
كتب محرر الشؤون العربية:
أظهرت روسيا حفاوة ملحوظة خلال استقبالها قادة عرباً الأسبوع الماضي، اجتمعوا مع رئيسها فلاديمير بوتين، الذي يرى مراقبون، أنه سعى بقوة للاستفادة من الاستياء الخليجي العربي من سياسات واشنطن في المنطقة، ولاسيما التقارب الأميركي – الإيراني الأخير، الذي خلق رغبة عربية للانفتاح تجاه روسيا، لتحقيق تنوُّع وتوازن في علاقات العرب الدولية.
وخلال مباحثاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في ختام عرض «ماكس الدولي للطيران والفضاء 2015» بمدينة جوكوفسكي الروسية، شدد بوتين على سعي بلاده إلى تعزيز حضورها الملموس في قضايا الشرق الأوسط، وذلك في ظل وجود رغبة عربية متزايدة باتخاذ خطوات بعيداً عن الولايات المتحدة، التي بات الزعماء العرب لا يثقون كثيراً في تحركاتها في المنطقة، بعدما أبدت مع حلفائها الغربيين حرصاً زائداً للتوصل إلى اتفاق بشكل نهائي مع إيران حول ملفها النووي.
ورأى مراقبون، أن زيارة القادة العرب إلى روسيا جاءت نتيجة فشل إدارة أوباما في تسويق الاتفاق النووي إلى حلفائها، وإصرارهم على التصرف باستقلالية أكبر، في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، لافتين إلى وجود إجماع عربي على رفض الخطط الأميركية، التي تقضي بمنح إيران دوراً أكبر للمشاركة في رسم ملامح سوريا، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ولا تمانع من سيطرة طهران بشكل كامل على الحكومة العراقية، والسماح للحوثيين في اليمن بالانقلاب على الرئيس عبدربه منصور هادي، والسيطرة بقوة السلاح على مناطق واسعة من البلاد.
وأضافوا أن تلك الرؤى العربية تقاطعت مع تحسبات روسية من اتجاه القادة الإيرانيين لبناء علاقات قوية مع الولايات المتحدة، على أمل أن تستعيد إيران دور شرطي المنطقة، الذي كانت تلعبه زمن الشاه رضا بهلوي في ما قبل ثورة الخميني، الأمر الذي عزز رغبة موسكو في تقوية علاقاتها مع الدول العربية، والخليجية بصفة أخص.
دور أكبر لموسكو
مباحثات القادة العرب مع بوتين ركزت على الموقف الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، إلى جانب توقيع عدة اتفاقات في الاقتصاد والطاقة والتعاون الأمني، في ظل إجماع بين دول المنطقة المؤثرة، بضرورة تمهيد الطريق أمام دور أكبر لموسكو في مواجهة واشنطن وخططها المتعارضة مع المصالح العربية بشكل كبير.
وتوقع محللون وإعلاميون ألا يكون الزعماء العرب الثلاثة آخر الزعماء الذين يقومون بزيارة موسكو، مشيرين الى أنه قبل نهاية العام، سيتوجه أيضاً زعماء ومسؤولون كبار، في مقدمتهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالإضافة إلى المغرب وقطر والكويت.
تقارب متبادل
ويؤكد محللون، أن التحرك العربي ضد النفوذ الإيراني في اليمن، من خلال عملية «عاصفة الحزم» العسكرية، شكل أولى خطوات الابتعاد عن واشنطن، كما كان الموقف الروسي إزاء التحركات العربية في مجلس الأمن بادرة من قِبل موسكو، التي تطمح إلى تعزيز دورها في المنطقة، مشيرين إلى أن روسيا مانعت التدخل الإيراني في اليمن، ورأت أنه لا يمثل عاملاً إيجابياً في المنطقة، كما أنها لم تعد تثق بعلاقاتها مع طهران، بعد أن شهدت رغبة إيرانية جامحة للتعامل مع الولايات المتحدة على حساب العلاقات مع روسيا.
وأضافوا أن موسكو لا تربط مصالحها في الشرق الأوسط بالمصالح الإيرانية، وأن الالتقاء حول الملف السوري التقاء ظرفي بينهما، ولكلّ حساباته فيه، فالقيادة الروسية ترفض تكرار تجربة العراق بتوفير الذرائع للولايات المتحدة لضرب سوريا، وفتحها أمام الفوضى، واستدراج المجموعات المتشددة من مختلف البلدان إليها.
وساد قبل فترة اتفاق بين دول عربية وموسكو على ضرورة قطع الطريق أمام المجموعات المتشددة، حتى لا تسيطر على سوريا أو اليمن، حال بدء تطبيق خطوات الحل السياسي، مع ظهور بوادر حلف عربي – روسي يتم تشكيله، للإشراف على إعادة بناء سوريا في المرحلة الانتقالية.
لكن شكوكاً تحوم حول وجود معارضة معتدلة قادرة على فرض نفسها لتأمين انتقال السلطة وعدم سيطرة قوى النظام عليها، خصوصاً على مواجهة المجموعات المتشددة التي تتربص بسوريا ما بعد الأسد.
تحركات «الإخوان» وضرب إيران
ويتفق بوتين إلى حد كبير مع القادة الثلاثة حول تحركات الإخوان المسلمين المريبة في المنطقة، على عكس واشنطن، التي تتهمها عواصم عربية بتوفير الدعم السياسي للتنظيم، الذي يمتلك أذرعا في عدة دول عربية وإسلامية.
ويحاول التنظيم كسب موطئ قدم في الأزمة السورية، التي اتسم الموقف الأميركي بشأنها بالغموض بادئ الأمر، ثم أخذ في التبلور على عكس ما كان يأمل حلفاء واشنطن في المنطقة.
الأنباء التي رشحت عن لقاء بوتين بالقادة العرب، أشارت إلى أن الرئيس الروسي أكد لهم أن روسيا كانت تعمل خلال السنوات الأخيرة على منع توجيه ضربة غربية لإيران، لكن ذلك لم يكن ليمثل غطاء روسيا للتمدد الإيراني في محيطها الإقليمي، خصوصاً ما تعلق بإثارة الفتن الطائفية وابتزاز دول الجوار والتدخل في شؤونها الداخلية.
سلاح متطور
وشكّل الملف العسكري الأهمية القصوى في المباحثات العربية الروسية، حيث أغرقت روسيا مصر بصفقات أسلحة ومشاريع نووية واقتصادية مغرية، للدفع نحو محاولة إقناع القاهرة برؤيتها لحل الأزمة السورية، فضلا عن «تفويض خليجي» للسيسي للتباحث حول تعزيز القدرات العسكرية للقوة العربية المشتركة المزمع تأسيسها، والتي يرجح أن القاهرة ستكون رأس الرمح لتلك القوة.
وبناءً على ذلك، وقعت روسيا ومصر عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، بشأن صفقات أسلحة متطورة ومشروعات اقتصادية عملاقة، منها محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء.
الملف السوري
على الصعيد السياسي، حضرت اﻷزمة السورية في المباحثات المشتركة بين السيسي وبوتين، وسط توقعات، بأن يرشح عنها الدفع بإعلان موافقة الرئيس السوري بشار اﻷسد على انتخابات رئاسية مبكرة يكون طرفا فيها، وهو ما يضمن موافقة سعودية – أميركية على المبادرة الجديدة، التي تحاول روسيا بلورتها بالتشاور مع أطراف إقليمية ودولية.
ويرى خبراء أن الوصول لحل انتخابات مبكرة ليس من المهم أن يخدم بشار، لكن المهم أنه يخدم وحدة اﻷراضي السورية، وحتى يتم الوصول إلى إقرار انتخابات تحت إشراف للأمم المتحدة، يجب ضمان استقرار الأوضاع على اﻷرض ووقف للاقتتال.
وغالباً ما كانت العلاقات بين دول المنطقة وروسيا تنحصر في صفقات اقتصادية وصفقات أسلحة تتم على استحياء، حيث هيمنت الولايات المتحدة وأوروبا لعقود على سوق السلاح في المنطقة.
لكن محللين روسيين لم يستبعدوا أن تكون العلاقات العربية – الروسية قد دخلت إلى مرحلة أكثر شمولا، وأبعد من مجرد المجال الاقتصادي والعسكري وتتطور نحو علاقات استراتيجية، مشيرين إلى وجود تقدم ملحوظ في العلاقات الثنائية ما بين العالم العربي وروسيا، رفع مستواها من الصفر إلى موقع مرموق.