
كتب إيهاب علام:
وسط الإهمال الكبير الذي تعانيه الصناعة المحلية من الدولة طوال السنوات الماضية، ومعاناتها من الكثير من المشكلات، على رأسها شح الأراضي، والروتين الحكومي، وارتفاع أسعار الطاقة، ظهر تحدٍ جديد تعانيه الصناعة المحلية، وهو الإغراق، الذي بات يمثل تهديداً كبيراً لكثير من المنتجات المحلية، ليزيد من أوجاع الصناعة المحلية، وتُدخل المنتجات الوطنية في منافسة غير عادلة.
والإغراق في تلخيص بسيط، يعنى «تصدير سلعة ما إلى دولة بسعر أقل من قيمتها العادية في مجرى التجارة العالمية، بهدف إغراق أسواق معينة».
وقد تزايدت خطورة هذه الظاهرة في التجارة الدولية، وخصوصاً في دول الخليج، ومنها الكويت، وأثرت بشكل كبير في صناعات هذه الدول، وأخذت تنذر بشكل قوي بانهيار الصناعات الوطنية، كما تهدد بتقليل القدرة والطاقة الإنتاجية للصناعات المحلية، ومن ثم تقليل صادرات الصناعات المحلية.
تزايد مستمر
ومع تنامي ظاهرة الإغراق في دول مجلس التعاون الخليجي، أصدرت دول «التعاون» القانون الخليجي للحماية من الإغراق كبديل عن نظام الحماية القديم، وكان من المفترض أن يوفر القانون الحماية للصناعات المحلية لهذه الدول من الممارسات التي من الممكن أن تضر بصناعاتها، لكن ما يحدث عكس ذلك تماماً، فما زالت الصناعات المحلية تعاني الإغراق في العديد من السلع.
ونظراً لخطورة ظاهرة الإغراق على الصناعة الكويتية، طالبت الكثير من الجهات المعنية بالصناعة بضرورة تعديل بعض القوانين، للتصدي لهذه الظاهرة المنتشرة في السوق الكويتي، والقضاء عليها، من أجل حماية الاستثمارات الصناعية، وكذلك لابد من تضافر الجهود من الجهات الأخرى، المسؤولة في الدولة، من أجل منع السلع غير المطابقة والسلع المقلدة، ومنها الجهات المسؤولة عن المنافذ، والإدارة العامة للجمارك، والجهات المسؤولة عن مراقبة الأسواق ومكافحة تهريب السلع، حيث يجب أن توفر كل هذه الجهات الإجراءات الكافية، والاستعداد الكامل لتوفير الحماية اللازمة للمنتجات الوطنية، إضافة إلى استعدادها للتعاون مع جميع الجهات الحكومية ذات الصلة، من أجل تحقيق هذا الهدف، والتصدي لظاهرة الإغراق، مع توفير السياسات الحمائية للمنتج الوطني، للمساهمة في النهوض والارتقاء به.
زيادة المبيعات
وفي شأن ظاهرة الإغراق، يقول الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور إن «ظاهرة الإغراق، التي تعرف بتصدير سلعة بأقل من سعر بيعها في بلد المنشأ، تعد من الممارسات الضارة في التجارة الدولية، ويكون هدف بعض الدول من هذه الظاهرة زيادة المبيعات، والحفاظ على حصص كبيرة في البلدان المستوردة، وفتح أسواق تصديرية جديدة، وتصريف فوائض الإنتاج»، مشيراً إلى أنه من آثار الممارسات الضارة في التجارة الدولية، القضاء على الصناعات الوطنية، وإقصاء المنافسين.
وأضاف أن من الأسباب التي أدت إلى تعرض الكويت لهذه الظاهرة في أسواقها المحلية، هو انتهاج سياسة انفتاح الأسواق، وارتفاع القوة الشرائية، وانخفاض التعريفة الجمركية، وعدم تفعيل بعض القوانين، داعياً إلى ضرورة اتخاذ التدابير الكافية لحماية الصناعة الوطنية من الإغراق الخارجي ومخاطر الممارسات الضارة في التجارة الدولية، مبيناً أنه بالإضافة إلى معاناة الصناعة المحلية من الإغراق، تعاني الصناعة ظاهرة لا تقل خطورة عن ظاهرة الإغراق، إلا وهي ظاهرة السلع المقلدة والغش، حيث إن كثيرا من المنتجات في السوق المحلية مقلدة، وسهولة دخول هذه البضائع إلى الأسواق جعل البعض يتاجر في مثل هذا النوع من السلع، لافتاً إلى أنه في بعض الأحيان تكون هناك صعوبة في الكشف عن السلع المقلدة والمغشوشة، وذلك يرجع إلى ضعف الكوادر البشرية المؤهلة للكشف عن هذه السلع، سواء أكان ذلك في الجمارك أو وزارتي التجارة والبلديات، مع غياب المختبرات المجهزة، كما هو موجود في كثير من الدول.
وأشار بوخضور إلى أن البعض يحقق من السلع المقلدة والمغشوشة أرباحاً طائلة، وهذا ما شجع ضعاف النفوس على التوسع في هذه التجارة، لافتا إلى أن المستهلك يسهم بقدر لا بأس به من حجم الإقبال على السلع المقلدة، نظراً لرخص سعرها، فأحد أسباب لجوء المستهلكين للسلع ضعيفة الجودة، هو فارق الأسعار بين الأصلي والمقلد، وهذا التوجه يخدم مَن يستورد تلك البضائع، مبيناً أن تجارة السلع المغشوشة والمقلدة تمثل تهديدا للصناعات الوطنية، وكذلك تزعزع الثقة في الاقتصاد ككل.
اعتراف هيئة الصناعة
أكد المدير العام للهيئة العامة للصناعة بالإنابة محمد فهاد العجمي، في ندوة «الإغراق.. واقع أم مبالغة»، التي نظمها اتحاد الصناعات الكويتية، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في نهاية مايو الماضي، أن هناك فعلياً ظاهرة إغراق تغزو السوق المحلية والأسواق الخليجية، وتلك الظاهرة حقيقية، وليست وهما على الإطلاق.
وأوضح العجمي أن الاجتماع الأخير لقادة دول مجلس التعاون الخليجي نصَّ على «ضرورة التصدي لهذه الظاهرة، إثر شكوى تقدَّمت بها البحرين، لحماية منتجاتها الوطنية»، مبيناً أن إغراق السوق الكويتي بالمنتجات المنافسة يعود لكونه سوقاً مفتوحاً، مشيراً إلى أن الهيئة العامة للصناعة ستقوم بإشراك اتحاد الصناعات الكويتية في اللجنة الخاصة بحملة المنتج الوطني، والتي تهدف إلى توعية المستهلك بأهمية شراء المنتجات الوطنية، والعمل على التصدي لظاهرة الإغراق.