
كتب محرر الشؤون المحلية:
كشفت الحلقة الأولى من ملف الأزمة المرورية، تفاقم اختناق الشوارع بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، كما حصدت حرب الشوارع والطرقات أرواح 286 مواطناً ومقيماً في الأشهر السبعة الأولى من 2015، فضلاً عن إصابة 780 مواطناً ومقيماً خلال 74 ألف حادث مروري، وبلغت خسائر الكويت نحو 4 مليارات دينار سنوياً، من جراء هذا النزف المتكرر بصفة شبه يومية.
وترصد الحلقة الثانية من ملف الأزمة تدخل الواسطة في منح كثير من رخص القيادة.. فعلى مدى السنوات الماضية، نال رخصة القيادة آلاف المواطنين والمقيمين، بلا اختبارات حقيقية، عبر دفع رشاوى أحياناً، وتدخل متنفذين، أحياناً أخرى، والنتيجة آلاف الأشخاص يقودون مركباتهم بلا دراية كافية بقواعد القيادة وقوانين المرور، ومن ثم يتسببون في حوادث مروعة.
ووصفت مصادر مطلعة بعض إدارات المرور في البلاد، بأنها عالم خفي، وله دهاليز لإنجاز معاملات استخراج الرخص وتجديدها، لكن أقسام الاختبارات، هي البؤرة التي تشهد الكثير من التجاوزات والمخالفات، بدءاً من إعطاء الرخصة بلا اختبار حقيقي، مروراً بإعطائها لأشخاص لا تنطبق عليهم الشروط، انتهاء بتسليم رخص لبعض الأشخاص المحسوبين على متنفذين خلال دقائق معدودة، ومحصلة ذلك ما نراه في الشوارع والطرقات من فوضى ورعونة ونزف دماء.
مَن المتهم؟
ووفق مراقبين للشأن المروري، فإن أصابع الاتهام توجه في المقام الأول إلى وزارة الداخلية، لأنها الجهة القائمة على أمن البلاد وحماية أرواح العباد، ولا تطبق القانون، كما يجب.. إما بسبب ترهل الرقابة الأمنية والمرورية، أو لعدم متابعة حال الطرقات والشوارع بصورة جدية، فضلاً عن تطبيق القانون بمزاجية وانتقائية، ما يعطي الضوء الأخضر للمستهترين والمخالفين، ليتمادوا في كسر القانون والاستهتار، وتعريض أرواح الآخرين للخطر.
واسطة مكشوفة
لكن الأدهى والأمرّ، تحول الواسطة إلى وصفة سحرية، للحصول على رخص القيادة، ومن دونها لا يمكن الحصول عليها بسهولة، حيث تحفل أقسام منح الرخص وتجديدها بروايات حول تدخل الواسطة بصورة واضحة ومفضوحة بلا تورع أو خشية من المحاسبة أو العقاب، وأصبح من اللافت وجود «دفاتر» في بعض أقسام المرور مختومة أوراقه من قبل المسؤولين وممهورة بالتوقيع لتسهيل مهمة حامل الورقة أو التوصية بإنجاز المعاملة، على غرار «يرجى تسهيل مهمة حامله، لأنه يهمنا أمره، أو «يرجى تقديم اللازم إلى هذا الشخص»، ومن ثم يقدم مرؤوسو هذا المسؤول الخدمة المطلوبة للشخص المحظي بالتوصية.
وروى مواطنون ومقيمون حكايات من واقع الواسطة المؤلم، حيث أكد «عبدالله، أنه قصد قسم المرور الكائن في منطقته لاستخراج رخصة قيادة، ولم يلجأ إلى الواسطة في بداية الأمر، إلا أنه رسب في الاختبار النظري، رغم أنه أجاب عن الأسئلة جميعها.
وأضاف: خضعت للاختبار مرتين، ورسبت فيهما، وفي الثالث نجحت، لأني لجأت إلى أحد الأشخاص الذين يعرفون رئيس قسم الاختبار في قسم المرور.. وبعد الاتصال به من قِبل الشخص الذي أعرفه، أعطاني ورقة موقعة منه للشرطي المشرف على الاختبار، فاجتزته بسهولة، وحصلتُ على نسبة مائة في المائة، ثم لجأت للواسطة نفسها في الاختبار العملي، ولم أقد السيارة في ميدان الامتحان، إلا بصورة روتينية، ثم حصلت على رخصة القيادة.
رخصة بلا اختبار
أما فاطمة الجاسم، فتؤكد أنها رأت بأم عينيها التلاعب في اختبارات القيادة، حين رافقت شقيقتها في أحد أقسام المرور، حيث فوجئت بفتاة تعرفها جيدا، وكانت زميلة لها في الدراسة، وقد دخلت مباشرة على رئيس قسم المرور، فخرجت من عنده إلى قسم استخراج الرخص، وتسلمت رخصتها خلال دقائق من غير الخضوع لأي اختبار، بينما رسبت شقيقتها 3 مرات، لأنها ذهبت بلا واسطة.
ناس وناس
ووفق محمد راشد، فإن القوانين تطبق على ناس وناس، مشيراً إلى أنه فوجئ قبل شهر بأحد الشباب يصدم سيارته من الخلف، وفرَّ هارباً، لكنه تمكَّن من التقاط رقم مركبته.
وأضاف: أبلغت غرفة عمليات الداخلية فأحالوني إلى أحد مخافر المنطقة العاشرة، حيث موقع الحادث، وزودت المحقق هناك برقم المركبة، وفوجئت حينما تم استدعاء الشخص الذي صدمني، بأنه «حدث»، ويقود بلا رخصة قيادة، وتوقعت أن يتم اتخاذ إجراء مشدد بحقه من قِبل رجال الأمن، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث خرج هذا الشاب من المخفر بعد اتصال تلقاه الضابط المسؤول من شخصية متنفذة، ولا تزال القضية متداولة في أروقة المحاكم.. ورغم أنني تقدمت بشكوى إلى الإدارة المختصة بوزارة الداخلية، لكن لم يُبت فيها حتى الآن، وقد مضى على الواقعة شهر.
روايات الوافدين
أما روايات الوافدين، فهي أكثر من عجيبة، حيث تؤكد أنهم يمثلون وسيلة مضمونة للاستغلال والحصول على الرشاوى، التي يضطر كثير منها إلى دفعها، للحصول على رخص القيادة. وإذا كان بعض المواطنين يلجأون للواسطة، لإنجاز معاملاتهم في أقسام المرور، فإن الواسطة أو دفع الرشاوى من موجبات قضاء المصالح بالنسبة لشريحة كبيرة من الوافدين. لكن اللافت في الأمر، وجود سماسرة لإنجاز المعاملات وتخليص رخص القيادة في بعض أقسام المرور، وهناك «تسعيرة» يحددها هؤلاء السماسرة لمن يرغب في إنجاز معاملته. ووفق مصدر مطلع، فإن منح الرخصة لمن تنطبق عليه الشروط يتراوح بين 150 و250 ديناراً.. أما الشخص الذي لا تنطبق عليه الشروط كاملة، أو يفتقد إلى بعضها، فإن قيمة الرشوى ترتفع إلى نحو 400 دينار.
وسطاء التلاعب
ويقول مجيب الرحمن: غالباً ما يقوم بعض مندوبي الشركات بدور الوسيط بين الشخص الذي ينجز المعاملات في أقسام المرور، والوافدين الراغبين في استخراج رخص قيادة أو تجديد دفتر المركبة، أو حتى تجديد الرخصة نفسها، ولكل معاملة من ذلك تسعيرة معينة.
ويروي مجيب الرحمن بعض ما يحدث في دهاليز استخراج رخص القيادة من تلاعب وكسر للقانون، مؤكداً أن الوافد لا يمكن أن يستخرج رخصة بلا واسطة، حتى لو كان يقود سيارة في بلده منذ عقود من الزمان، إذ لابد من توصية أو اتصال من متنفذ، لكن الأولوية لمن يدفع رشوى، ففي ذلك اختصار للطريق.
ويؤكد أن أحد الوافدين يعمل بائعا في جمعية وراتبه لا يتجاوز الـ120 ديناراً، وتمكن من استخراج رخصة قيادة، بعد أن دفع 400 دينار إلى أحد مندوبي الشركات، وهذا الأخير يتعامل مع أحد العاملين في قسم مرور، وقد اعتاد إنهاء المعاملات بمقابل مادي، ويتم اقتسام حصيلة الرخص بين أطراف عدة.
دوريات أمن تركن في الممنوع
حين يقدم رجال الأمن على كسر القانون، فمن الذي يطبق القانون ويضبط المستهترين؟
سؤال يطرح نفسه، بعد أن تزايد ركن بعض دوريات الأمن والمرور في الممنوع، فقد فوجئ مرتادو أحد المجمعات الشهيرة نهاية الأسبوع الماضي بدورية مرورية تركن في المواقف المخصصة للمعاقين، فيما تواجدت دورية بوضع خاطئ في محيط المجمع.
حبر على ورق
أكد مصدر مسؤول، أن المشكلة ليست في عدم وجود قوانين، بل في تطبيقها، فالجهة القائمة على الأمن تتراخى في المتابعة والمراقبة، ومن ثم يصبح القانون حبراً على ورق. ولفت المصدر إلى أن قانون ربط الحزام أثناء القيادة غير مطبق بصورة كافية، كما أن التحدث في الهاتف النقال أثناء القيادة مستمر بلا رادع.
معاملات غير قانونية
أكد مصدر مطلع، أن عشرات المعاملات غير القانونية تم اكتشافها أخيرا في إحدى إدارات المرور.. ورغم التصريحات المتكررة عن التشدد في الإجراءات، فإن القانون يطبَّق بمزاجية، ومن لا واسطة لديه، هو الذي يخضه للضوابط والإجراءات.
حوادث قاتلة
تزايدت الحوادث المروعة في الشوارع والطرقات، بسبب السرعة الجنونية، وتجاوز الإشارة الحمراء، لكن الأخطر من ذلك، تدخل الواسطة، ليفلت المستهترون بالأرواح من العقاب.