حوار إيهاب علام:
لم يأتِ الاستبيان الذي قامت به أمانة مجلس الأمة، بتكليف من رئيس المجلس، لمعرفة الأولويات للمواطنين، بجديد، حينما وضع القضية الإسكانية على رأس هذه الأولويات، فالكل يعلم أهمية هذه القضية، والحاجة الماسة لحلها.
فالمواطن الكويتي يعاني منذ عقود تأخر حصوله على سكن خاص لسنوات قد تصل إلى أكثر من 15 عاماً. فالقضية الإسكانية منذ ثمانينات القرن الماضي وهي تشغل الجزء الأكبر من اهتمام المواطنين، وخصوصاً مع الارتفاع المتزايد والمستمر في القيم الإيجارية للبيوت والشقق السكنية.
ومع الصخب الإعلامي الذي لفّ القضية الإسكانية بعد استبيان المجلس المذكور – وكأن هذه القضية المهمة كانت تنتظر الاستبيان حتى يتم التحرُّك لحلها – استبشر البعض خيراً في اتخاذ خطوات لحلحلة هذه القضية، ولم لا؟ فالقضية المسكوت عنها منذ عقود أصبحت الحديث الأول في البلاد، وبالتالي أصبحت محط اهتمام السلطتين، فهي قضية جيدة للتكسُّب الشعبي، بعد أُفُول نجم قضية القروض الاستهلاكية. وزاد هذا التفاؤل مع إعلان وزارة الدفاع التنازل عن بعض الأراضي التي تحت سيطرتها، للمساهمة بحل هذه المشكلة، والأمر ذاته سارت عليه وزارة النفط، وهو ما زاد من جرعة التفاؤل عند المواطنين، فكل الظروف أصبحت مهيأة للشروع في حل هذه المشكلة.
لكن وسط حالة التفاؤل هذه ما زالت هناك الكثير من التخوُّفات، أن تعود الأمور إلى سابق عهدها بين السلطتين، وتعود مجددا حالة الشد والجذب، وتضيع القضية مع صراعات السلطتين، مثلما ضاعت سابقاً، وخصوصاً أن الفصل التشريعي الجديد على الأبواب.
كما أن هناك تخوُّفات من عدم ابتكار الحكومة حلولا جديدة للمشكلة، وتظل تسير على نفس النهج السابق، وفي هذه الحالة، فإن تحرُّكات الحكومة لن تجدي نفعاً، وسنجد أنفسنا نقف في نفس المربع من دون أي تقدم.
فقضية معقدة، مثل القضية الإسكانية، تحتاج إلى ابتكار حلول جديدة، وفي الوقت ذاته تغيير الثقافة الإسكانية السائدة في البلاد، واعتماد نماذج بناء جديدة، مثل أنظمة البناء العمودي، حيث إن فشل هذه التجربة مرة ليس المقياس الدقيق لإصدار حكم بالغاء هذا النظام. كذلك، لابد من تغيير المنظور العام للمنزل، وتقليل مساحات القسائم إلى أقل من 400 متر، والسماح لمن يملكون منازل بمساحات كبيرة بتقسيم هذه المنازل لأولادهم، ومن دون تطبيق مثل هذه الحلول، ستظل المشكلة الإسكانية قائمة، ولن تكون كل المساحات المتاحة للبناء في الكويت كافية لحل هذه المشكلة، فالطلبات تتزايد عاماً بعد الآخر بشكل كبير، فقد وصلت هذه الطلبات، وفقاً لأحدث دراسة، إلى أكثر من 105 آلاف طلب إسكاني مطلع العام الحالي، في حين يتوقع أن تصل إلى 407 آلاف طلب خلال الـ 20 سنة المقبلة، وهذا يعني – وفق الدراسة – أن الموجود من الأراضي في السوق لا يلبي طلبات سنة واحدة من الطلبات الإسكانية، وهذا ما يستدعي اللجوء إلى الحلول الجديدة لحل المشكلة.
المشكلة الأهم
وتعليقاً على هذه القضية، ومدى جدية الحكومة في حلها، كان الحوار التالي مع الخبير العقاري وأمين سر اتحاد العقاريين قيس الغانم، الذي أكد في بداية حديثه لـ”الطليعة”، أن الحكومة حتى تكون جادة في حل المشكلة الإسكانية يجب أن تكون على إلمام تام بجميع أبعاد المشكلة، حتى إذا ما شرعت في وضع الحلول تكون هذه الحلول قائمة على أسس علمية، وعلى رأس هذه الحلول حل مشكلة ندرة الأراضي، فهي العقبة الأكبر في القضية الإسكانية، وعلى متخذي القرار أن يكون تحركهم هذه المرة في حل القضية تحركا جادا، وعليهم الوضع في الاعتبار الحلول التي تطرح من الجهات المتخصصة، فهذه الحلول من الممكن أن توفر على الحكومة الكثير من الجهد والمال، فكثير من الجهات المتخصصة حددت بشكل جيد المشكلة الإسكانية في الكويت وأسبابها، وحددت أيضا طرق علاجها، والأمر لا يحتاج إلا إلى تحرُّك الجهة التي تملك القرار، وهي الحكومة، فجميع الحلول، سواء كانت قصيرة أو بعيدة الأجل، تحتاج إلى التفعيل من قِبل الحكومة، والإسراع في تطبيق هذه الحلول، حتى لا تتفاقم المشكلة أكثر فأكثر.
ومن أهم حلول المشكلة الإسكانية، التي يجب أن تأخذ بها الحكومة – إذا كانت جادة في حل المشكلة – تحرير الأراضي، وإقرار قوانين جديدة للتمويل العقاري، وإشراك القطاع الخاص في عمليات التطوير، والمساهمة في حل المشكلة الإسكانية، وعدم انفراد الدولة بدور اللاعب الأساسي في تقديم خدمة الرعاية الإسكانية، فالاتهامات التي تكال دائما للقطاع الخاص بأنه هو المحتكر للأراضي وهو السبب في المشكلة الإسكانية ليست في محلها.
● الحكومة تملك الأموال الكافية لبناء مدن سكنية، وتملك اتخاذ القرار، وتؤكد جديتها في حل المشكلة.. فهل هي قادرة على حل المشكلة بمفردها؟
– الحكومة لن تكون قادرة على حل المشكلة الإسكانية بمفردها، فالقضية معقدة ومتراكمة منذ سنوات، لذلك، لابد من إشراك القطاع الخاص، للمساهمة في حل هذه القضية، وإذا لم تستفد الحكومة من إمكانيات وخبرات القطاع الخاص، فلن تستطيع حل المشكلة، وسنجد خططها تحوَّلت إلى «كلام في كلام”، فكثير من الوزراء – سابقا- أكدوا وضعهم خططا لحل المشكلة، وكل هذا تحوَّل إلى حبر على ورق، ولم نلمسه على أرض الواقع. فإشراك القطاع الخاص في التنمية الإسكانية، من خلال تعديل بعض القوانين، يُعد الخطوة الأولى لحل هذه القضية، وإذا لم يتم تعديل القوانين المعوقة لإشرك القطاع الخاص في حل المشكلة الإسكانية لن تجد الحلول الحكومية وحدها نفعا. وهذا يتطلب تغيير أفكار المسؤولين في القطاع الإسكاني عن القطاع الخاص، حيث يجب أن تكون لديهم قناعة أن القطاع الخاص عامل مساعد في حل المشكلة الإسكانية وليس عاملا محاربا لهؤلاء المسؤولين، فهذه رؤى خاطئة جدا، ويجب إصلاحها، ويجب أن تدرك هذه العقلية أن القطاع الخاص مكمل للقطاع الحكومي، وليس عدوه، وفي هذه الحالة يمكن أن نحل المشكلة الإسكانية.
ولو استمرت الحكومة على النهج نفسه الذي كانت تسير عليه سابقا، فإن كل حلولها لن تتخطى حدود الكلام والحبر على الورق من دون نتيجة تذكر، «ومن يُرد حل مشكلة، فعليه اتخاذ خطوات جادة وسريعة لحلها».
● بمناسبة الحديث عن إشراك القطاع الخاص في حل المشكلة الإسكانية، هناك اتهام يتردد دائماً أن القطاع الخاص لا يهمه حل المشكلة، بل كل ما يهمه التكسُّب والربح من المشاريع الإسكانية؟
– الكلام كثير، والشائعات وتوزيع الاتهامات موجودة في كل مكان، وإذا استمعنا للكلام فقط من دون أن نقيّم الأمور، فإننا سنظل في المكان نفسه، ولا نحقق أي تقدم يذكر. ومن المعروف أن القطاع الخاص في أي دولة في العالم قطاع ربحي، وهذا أمر لا يعيبه، طالما يلتزم المعايير والقوانين، ويساعد الدولة في تحقيق أهدافها التي تسعى لتحقيقها، وإذا كانت هناك بعض الشوائب في القطاع الخاص، فيجب استبعادها، وهذا لا يعني أن كل القطاع الخاص سيئ، بل على العكس، هناك الكثير من الدول التي اعتمدت في نهضتها وتطورها على القطاع الخاص.
والقول بضرورة إشراك القطاع الخاص في العملية الإسكانية لا يعني إلغاء رقابة الدولة، إذ من الممكن أن تراقب الدولة جميع المشاريع والمدن السكنية التي ينفذها القطاع الخاص، وتلزمه المعايير الموضوعة والمواصفات المطلوبة. وهناك بعض الدول العربية التي استعانت بالقطاع الخاص في المساهمة بحل المشكلة الإسكانية، وإنشاء مدن إسكانية متكاملة، ويمكننا الاستفادة من هذه التجارب. وإذا كانت بعض الدول نجحت في تنفيذ هذه التجربة، فلماذا لا تستطيع الكويت تنفيذها؟
● هل نحتاج إلى تغيير الثقافة الإسكانية عند المواطن لحل المشكلة الإسكانية، فالمواطن لا يقبل بالبناء العمودي، ولا يقبل بتقليل مساحة القسيمة السكنية؟
– هذا أمر مهم، ولكن الأساس في حل المشكلة الإسكانية هو تغيير فكر الحكومة في المقام الأول، وتغيير فكر المواطن يأتي لاحقا. ونحن لا ننكر أن تغيير الفلسفة الإسكانية في الكويت جزء مهم من حل المشكلة الإسكانية، فالكويت لم تعد تتحمل السير على الدرب نفسه الذي تسير عليها منذ سنوات، فمنع ندرة الأراضي المتاحة أصبحت السياسة الإسكانية المتبعة حاليا غير مناسبة، ولابد من اللجوء إلى خيارات آخرى، وخلق خيارات مختلفة أمام المواطنين. ولكن في المقام الأول يجب تعديل القوانين المنظمة للعمل الإسكاني وتعديل الفكر الحكومي، والتعامل مع الحلول المطروحة بجدية، وتوضع كل هذه الاعتبارات على «الطاولة»، وتناقش مناقشة جادة، وتأخذ بعين الاعتبار احتياجات المواطن والعوامل النفسية للمواطنين ومدى تقبلهم للحلول، لأن كل منطقة لها تعامل مختلف عن الأخرى، فهناك بعض المناطق تتقبل أن تكون مساحة المنزل 250 متراً، وهناك مناطق تقبل بشقق سكنية بمساحات 200 أو 250 متراً، وبالأخير تبقى كل هذه حلول واقتراحات بسيطة وسهلة التنفيذ، ولكنها تحتاج إلى الجدية من قِبل الحكومة.
● هل الكويت تملك البنية التحتية التي تسمح لها بإنشاء مدن سكانية متعددة تحل الأزمة الإسكانية؟
حل هذه المشكلة يحتاج أيضا إلى تغيير فلسفة التخطيط للمستقبل المتبعة في الكويت، ويجب أن يكون أي سعي لحل المشكلة الإسكانية مترادفاً مع تحرُّك في تطوير البنية التحتية في البلاد، وعلى سبيل المثال المملكة العربية السعودية عندما حدثت لديها مشكلات نقص الكهرباء والماء مع التوسع في إنشاء مدن سكنية جديدة، أسست شركات كهرباء بمساهمة القطاع الخاص، وهذه الشركات حققت أرباحا، وهذا دفعها للتوسع في بناء محطات جديدة ومد شبكات جديدة وتوقيع اتفاقيات دولية عالمية، من أجل التطوير والتقدم، للإيفاء بالاحتياجات المتزايدة للكهرباء والماء في المملكة، ومن هنا تغلبت السعودية على مشكلة الطاقة بكل سهولة، وهذا أمر متبع في معظم دول العالم، ونحن لم نأتِ بجديد، بل كل ما في الأمر علينا الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ولكننا في الكويت للأسف دائما ما نخلق المعوقات، حتى لا ننفذ العمل ونحل المشكلات، «فمن يريدك ألا تقوم بالعمل يخلق لك المعوقات».
● ما الذي فاقم المشكلة الإسكانية حتى وصلت الطلبات الإسكانية إلى أكثر من 105 آلاف طلب إسكاني؟
– الذي فاقم المشكلة الإسكانية حتى وصلنا إلى الكم الكبير من الطلبات الإسكانية، هو ارتفاع حجم الطلبات الإسكانية سنويا، بمعدل يتراوح ما بين 8 و8.5 آلاف طلب، وهذا المعدل كبيرا جدا قياساً بحجم المساكن التي توفرها الدولة، وهذا ما أدَّى إلى تفاقم مشكلة الطلبات الإسكانية المتراكمة حاليا، ووصلنا إلى هذا الرقم الضخم، فالسبب الرئيسي لتراكم هذه الطلبات الفجوة الكبيرة بين عدد الطلبات التي تقدم سنويا وعدد المساكن التي يتم توفيرها. وتفاقم المشكلة بهذا الشكل جعل المواطن الكويتي يعاني طول انتظار دوره في تسلم مسكن، ففي أفضل الأحوال عليه الانتظار لأكثر من 15 عاماً، وأحياناً قد تصل المدة إلى 20 عاماً، مع الارتفاع المستمر في أعداد الطلبات الإسكانية.
حل المشكلة يحتاج إلى كويت جديدة
وفقا لأحدث دراسة أعدَّها اتحاد العقاريين بالكويت عن المشكلة الإسكانية، شملت حجم السكن الخاص القائم بشقيه (منازل جاهزة، وأراضٍ خالية) لعدد 66 منطقة في الكويت، فإن إجمالي عدد المنازل القائمة والقسائم الخالية في هذه المناطق بلغ 119.616 منزلا وأرضا خالية، وبلغ عدد القسائم الخالية في هذه المناطق 14.079 قسيمة، تعادل نسبة 11.8 في المائة من إجمالي عدد القسائم (الخالية والمنازل القائمة)، الأمر الذي يؤكد أن المشكلة تكمن بمحدودية عدد الأراضي الخالية في المنطقة الحضرية بالكويت. وأوضحت الدراسة أن إجمالي ما تم تشييده من بيوت يبلغ 105 آلاف بيت منذ نشأة الكويت وحتى الآن، وهذا العدد يشمل البيوت التي تم بناؤها من الحكومة (القسائم الحكومية في 66 منطقة فقط) يضاف اليها 20 الف بيت تم بناؤها من قِبل الأفراد على حسابهم الخاص، وهو ما يؤكد أن عدد الطلبات الإسكانية المقدر حاليا بـ 105 آلاف طلب يقترب من عدد المنازل القائمة في الكويت، وهو ما يعني أننا نحتاج إلى بناء كويت جديدةـ للإيفاء بالطلبات الإسكانية القائمة.