المغرب: جدل حقوقي وسياسي بشأن مشروع القانون الجنائي

كتب شكري الصيفي:
بينما يتواصل الجدل، بشأن مشروع القانون الجنائي المغربي، الذي بلورته حكومة بن كيران الإسلامية، بانتظار العودة السياسية في أكتوبر المقبل، ارتبط الجدل حول مسودة القانون الجديد، بإثارة النقاش، مجددا، بين مؤيدي عقوبة الإعدام والداعين إلى إلغائها.

ورغم أن النقاش حول المسودة لم يكتمِل بعد، فقد حشد كل طرف استعدادته لهذه المواجهة القانونية والسياسية والاجتماعية، قبل جولة جديدة من الصراع.

ووضعت وزارة العدل مسودة المشروع على موقِعها الإلكتروني منذ مطلع هذا العام، ودعت الحقوقيين والسياسيين لمناقشتها، قبل أن تقدم في صيغة مشروع قانون يقِره مجلس وزاري، قبل عرضه في مرحلة لاحقة للمصادقة البرلمانية.

وعرفت هذه المسودة مئات التعديلات على القانون الجاري به العمل.

وأوضحت وزارة العدل والحريات المغربية، أن المسودة تأتي في إطار دستوري وحقوقي جديد، هدفه ملاءمة القانون الجنائي مع الدستور، وتعزيز الحماية القانونية والقضائية، والتوافق مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، التي صادقت عليها الرباط، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، من دون أن تشمل هذه الاقتراحات مبدأ «إسلامية» الدولة التي يرأسها «أمير المؤمنين»، أي الملك المغربي.

جدل

جدل متصاعد وواسع أثارته المسودة  خلال ندوات أو تصريحات برامج تلفزيونية، رغم تأكيدات حكومية، أنها اجتهاد قابل للصواب والخطأ، وأن النقاش حول المسودة لا يزال مفتوحا، وقابلا لجميع المقترحات، إلا أنها لم تلـقَ القبول من طرف جمعيات وهيئات حقوقية، اعتبرت أن بعض فصولها مخالِفة للدستور، وفيها مساس بحقوق الإنسان، وتراجع عن بعض المكاسِب، وخاصة ما ورد فيها من تنصيص على عقوبة الإعدام والحريات الشخصية.

ومع أن القانون الجنائي، هو أعلى قوانين الدولة، بعد الدستور، إلا أن النقاش الذي دار حول مسودة مشروع القانون اهتم بقضايا تصنف ضمن القناعات والحريات الشخصية، باستثناء عقوبة الإعدام، تجريم الإفطار العلني في شهر رمضان، والعلاقات بين الجنسين واللباس.

وفي نص المسودة، اقتصرت عقوبة الإعدام على «الجرائم الخطيرة وجرائم القتل والمس بأمن الدولة، الداخلي والخارجي»، وأبدى وزير العدل استعداده للاستماع إلى آراء مناهضي ما جاءت به المسودة في هذا المجال، مشيراً إلى أنه تم استبدال بعض العقوبات السالِبة للحرية قصيرة الأمد بغرامات مالية فقط، واستبدال عقوبة التجريد من الحقوق الوطنية أو الإقامة الإجبارية بالحبس من سَنة إلى 5 سنوات، بالإضافة إلى حذف العقوبة السالبة للحرية، أي الاعتقال في المخالفات.

انتقاد

وانتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رغم تصنيفة ضمن المؤسسات الرسمية (الخلفية المحافظة) للمسودة، واعتبر مسؤولون بالمجلس، أن النص يتضمن خلفية نظام عقوبات ديني، داعين إلى إلغاء عقوبة الإعدام بصفة نهائية من مشروع القانون، ما دامت لم تنفذ في المغرب منذ بداية التسعينات.

من جهتها، عبَّرت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عن وجود تداخل بين الشأن الخاص والشأن العام في القانون الجنائي، وانطوائه على الْتِباس، وغموض بخصوص تجريم ازدراء الأديان، ما من شأنه تقييد حرية الفِكر والتعبير، بعدم وضوح استراتيجية التقليص من عقوبة الإعدام والالتباس بخصوص التنصيص على العقوبات البديلة.

قانون لمكافحة الجريمة

النقاش الذي أثير حول هذه القضايا وكيفية معالجتها من طرف المسودة المنشورة للقانون الجنائي الجديد، عقب عليه وزير العدل الإسلامي، مصطفى الرميد، وهو العضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وذو المرجعية الإسلامية، الذي اعتبر أن القانون الجنائي ليس قانونا للحقوق والحريات فحسب، بل هو أيضا قانون لمكافحة الجريمة، واعتبر الوزير أن الخلاف القائم حول بعض بنود القانون لا يؤثر في نتائج النقاش، مضيفا أن المسودة لا تتضمن أي نصوص تعاقِب على تغيير أي شخص لدِيانته، مشيرا إلى أن العقوبات المُرتبطة بتغيير الدين لها علاقة بوجود استِغلال لعوامل أخرى مؤثرة.

وأكد أن القانون لن يتدخل في حال تحول الناس إلى دين آخر أو إلى الإلحاد.

وفي ما يخص مسألة ازدراء الأديان، أكد الرميد أنها لا تتعلق بازدراء الذات الإلهية والأنبياء، ولا تشمل الأديان بشكل عام، من أجل ألا يتم تقييد حرية الفِكر، وخاصة إذا تعلق الأمر بقضايا قد تكون فيها العديد من وجهات النظر، كالإرث مثلا، لهذا لا يمكن أن يكون محلّا للمساءلة القضائية.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.