
كتب محمد جاد:
تعد القاصة والكاتبة استبرق أحمد من الأصوات الجادة في الأدب الكويتي، وأحد أعمدة الجيل الحداثي من كُتاب القصة القصيرة، والتي تعدَّت نطاق الكويت حتى العالم العربي.
أصدرت أحمد مجموعتين قصصيتين هما «عتمة الضوء»، التي حصلت عنها على جائزة ليلى العثمان في دورتها الأولى، ومجموعة «تلقي بالشتاء عالياً»، إضافة إلى تقديمها البرنامج الإذاعي «زوايا السرد»، الذي ترصد فيه تطورات المشهد القصصي في الكويت والعالم العربي بشكل عام.
«الطليعة» حاورتها حول عالمها القصصي، والنتاج الأدبي داخل الكويت، والعديد من القضايا الأدبية في العالم العربي.
وهنا نص الحوار:
● ماذا عن العالم الذي تدور فيه أعمالك؟ وهل تجدين حدوداً ما بين الواقعي والخيالي في إنتاجك القصصي؟
– هناك عوالم مختلفة تحيط بأعمالي وتخترقها، لا رسو على مواضيع وحيدة، أستل من العالم صورا وأبذل جهدي في نحت شخوصه وحياكة نسيج الحدث، لا تخيب القصة ظني بها، أعطيها، فتعطيني نتبادل مواقعنا، تصبح هي الواقع وأنا الخيال، وتبدأ الرقصة.
● كيف تجدين مستقبل القصة القصيرة في الكويت، والعالم العربي عموماً، بما أنك مُتابعة جيدة للإنتاج القصصي العربي؟
– مستقبل القصة في الكويت أو غيرها من بلدان، يعتمد على عدم الانجرار خلف الضوء، في كمونها تحت الظل قليلا، مدعاة للمثابرة في البحث.. القصة وكل فن يقوم على البذل والعطاء، ولا تهاون عن هذا القربان.
الجنس الأدبي
● نأتي لمشكلة الجنس الأدبي، وقد أصبح التداخل ما بين الأجناس هو سمة الكتابة الآن.. لماذا برأيك أصبح هذا الشكل هو المسيطر على النصوص الأدبية الحديثة؟
– هل هي مشكلة؟ بالنسبة لي لديَّ من القصص ما يقع في هذه المنطقة وأحبها.. هناك تجاور وتحاور بين الأجناس، فلماذا نخشى ذلك؟ دعونا نكتشف ونكشف عن إمكانيات النص، مع ضرورة إتقان سابق للشروط للخروج عليها، كيف نجدد إن لم نفعل ذلك؟ وكيف ننحاز لطرق أخرى بغير ذلك؟ أعني بغير أن تكون لديك أفكارك الخاصة وجرأة التجريب والتحرك لمناطق جديدة لرسم جزر أخرى في التجربة أو حتى العودة.. الأهم أنك تبحر بجدية، لنحاول دوما، ولننصت للنص ورغباته ومطالباته.
● ما تعليقك على غزارة الإنتاج الروائي، وخاصة بين الشباب في جميع البلاد العربية؟ وهل يُعد ذلك إضافة للرواية العربية، أم أنه استنساخ لتجارب باهتة؟
– الغزارة تعني كمَّا هائلا، الكم غالبا يكون أعلى صوتاً من الكيف، تلك حقيقة قائمة، بالتالي ما نجده هو انفلات في الاتجاه للكتابة مباشرة أو سفر وهجرة الشعراء والقاصين ناحية الرواية، هو شأن كل مَن هو قادر على الإمساك بها، وتقديم ما يريد عبرها، إن كان موضوعه يستدعي ذلك.
أما العبور لها لاستسهال الكتابة، لإخفاء للعيوب، أو للشهرة، فرداء الرواية رغم أنه فضفاض ومتسامح إزاء بعض العيوب، لكنه شفاف وفاضح، ويستطيع القارئ أن يصرخ بسهولة، كصبي الملك المخدوع، فيخبر بالحقيقة صارخا، إن «الرواية/الملك.. عار».
● في برنامج «زوايا السرد» يتم استعراض العديد من التجارب المختلفة والمتباينة للنصوص الأدبية.. برأيك، ما السمات الغالبة على هذه النصوص، رغم تنوعها، وما معيار اختيارها؟
– سعيدة لاهتمامك بفقرة زوايا السرد الإذاعية.. نعم في زوايا السرد نهتم بإيراد العديد من النصوص من داخل الكويت وخارجها.. معيارنا الأهم هو استحقاق التجربة للعرض، إما لإفادة مَن هم يحتاجون لشيء من النقد وإما للاستفادة من تجربتهم الزاخرة بالجدية والاشتغال عبر أفكار يتم تناولها بشكل ثري ومغاير، وفق هذا المعيار نجد تلون النتاجات ونبذها للضحالة، نجد التنوع والدهشة.
● نأتي للجوائز الأدبية في العالم العربي، وقد أصبحت تحتل مساحة كبيرة في شهرة وتسويق العمل الأدبي.. كيف ترينها؟ وهل اختلفت مع نتائج هذه الجائزة أو تلك؟
– هناك انفجار للجوائز، وخاصة من خلال رصد قيمة مالية عالية، لكن أغلبها يصبُّ في مصب الرواية وتعنى بها، فتتزايد شهوة كتابتها أكثر.. لا أهتم كثيراً بضرورة قراءة الروايات الفائزة، أنا أقرأ ما يمتعني.. أما ملاحقة نتائج أو نتاجات فائزة، فذلك ليس مهما لديَ، فكثيراً ما قرأنا أو استوعبنا أسباب إحراز بعض النتاجات للضوء وكانت لا علاقة لها بالنضج ولا الجودة.. طبعا ذلك لا يعني أن كل الجوائز لا تحمل جديتها وابتعادها عن مصالح معروفة، لكنها قِلة قلية من تحمل مصداقيتها وانحيازها للنص.
● هل ظاهرة «البيست سيللر» هي المُسيطرة على انتشار الأعمال الأدبية في الوطن العربي، رغم تفاوت المستوى الفني والجمالي؟
– سؤالك أحالني لمشهد تمثل في إحدى المرّات.. أتاني صوت المذيع صادحاً بالبهجة عند إذاعة خبر عن نتاج أحد الكتاب، والذي يعرف الكثير ضعف كتابته، مباركا له، كان ترتيبه الأول في قائمة البيع الذهبية لإحدى المكتبات الشهيرة.. ضحكت، لا سخرية، لكن من الكيفية التي تروّج بها بعض الجهات لبعض النتاجات، والتي لا يلتقطها إلا جمهور معيَّن ضعيف الوعي. عموما، متى كانت الكتابة الجادة تحتكر الضوء بشكل شاسع، كالكتابة الضامرة؟
نعم هناك حالات، لكن الكتابة الحقيقة غالبا بنماذجها أقل وصولا من غيرها لجمهور عريض.
الجيل الجديد
● ماذا عن أدب الجيل الجديد في الكويت، من حيث سماته الجمالية ومدى تفاعله ومستجدات الأحداث الاجتماعية؟ وهل التكنولوجيا الحديثة، كشبكات التواصل الاجتماعي، أدَّت إلى شكل من استسهال الكتابة؟ كأن تصبح الخواطر أدباً على سبيل المثال!
– بعد الألفية الثانية هناك جيل بث الجديد في خارطة الكتابة، وجعلها أكثر نضجا وانتعاشا وتقاطعا مع التجارب الأخرى ووصولا أيضا، وخاصة لبزوغ نصه ووجود الشبكة العنكبوتية المسقطة للحواجز، بينما هناك أيضا كُتاب من نوعية «لا نقرأ، لكننا نكتب»، وهم فئة تثير الاستهجان لدى الكاتب الحقيقي، وهناك مَن يشجعها من دور النشر، سواء دور نشر شبابية وجديدة أو عريقة. فالأهم في المعادلة، وجود «طلّة الصورة» و«جني الربح» لقوائم الزيف.
● هذا يدعونا إلى التساؤل حول مدى التكافؤ ما بين الإنتاج الأدبي في الكويت وفعل القراءة، أي مدى حالة التواصل ما بين الأدب والجمهور الكويتي؟
– يتفاوت الجمهور وفق وعيه وذائقتة القرائية، هنا كشأن البلدان الأخرى، المجال متسع للكتاب والقراء، إذ إننا نبارك عودة كبيرة لفعلي «الكتابة» و«القراءة»، لكننا نقف دائما أمام «النوعية» و«الكيف»، وفي ذلك نحتاج إلى سنوات لغربلة الجيد من هذه الهجمة.. نحتاج ألا نطلق أحكامنا على الكل، فهناك مخاضات ومشاهد ثقافية تتشكل، وهناك مَن يرغب فعلا بالتطور، لكن يجب التأني طويلا عند فكرة النشر.
مشكلات الرقابة
● هناك أعمال أدبية تماست مع ما هو سياسي واجتماعي بشكل صريح، وبالتالي كان الاستهجان والمنع أو التلويح به هو مصيرها، فهل الحرية المسموح بها داخل الكويت، والتي كانت تميزها عن عدة دول عربية أخرى تعاني مشكلات في الوقت الراهن؟ وما تأثير ذلك على الإنتاج الأدبي الجاد من وجهة نظرك؟
– هناك هامش حرية يتم تهميشه، وآخر يتم استغلاله.. أظهر الأول تيارات معينة نعرفها جميعا، قادت المجتمع والرقيب إلى رجفة الخوف واللامنطق واللاعقلانية، وكشف الآخر عن «كتابات سطحية» ساهمت بها أيضا ذات التيارات بشكل غير مباشر، لأنها أوصدت باب الوعي، إلاّ وفق مقاييس متشددة، علما أنني لا أدعو لإيقاف انهمار هذه «النتاجات الضحلة»، لأننا يجب ألا نشجع على المنع، فيعتاد الرقيب على سرعة الرفض والإقصاء، لكنني أدعو إلى فعل «الاختيار»، وذلك لن يأتي إلا بهواء نقي من الحرية يحتاج إلى وقت وإلى مجتمع يتخلص من «الشيزوفرينيا»، فلا يتذمر متجاهلا مسؤوليته عن نبذه للكتب الحيّة التي تحرض على التفكير وإعادة النظر، لا تنويم الوعي وإدخاله في الغيبوبة التي أخذتنا للتطرف، سواء في التعصب، نتيجة للكتب القاتلة، أو التفاهة في حيز الكتب الباهتة.