تنفيع.. تخبُّط.. سوء تخطيط.. والنتيجة 20 عاما بانتظار «بيت العمر»

«بيت العمر» تحول إلى حلم بعيد المنال
«بيت العمر» تحول إلى حلم بعيد المنال

كتب محرر الشؤون المحلية:
يبدو أن الأزمة الإسكانية أصبحت مستعصية على الحلول، بسبب التنفيع والتخبط وسوء التخطيط وغياب القرار الهادف إلى معالجة هذه القضية بصورة جذرية وجدية.. ويبدو أن الحكومة في وادٍ، وهموم الشباب الكويتي ومطالبه في آخر.. فمن غير المنطقي أن ينتظر الشاب أكثر من 20 عاماً، من أجل الحصول على حقه الدستوري، المتمثل في الحصول على مسكن.. وإزاء هذا الانتظار الطويل، تحول «بيت العمر» إلى حلم بعيد المنال، يحتاج تحقيقه إلى عمر، على حد تعبير الكثير من أبناء الجيل الصاعد.

ومع فشل الحكومات المتعاقبة في حل الأزمة الإسكانية، تفاقمت معاناة أبناء الجيل الصاعد، ولم يصبح ثمة أمل في الأفق بالحصول على حق الرعاية السكنية، إلا بعد سنوات من الانتظار الطويل.. ورغم الإمكانيات الكبيرة للبلاد، فإن الحكومات المتعاقبة لم تستثمر الوفرة المالية في حل المشكلات المزمنة، بل على العكس من ذلك، أهملت الأزمات، فتراكمت، وسارت المشاريع الحيوية في فلك المنتفعين، وليس من أجل مستقبل البلاد وخدمة أبناء الجيل القادم، واتسعت دائرة المعاناة، وتفاقمت المشكلات، وعلى رأسها الأزمة الإسكانية، التي لم تجد معها الحلول الترقيعية والوقتية، بل إن ناشطين في مجال القضايا السكنية قالوا إن الحكومة تبيع الوهم للمواطنين، من جراء ما يسمى بتوزيع المساكن عبر المخططات، حيث يتم تسكين المنتظرين طويلاً، للحصول على مساكن، بواسطة ما يشبه «الإبر المُسكّنة»، أو بمعنى أدق «الضحك على الذقون».

احتكار الأراضي

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تنجح الحكومات المتعاقبة في حل هذه الأزمة المتراكمة؟ ومَن المسؤول عن احتكار أراضي الدولة؟ وحصرها بأيدي جهات بعينها وأفراد محسوبين على الحكومة؟

في عام 1986، رأت الحكومة توحيد الجهات المشرفة على الإسكان في جهة واحدة، توفيرا للوقت والجهد الإداري والفني، وجرى دمج الهيئة العامة للإسكان مع المجلس الأعلى للإسكان، لتصبح هي الهيئة المشرفة على تخطيط وتصميم وتوزيع المساكن الحكومية على المستحقين، وفي عام 1989 أُقر نظام الرعاية السكنية، ثم تأسست المؤسسة العامة للرعاية السكنية عام 1993، ومنذ ذلك التاريخ لم تتخذ الحكومات المتعاقبة الخطوات الجادة الكفيلة بتوفير المساكن للأسر الكويتية المستحقة، بل على العكس من ذلك، دخلت الجهات المختصة في دهاليز العجز والتسويف والمماطلة، وكأن منح الحق السكني للمواطنين ضرب من المعجزات، على حد تعبير الشباب الطامحين في الحصول على بيوت حكومية، هي في الأصل يفترض أنها حق مكفول دستورياً وقانونياً.

أزمة أزلية

ووفق المراقبين، فإن السكن تحول إلى أزمة أزلية في الكويت، وهو أمر يدعو إلى الاستغراب في بلاد نفطية توصف دائماً بأنها «دولة الرفاه»، لكن الشريحة الأكبر من أبنائها ينتظرون سنوات طويلة في طوابير الإسكان الحكومي، وكثير من الشباب يعزفون عن الزواج وتكوين أسرة، بسبب أزمة الحصول على مسكن، فتزايدت، من جراء ذلك المشكلات الأسرية والاجتماعية، واضطرت بعض العوائل المقتدرة إلى شراء مساكن في دول مجاورة، بسبب ارتفاع أسعار العقارات في الكويت بصورة مبالغ فيها.

كلفة السكن

وبحسبة بسيطة، يرى المراقبون أن كلفة السكن الخاص في الكويت عبر التملك أو الإيجار أو التمويل تستحوذ على أكثر من 50 في المائة من دخل الأسر، وقد اضطر كثير من الشباب المتزوجين حديثاً إلى السكن في شقق بالإيجار، بعد أن فرضت التغيرات الحياتية والمستجدات العصرية الانتقال من بيت العائلة إلى مسكن مستقل بعد الزواج، ويتراوح إيجار الشقة في المتوسط بين 500 و700 دينار، وهو ما يعني الاستحواذ على نحو ثلثي الراتب.. فأي عدالة في ذلك؟! وأين الحكومة من هذه المعاناة التي تطول السواد الأعظم من أبناء الكويت؟!

وفي الوقت الذي تتحدث في الجهات الحكومية المختصة، وعلى رأسها المؤسسة العامة للرعاية السكنية، عن حلول جذرية للأزمة، يبرهن الواقع على أن الكلام والتصريحات الإعلامية شيء، وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر، فالخطة التي أقرت وأعلنت منذ 3 سنوات لتوزيع 13 ألف وحدة سكنية سنوياً، في بعض المشاريع الإسكانية الجديدة لم ترَ النور حتى الآن، ولا تزال حبرا على الورق، كما أن الجدول الزمني لتوزيع آلاف الوحدات الأخرى في مناطق سكنية جديدة لم يرَ النور حتى الآن، لأسباب غير معروفة.

طلبات متراكمة

وكشفت مصادر مسؤولة في المؤسسة العامة للرعاية السكنية عن 40 ألف طلب سكني تقدم بها مواطنون يستحقون الرعاية السكنية بين عامي 1999 و2001 خضعوا لقرعة التخصيص في مناطق سكنية جديدة، لكنهم لم يتسلموا مساكنهم حتى الآن، مشيرة إلى أن إجمالي المواطنين ضمن قائمة انتظار التخصيص يبلغ نحو 160 ألف مواطن، ولم تحدد المؤسسة العامة للرعاية السكنية جدولاً زمنياً لاستدعائهم.

الشباب مستاؤون

وعبَّر عدد من الشباب عن استيائهم، من جراء أزمة السكن، قائلين: بإمكان الشاب الكويتي التمتع بحق التعليم وحق العلاج، ويستطيع شراء سيارة والسفر في الإجازات والعطلات، لكن حق السكن محرم عليه، رغم أنه يًعد أحد ركائز المواطنة.

وتساءلت فاطمة الوحيدي: كيف تتحدث الحكومة عن المواطنة والانتماء والتفاني واحترام القانون، بينما الحقوق التي كفلها الدستور منقوصة؟، مشيرة إلى ان شريحة معينة ومحدودة، هي التي تتمتع بالامتيازات والمكتسبات، فيما عامة الشعب يدورون في فلك المعاناة.

تساهل الحكومة والبرلمان

وعلل جاسم المطوع، وهو باحث اقتصادي في جامعة الكويت، أزمة السكن باحتكار الأراضي الصالحة للسكن، مشيراً إلى أن أسعار الأراضي في معظم دول العالم تحكمها آلية العرض والطلب، لكن هذه الآلية يشوهها الاحتكار الجائر لمعظم أراضي الدولة من قِبل أفراد وشركات، مؤكداً أن الحكومات المتعاقبة وبعض مجالس الأمة تساهلت مع المحتكرين الذين يهيمنون على نحو 68 في المائة من أراضي الدولة.

ولفت إلى أن شركة نفط الكويت منحت امتياز التنقيب ووضع اليد على مساحة شاسعة من الأراضي في العديد من مناطق البلاد.. ورغم أنها شركة حكومية، لكنها تعرقل الكثير من المشاريع السكنية وغيرها، كما أن بعض الجهات الحكومية الأخرى تعطل المشاريع، وكأن كل وزارة أو جهة دولة أخرى! فمن غير المنطقي أن تعطل بلدية الكويت مشروع جنوب سعد العبدالله السكني، نظراً لعدم قيامها بدورها في أزمة نقل الإطارات.

قصور تشريعي

وأضاف: ثمة قصور يتحمَّله مجلس الأمة أيضاً، فهناك قصور تشريعي في ما يخص قوانين الرعاية السكنية، التي تحتاج إلى تحديث، كما أن الدور الرقابي يعتريه النقص.. فبعض النواب تفرَّغوا لمصالح شخصية وقضايا فرعية وتصفية حسابات انتخابية، بدل الالتفات إلى مصالح المواطنين وقضاياهم الملحة والمشكلات المتراكمة التي تستعصي على الحلول، ومن ثم تتوارثها الأجيال.

حبر على ورق

وصف مواطنون التوزيع على المخططات، بأنه حبر على ورق، فكثيرون منهم جرى استدعاؤهم في المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وحضروا قرعة التخصيص منذ أشهر طويلة، لكنهم لم يتسلموا مساكنهم حتى الآن، متسائلين: هل يُعقل أن يتم إحباطنا بهذه الصورة.. فبعد انتظارنا سنوات للحصول على السكن، يتم تسكيننا بقرعة على الورق فقط؟!

شكاوى جماعية

تقدَّم عدد من المواطنين بشكاوى جماعية إلى المؤسسة العامة للرعاية السكنية، بسبب إعلان أسمائهم ضمن المستدعين للتخصيص من فترة طويلة، ولم تشملهم القرعة، مؤكدين أنهم راجعوا المؤسسة أكثر من مرة، ولم يتم حل مشكلتهم، حيث طلب منهم المسؤولون الانتظار شهرين، لحين الاتصال بهم، ولم يتصل بهم أحد.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.