تواصل «الطليعة» نشر دراسة تضمنها الإصدار الأخير لمركز الخليج لسياسات التنمية، الذي حمل عنوان «الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر»، وتسلط الضوء على الفصل الخاص، الذي حمل عنوان «الواقع والمأمول: رصد لحالات التطبيع في دول مجلس التعاون وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات»، الذي ينقسم بدوره إلى جزأين؛ الأول يرصد التطبيع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودولة الاحتلال، ويبحث في التوجه السياسي الرسمي حيال سلطة الاحتلال والوضع الراهن في فلسطين، فيما يسلّط الثاني الضوء على 5 شركات متورطة في جرائم الاحتلال، وهي ذات وجود كثيف في سوق الخليج، للفت الانتباه إلى خطورة دورها في دعم الاحتلال في فلسطين، على أمل استغلال هذا الوجود في الخليج، للضغط عليها، من أجل إنهاء تعاملها مع الاحتلال.
وفي ما يلي، نستعرض الشركات الموجودة في الخليج، وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
خامساً: شركة جي فور أس (G4S)، هي شركة أمن متعددة الجنسيات، مقرها في بريطانيا، وهي متواطئة مع الاحتلال في خرق قوانين حقوق الشعب الفلسطيني بشكل يومي، نتيجة عملها في الأراضي المحتلة، وتطويرها أنظمة السجون، التي يعاقب بين جدرانها قاصرون ومعتقلون سياسيون كثر، من دون محاكمة.
أحد أبرز العقود بين «G4S» ودولة الاحتلال كان في 2007، حين وقَّعت الشركة عقداً مع مصلحة السجون الإسرائيلية، لتزويدها بأنظمة أمن خاصة للسجون الرئيسة داخل أراضي 1948، والتي تنقل إليها إسرائيل سجناء سياسيين، خارقة بذلك اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنصُّ على عدم قانونية نقل السجناء من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال.
ولم يتوقف التواطؤ عند هذا الحد، إذ وفَّرت «G4S» معدات لسجن عوفر، الواقع في الضفة الغربية المحتلة، وأيضاً لمراكز الاعتقال، وقد تمكنت منظمات حقوق الإنسان من توثيق التعذيب المنهجي والمعاملة السيئة للسجناء الفلسطينيين هناك، بما في ذلك السجناء الأطفال، ما دفع بمنظمات حقوقية عالمية، وضمنها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين (DCI– Palestine)، إلى إصدار نداء عاجل، للحد من ممارسة توقيف الأطفال في زنزانات الحبس الانفرادية في الكيان الصهيوني.
ومع بدء المعتقلين السياسيين الفلسطينيين إضرابهم الجماعي المفتوح عن الطعام في 2012، دعت مؤسسات فلسطينية عديدة، كمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساءلة شركة «G4S» حول تورطها الواضح في «تقديم خدمات أمنية في المستعمرات، وجدار الضم، والفصل العنصري، والسجون، ومراكز التوقيف والتحقيق، التي يتعرَّض فيها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون لمختلف أنواع التنكيل والتعذيب خلال فترة احتجازهم.
حملات المقاطعة التي استهدفت «G4S»
من أبرز نجاحات حركة المقاطعة العالمية BDS، إعلان «G4S»، في الاجتماع العام لمساهمي الشركة في لندن في 2014، نيتها عدم تجديد عقودها في السجون الإسرائيلية عند الانتهاء من عقدها الجاري في 2017. وكان هذا القرار، نتيجة الضغوط، التي نتجت عن الحملة العالمية ضد الشركة، والتي أسفرت عن عدة نجاحات.
ففي 2013، أنهت نقابة عمال هولندية، تضم 350 ألف عضو، علاقتها مع «G4S»، وفي السنة نفسها، أقصى أحد أهم مراكز معالجة ضحايا التعذيب في جنوب أفريقيا الشركة من عقد أمن، بعد جهود حثيثة من حملة المقاطعة المحلية في جنوب أفريقيا.
وأخيراً، باعت مؤسسة بيل وميلندا غيتس جميع أسهمها في الشركة، والتي كانت تقدر قيمتها بـ 184 مليون دولار.
وعلى مستوى الجامعات، أنهت جامعة دندي، نتيجة حملات قام بها طلاب الجامعة الأسكتلندية عقود شركة «G4S» ومياه ينابيع عيدن.
وفي 2014، ألغى المجلس الطلابي في جامعة كينت البريطانية عقده مع الشركة. وتواصلت النجاحات في 2013، حيث استبعدت جامعة بيرغن النرويجية «G4S» من عقود الحماية والأمن، بسبب تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني. وكان ذلك، بعد أن أنهت نقابة عمال الطاقة والصناعات الثقيلة في النرويج عقدها مع الشركة. وفي الأسبوع نفسه، مرَّرت جمعية المعلمين في شرق لندن قرار إدانة لدور «G4S» في عملية احتجاز الأطفال الفلسطينيين.
وعلى الرغم من عدم إحراز أي نجاح للحملة ضد «G4S» في العالم العربي، فإن تحركاً قوياً قد بدأ على الأرض في المغرب والكويت ومصر والأردن ضد الشركة، حيث قامت مجموعة المقاطعة «BDS Kuwait» بمراسلة مدير شركة الملا للحراسة ومؤسسة التأمينات الاجتماعية الكويتية، التي تملك أسهماً في الشركة، وهناك أنباء عن تحقيق رسمي كويتي في تورط الشركة في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
نشاطات «G4S»
في دول «التعاون»
للشركة تواجد بارز في دول مجلس التعاون، على الرغم من وجود شركات أمن محلية عدة. وتقدر «G4S» قيمة سوق الأمن بـ 7 مليارات دولار هذا العام، مع معدل نمو سنوي بنسبة 10 في المائة بدول المجلس ومصر.
ونظرة على دول المجلس تؤكد هذا التوسع الهائل، ففي قطر – حيث الشريك المحلي للشركة هي مجموعة شركات العطية للتجارة – تدعي «G4S» على موقعها، أنها الرائدة في مجال الخدمات الأمنية والسلامة في قطر، وتفاخر بحجم عقودها إعلامياً.
وفي 2010، حصلت على جائزة «أفضل نمو في المنطقة». وكان أبرز العقود التي نجحت «G4S» في الحصول عليها عقد مطار حمد الدولي، وهو ثلث حجم مدينة الدوحة، وبإمكانه أن يستوعب 30 مليون مسافر سنوياً في المرحلة الأولى من افتتاحه. وتشمل (ولا تقتصر) مسؤوليات الشركة لهذا المشروع على توفير الخدمات الأمنية للخطوط الجوية القطرية، وتوفير الدعم الأمني لموظفي وزارة الداخلية القطرية.
وبهذا، نجد أن الشركة تساعد في إنجاز التفتيش الأمني للركاب وحقائبهم والمساعدة في تسهيل حركة العبور، في الوقت نفسه الذي تعيق الشركة نفسها حرية التنقل للفلسطينيين الذين يمرون بأنظمتها الأمنية التي طورت لخدمة الاحتلال.
أما في الكويت، وكما ذكرنا، تمتلك مؤسسة التأمينات الاجتماعية الكويتية أسهماً في الشركة، وشريكها المحلي في الكويت هي شركة الملا للحراسة.
وسبق أن راسلت مجموعة المقاطعة «BDS Kuwait» المؤسستين على أمل الضغط على الشركة للانسحاب الكلي من توفير خدمات لقوات الاحتلال، أو إنهاء الشراكة معها، وسحب الاستثمارات، كي لا تكون أموال الكويت شريكة في الاحتلال وخرق القوانين الدولية والإنسانية.
وفي المملكة العربية السعودية، قامت ضجة عام 2013، حين تبيَّن أن المملكة منحت شركة «G4S» عقداً لتوفير خدمات أمنية لجزء من مناسك الحج في الحرمين الشريفين.
وذكرت عريضة من «طلاب لأجل العدالة لفلسطين»، موجهة إلى أمير منطقة مكة المكرمة خالد بن فيصل آل سعود ووزير الداخلية، آنذاك، محمد بن نايف آل سعود، أن «لفلسطين والقدس مكانة خاصة في الإسلام. القدس هي المكان الأول للقبلة، وهي المكان الذي شرعت فيه الصلوات، كما أن للقدس مكانة عالية عند جميع الأنبياء والرسل، وبسبب الطبيعة الخاصة لفلسطين، ولأن العدالة أمر أساسي في الإسلام، نطالب المملكة العربية السعودية، بأن تنهي علاقتها مع شركة جي فور إس».
وعلى الرغم من جميع المراسلات، فإن السعودية لم تنهِ العقد، ويتوقع أن تستمر الشركة في توفير خدماتها للحجاج السنة المقبلة أيضاً.
وتتبع شركة «G4S» في السعودية شركة المجال للخدمات الأمنية، التي تدَّعي على صفحتها للمسؤولية الاجتماعية، أن «G4S» بوصفها شركة عالمية حقاً.. لديها القدرة في إحداث أثر حقيقي في المجتمعات التي تعمل فيها، لكن يبدو أن الشركة لا تشعر بأي مسؤولية تجاه معاناة المعتقلين والأطفال الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال.
من أين ننطلق؟
يشكل حجم الفرص الاستثمارية المتوافرة في دول المجلس ورقة ضغط يجب استغلالها لإجبار هذه الشركات على وقف مساندتها للأعمال الاستيطانية.
وبما أن دور تلك الشركات في دعم الاستيطان لا يحظى بتغطية إعلامية واسعة، لذلك، فإن الخطوة الأولى تكمن في توعية العامة بالأنشطة الاستيطانية لتلك الشركات، ومدى وجودها في دول المجلس. ونلاحظ أن تلك الحملات التوعوية تنشط، في ظل وجود مؤسسات مجتمع مدني فعَّالة، حيث هناك نشاط طلابي، من خلال محاضرات وفعاليات كتلك التي بدأنا نشهدها في دول مجلس التعاون.
وكما رأينا على مستوى التطبيع، هناك عدة قرارات عربية للمقاطعة، لكن لم يتم تفعيلها جميعاً، حتى في ظل وجود مكاتب للمقاطعة في غالبية دول مجلس التعاون، لذلك، يتطلب تفعيل هذه القرارات حراكاً شعبياً على مستوى المجتمع.
وقد يعيق وجود مجتمع مدني خجول في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي للتحرك نحو تحقيق أهداف حملة المقاطعة، كما يحدث في الغرب، لكن هذا لا يحول دون وجود جوانب عدة تمكن الفرد في دول مجلس التعاون من التأثير في قرارات الشركات، التي يتم التعاون معها في الحرم الجامعي أو المؤسسات التي يعمل بها، كما أنه أصبح لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في الضغط على الشركات.
نداء لتشكيل مجموعات مقاطعة فاعلة
وجَّه مؤلف الكتاب في ختام هذا الفصل نداءً، لتشكيل مجموعات مقاطعة فاعلة في كل دول المجلس، كما حصل في الكويت وقطر، والبدء في الانضمام إلى حملات ضد الشركات الدولية، مثل «فيوليا» و«ألستوم» و«G4S» و«HP»، وهذا التحرُّك يتضمن مخاطبة الجهات الرسمية أو غير الحكومية، لإنهاء عقد أو استثناء إرساء عطاء على أي من الشركات المستهدفة، من خلال جهود فردية، أو عن طريق مجموعات غير رسمية.
وأخيراً، ننوه إلى أن المقاطعة الاقتصادية جزء واحد من نداء المقاطعة، إذ تنشط أيضاً الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، وهي موكلة من قبل اللجنة الوطنية الفلسطينية لـBDS بمراقبة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، ولها أيضاً نجاحات عدة في تفعيل مقاطعة إسرائيل الأكاديمية عالمياً، وهي تحتاج، بدورها، إلى البحث في إصدارات قادمة حتى نستلهم العِبر منها في الخليج.