ندوات وعروض وورش عمل تقترب بالثقافة إلى الفعل الاجتماعي في «صيفي ثقافي 10»

جانب من العروض
جانب من العروض

كتب محمد جاد:
من ثمار الإنتاج الثقافي، أن يصبح مُتاحاً، وأن يتم تفعيله عبر المجتمع، بحيث لا يقتصر على فئة، أو تختص بإنتاجه واستهلاكه فئات محددة.

هنا يصبح الفعل الثقافي بعيداً عن دوره، لكن تواصله مع فئات مختلفة من المجتمع، يجعله أكثر تحاوراً وتنمية لعقول وشعور المتلقين.

وربما يكون مهرجان صيفي ثقافي في دورته العاشرة قد حقق بعضاً من تجاوز الثقافة لدورها المعهود في البلاد العربية، بأن أصبحت تمس المواطن العادي، ولو بشكل ما، وقد جاء ذلك من خلال الندوات والمعارض الفنية والعروض السينمائية والمسرحية والاستعراضية، التي أقيمت خلال فترة المهرجان (من 16 إلى 31 أغسطس).

هذا التنوُّع في الأنشطة، أنتج تنوعاً جماهيرياً، سواء وفق الميول والمراحل السنيّة، أو التوعية، من خلال الفن والثقافة، خصوصاً في فترة تحمل الكثير من المتغيرات والتقلبات، لعدة مفاهيم تمس صميم وأصول المجتمع.

نتناول هنا أهم وأبرز الأنشطة والفعاليات التي أقيمت خلال فترة المهرجان.

متحف شهداء القرين

أقيمت ضمن فعاليات المهرجان محاضرة بعنوان «متحف شهداء القرين»، استعرض خلالها د.عمر الدوسري ذكريات معركة بيت القرين، التي وقعت في 24 فبراير 1991، وخاضها شبان المقاومة الكويتية ضد الاحتلال العراقي، هذه المعركة التي قادها 19 شاباً كويتياً ينتمون إلى مجموعة المسيلة المقاومة، التي ذهب ضحيتها 12 شهيداً قدَّموا أرواحهم ودماءهم فداء للوطن، من دون السؤال عن مذهب ديني وفكر اعتقادي شخصي، وهو ما يجب أن يسود اليوم، وأن تستمد الأجيال الجديدة هذه الروح الآن، نبذاً للطائفية والعنف والفكر المتشدد.

التسامح وأغنيات ناظم الغزالي

حول هذا المفهوم، جاءت ندوة بعنوان «مفهوم التسامح والإيجابية»، حاضر فيها الباحث أحمد بوعركي، مؤكداً أن مفهوم التسامح في العلاقات البشرية يؤدي الى الإيجابية في التعامل بين الناس، ما يستدعي تعزيز هذا المفهوم في شخصية شباب اليوم، للوصول إلى مجتمع إيجابي متسامح.
ويرى الباحث أن التسامح قيمة فطرية وأصيلة في الإنسان، وبها يستطيع بلوغ أعلى مراتب الأخلاق، وهو أمر وثيق الصلة بطريقة التفكير، وبالتالي إنتاج السلوك، بداية بالتسامح مع النفس والآخر والمجتمع.

من ناحية أخرى، يؤكد الفن دوماً، أنه الوحيد القادر على توحيد الناس، وإذابة الفوارق الفكرية والسياسية والاجتماعية بينهم، وهو ما تأكد خلال حفل أقيم لأغنيات الفنان العراقي ناظم الغزالي، تغنى بها المطرب علي الورد، وبمشاركة سفارة جمهورية العراق في الكويت، وهو أمر في غاية الأهمية، ويعد تطبيقاً عملياً لمفاهيم التسامح والنظرة المشتركة للحياة، خصوصاً في مرور ذكرى سيئة، وهي ربع قرن على الغزو العراقي للكويت.

العروض السينمائية

ومن خلال عدة عروض لأفلام قصيرة، نجدها تنحو النحو نفسه، حول قيمة الثقافة وفهم الآخر، الذي يبدأ بفهم الذات وتجاوز قصورها الفكري.

ووفق تفسير كل فنان لهذا المناخ العام، جاءت الأعمال السينمائية معبرة تماماً عن اللحظة الآنية.

ومن هذه الأفلام: «ملاصق لأمي»، للمخرج عثمان الجعفر، وتدور أحداثه حول واجب الفرد تجاه وطنه، وضرورة الدفاع عنه، والعمل على حفظ أمنه وسلامته، باعتبارهما الامتداد الرئيس لأمن وسلامة المواطنين ككل، وفيلم «البداية»، الذي رسَّخ لفكرة أن التغيير يبدأ من الذات، حتى يصل إلى المجتمع، ككل، تغيير الفكر والسلوك والعادات.

ويأتي فيلم «ما بين السطور»، ليدور حول شاب يقوم بالتخلص من مجموعة من الكتب، ليفاجأ بوجود ميزان ضمنها، فحاول تجربته، ليكتشف أن وزنه أقل من بضعة كتب، فمقياس الشخص يخضع لثقافته، أولاً وأخيراً، ثم فيلم «الممر»، الذي يدعو إلى التمسك بالأمل، وضرورة الإصرار على الهدف، رغم المعوقات، من خلال حكاية شاب داخل ممر طويل يحاول جاهداً الخروج منه.

أوتوقراطيا وتداعي حُكم الفرد

ومن خلال العروض المسرحية ضمن الفعاليات، تم تقديم العرض المسرحي «شارع أوتوقراطيا» لفرقة مسرح الخليج العربي، التي فارت بجائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان أيام المسرح للشباب في الكويت، في دورته الأخيرة. المسرحية من تأليف فاطمة العامر، وإخراج علي بدر، تمثيل إبراهيم الشيخلي ومنال الجارالله.

والعرض يناقش آفة السلطة والرأي الأوحد وتغييب الآخر، فتكون العواقب وخيمة. السلطة هنا قد تأخذ شكل الفرد أو الحزب أو الطائفة، وتعتقد في نفسها أنها امتلكت الحُكم بفضل وموافقة إلهية!

وتدور أحداث العرض المسرحي حول ثلاثة مواطنين من العامة.. شحاذ، فتاة ليل وعازف غيتار، يعيشون معاً مصادفة بأحد الأحياء أو الشوارع بمعنى أدق، وبالمصادفة أيضاً يصل إليهم رجل مصاب بطلق ناري، ليتضح أنه ابن المحافظ ــ أحد ممثلي السلطة ــ لكنه يفارق الحياة، فيحاول الثلاثة اقتسام حافظة نقوده، لأنه انتهى، إلا أن المحقق وضابط الشرطة يأتيان سريعاً، ويتهمان الثلاثة، ليس بالسرقة فقط، بل وبجريمة القتل، ولا يستطيع المحقق إثبات التهمة عليهم، فهو الآخر يحمل العديد من العُقد النفسية، وتسلط من نوع آخر يتمثل في سلطة الأب، الذي شكل حياة ابنه وفق هواه، وينتهي أمره بالموت، وسط صراعاته الخاصة، ويتم قتل الشحاذ، فلم يبقَ سوى العازف وفتاة الليل والشرطي، حتى رقابة المحقق على الشرطي انتهت، فما العمل؟ فهو يمثل سلطة ــ ولو وهمية في الواقع ــ بالنسبة للشرطي، الذي لن يفوّت الفرصة للانتقام، فيلصق تهمة قتل الشحاذ بالمحقق، وتهمة أن الشحاذ في الأصل ــ بما أنه مات الآن ــ قتل ابن المحافظ، وبالتالي ينتهي الموضوع، ويتم مسخ كل من فتاة الليل والعازف ليصبحوا شهوداً جديرين بالمهمة. هنا يصل الفساد إلى درجة لا تحتمل. والحالة التي يخلفها العرض، هي أن ما يحدث على خشبة المسرح، ما هو إلا حالة يفوقها الواقع بكثير.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.