كتب محرر الشؤون الدولية:
لم يتسنَّ التحقق من صحة تسجيل معنون بـ «رسالة إلى تركيا»، نشره على الإنترنت، الأسبوع الماضي، المكتب الإعلامي لولاية الرقة، التي يعتبرها تنظيم «داعش» الإرهابي عاصمته شمال سوريا، يدعو فيه الأتراك إلى التمرد على الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وصفه التنظيم بـ «الخائن»، بعدما كانت تجمعهما في السابق علاقات يطغى عليها كثير من الغموض والالتباس.
وتحدَّث في التسجيل، الذي حضَّ أتباع «داعش» على غزو تركيا، أحد مقاتلي التنظيم باللغة التركية، متهماً أردوغان، بأنه «باع البلاد للصليبيين ولحزب العمال الكردستاني الملحد»، وسمح باستخدام قواعده «للصليبيين والولايات المتحدة، لمجرد أن يبقى في السلطة»، في تطور لافت يوحي بأن «الطلاق وقع» بين الطرفين، وأن «الوحش» الذي ساهم أردوغان في تربيته، انقلب عليه وشرع في مهاجمته.
التمرد على «الملحدين الصليبيين»
وما أثار عاصفةً من التكهنات المرتابة في أوساط المراقبين، أن التنظيمات المتشددة لا تصف، عادةً، عدوا لها بـ «الخائن»، في مؤشر إلى أن قيادات التنظيم أرادت لفت الانتباه إلى العلاقات التي لطالما جمعتها بأردوغان منذ كان على رأس الحكومة.
وقال المقاتل الذي كان يحمل بندقية، وهو يحذر الشعب التركي: «يا شعب تركيا.. من دون أن تضيع أي وقت، يتعيَّن عليك التمرد على هؤلاء الملحدين الصليبيين وهؤلاء الكفار الذين جعلوك عبدا للصليبيين تقاتل معهم»، ودعا إلى غزو «إسطنبول، التي يعمل الخائن أردوغان من أجل تسليمها للصليبيين».
وأضاف المقاتل، وهو جالس مع مقاتلين آخرين مسلحين،: «عموما وبأوامر من أبوبكر البغدادي.. فلنغز إسطنبول، التي يعمل الخائن أردوغان، ليلا ونهارا، من أجل تسليمها للصليبيين».
وجاءت دعوته بعد شهرين من إصدار تنظيم داعش مجلة باللغة التركية في يونيو، يقول عنوان غلافها «فتح القسطنطينية»، مشيرا إلى غزو إسلامي جديد لإسطنبول، أكبر المدن التركية.
ووافقت تركيا في يوليو على فتح قواعدها ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة أمام تحالف تقوده الولايات المتحدة، في تغير كبير في موقفها السياسي، بعد سنوات من الإحجام عن القيام بدور رئيس ضد المقاتلين الإسلاميين الذين يقتربون من حدودها.
محاربة الأكراد
ويرى مراقبون أن مقامرة أردوغان بالتظاهر بمحاربة «داعش»، بغية ضرب الأكراد، ستكلف الشعب التركي غاليا، مؤكدين أن نيران الإرهاب التي لطالما اتهمت أنقرة بتأجيجها عبر دعمها للمتشددين، ستلتهب داخل تركيا، على خلفية ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها تركيا في التصدي لظاهرة الإرهاب.
وكانت تركيا تتحفظ على مكافحة الجهاديين، واتهمت من قبل الأسرة الدولية بالتساهل حيالهم، لكن هجوماً وقع في 20 يوليو على أراضيها بالقرب من الحدود السورية، وأسفر عن مقتل 32 مدنياً، أدَّى إلى تبدل الوضع.
وبدأت أنقرة في 24 يوليو ما أسمته «حرباً على الإرهاب»، مستهدفة في شكل متزامن حزب العمال الكردستاني ومقاتلي «داعش» في سوريا، لكن عشرات من غاراتها طالت المتمردين الأكراد، مقابل ثلاث غارات فقط سجلت ضد المقاتلين المتطرفين.
ويرى خبراء أن أنقرة استغلت حادثة سروج، لبدء هجوم على الأكراد تحت يافطة محاربة «داعش»، لكن في الحقيقة، فإن الحملة موجهة أساسا ضد حزب العمال الكردستاني، وسمحت لواشنطن باستغلال قاعدة إنجرليك الجوية، لإيهام المجتمع الدولي بأنها تدعم جهود محاربة التنظيم المتشدد في سوريا.
وأكد هؤلاء أن تركيا بهذه الخطوة ستفتح على نفسها مخاطر جمة، وهو ما تجلى من خلال الدعوة الصريحة من «داعش» لغزو تركيا.
ومنذ مدة يستخدم التنظيم الحدود التركية المليئة بالثغرات لجلب المقاتلين الأجانب والإمدادات، وبدا أنه لا يستهدف تركيا في المقابل، لكن خبراء أمنيين يقولون إن الجهاديين سيعيدون تقييم هذا التفاهم، بعد أن بدأت الغارات الجوية من القواعد التركية تؤثر فيهم.
علاقات مشبوهة
وتطرح العلاقة المشبوهة بين تركيا و«داعش» الكثير من التساؤلات، فاللعبة السياسية، وفق البعض، لم تنتهِ بعد بين الطرفين.
وتعود تلك العلاقة إلى العام الماضي، حينما سيطر المتشددون على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية بعد العاصمة (بغداد)، حيث تدخلت الحكومة التركية لإطلاق سراح 32 سائق شاحنة تركياً احتجزهم التنظيم في يوليو، وأطلق سراحهم بعد تفاهمات مع أنقرة.
كما أفرج التنظيم، بالاتفاق مع أنقرة في سبتمبر الماضي، عن 49 تركياً، بعد سقوط مدينة الموصل العراقية، بينما أفرجت أنقرة، في الفترة ذاتها، عن نحو 160 متطرفاً كانوا في سجونها، لإتمام الصفقة.
أضف إلى ذلك، تسريح «داعش»، قبل شهر من ذلك، لـ 32 سائق شاحنة تركياً، بعد اتفاق أيضاً مع أنقرة، وفي نوفمبر الماضي، كشفت الأمم المتحدة العلاقة النفطية التي تربط الجانبين.
زد على ذلك، نقل أنقرة لضريح «سليمان شاه» في منطقة يسيطر عليها «داعش» في سوريا، من دون اشتباكات.
استثمار الموقف الحساس
وفي موازاة ذلك، أعلن أردوغان أن بلاده تتقدَّم بسرعة باتجاه انتخابات مبكرة، إثر فشل المشاورات السياسية لتشكيل حكومة ائتلافية، في خطوة اعتبرها مراقبون «رغبة شديدة الأهمية لدى أردوغان لاستثمار حساسية الموقف»، والخروج من المأزق السياسي الذي يعتري حزبه. وسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تطليق الفراغ السياسي وتشكيل ائتلاف مع قوى معارضة، بعدما فقد في يونيو الماضي الأغلبية البسيطة في البرلمان وفقد معها إمكانية تشكيل الحكومة بمفرده، كما كان الأمر منذ 2002.
غزو تركيا
في السياق ذاته، تباينت المواقف في البلاد بشأن الانعكاسات المحتملة لدعوة تنظيم داعش أنصاره لغزو تركيا، وسط شكوك من المعارضة حول توقيت هذا التهديد، الذي تزامن مع استعدادات البلاد فعليا لخوض انتخابات مبكرة.
ويرى خصوم الحزب الحاكم، أن حديث «داعش» عن غزو تركيا «سيخدم أردوغان والعدالة والتنمية»، قبيل التوجه إلى الانتخابات المبكرة المزمعة، فيما أكدت مدونات إعلامية تركية، أن حالة التعبئة العالية التي وضع الحكم المواطنين الأتراك فيها، بدأت منذ خسارة «داعش» أمام الأكراد في تل أبيض، واستمرت مع خسارة «العدالة والتنمية» الأغلبية في الانتخابات، وتقدّم الأكراد في السباق الانتخابي.
ويعتقد البعض أن الربط بين معارك تنظيم داعش العسكرية في الشمال السوري على تخوم الحدود التركية ومعارك أردوغان السياسية في الداخل يصبح أمرا واقعا مع كل يوم تسجل فيه المزيد من التطورات الأمنية والتوترات السياسية.
في المقابل، يرى مراقبون أن تركيا ستتعرض لهجمات خطيرة خلال الفترة المقبلة، سواء من الأكراد أو من «داعش»، حيث ستكون هناك جبهتان ستضربان البلاد، وهذا سيضر أنقرة كثيراً، وأن ما يحدث نتيجة طبيعية لمن يتستر على الإرهاب.