكبر في داخل البلاد وخارجها، على حد سواء»، ثم يخلص الباحث إلى أن حزب الله «منظمة تتمتع بقدرة تأقلم عالية، لكن من الخطأ أن نظن أن الميليشيا الشيعية لم تتعلم من تجاربها على مدى الأعوام الـ 14 الماضية.. فحين يتراجع تهديد «داعش»، فإنه من المحتمل أن يختار حزب الله مرة أخرى مقاربة أكثر توافقية مع المجتمع اللبناني، من أجل الحفاظ على الدعم الشعبي له.

استثمار «النفايات»

لكن اللافت، أن «بصيص الأمل» الذي راهن عليه حزب الله لاستعادة شعبيته، وفق أطروحة الباحث الأميركي، لم تمضِ إلى نهاياتها السعيدة بالنسبة للحزب، ولاسيما في وجود معطيات جديدة على الأرض تشير إلى تزايد الضغط على «داعش»، بعد دخول تركيا للقتال مع التحالف ضد التنظيم، وبروز مؤشرات لحل سياسي في سوريا قد ينتهي بتخلي طهران عن الأسد، تحت اللافتة الأميركية العاملة على إعادة ترتيب الأدوار في المنطقة ككل عبر التسويات.

لم يجد حزب الله بُدّا من «استثمار» أزمة النفايات التي راج الحراك شعبيا ضدها في الدولة اللبنانية، ووجد في الأزمة الفرصة، كي يجدد حضوره ويشغل جمهوره بقضية جديدة، عسى أن تنسيهم، ولو لبعض الوقت، ورطة التدخل في سوريا، وفقدان المئات من القتلى والجرحى في معركة لم تعد محل اتفاق داخل مؤسسات الحزب، وخاصة في ظل خروج غضب عائلات القتلى والجرحى إلى العلن.

ولا يعرف اللبنانيون إلى أين سيصل بهم الحزب، في ظل سعي واضح منه إلى إحداث فراغ تام في مختلف المؤسسات، من خلال تعطيل مؤسسة الرئاسة، والدفع إلى حل الحكومة، والتظاهر ضد البرلمان، الذي يرأسه حليف الحزب نبيه بري، الذي شعر بأن الحراك يستهدفه ويستهدف مركزه، وأن حزب الله وجَّه ضربة كبيرة للوساطة التي يقوم بها لحل الأزمة، وأظهره في صورة العاجز عن ضبط الشارع، في ظل ضغط متزايد من الحزب إلى كتابة دستور جديد، وعقد مؤتمر تأسيسي يحققان مطالب نصرالله وحلفائه من أتباع الجنرال ميشال عون بالقوة.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.