
تواصل «الطليعة» نشر دراسة تضمنها الإصدار الأخير لمركز الخليج لسياسات التنمية، الذي حمل عنوان «الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر»، وتسلط الضوء على الفصل الخاص، الذي حمل عنوان «الواقع والمأمول: رصد لحالات التطبيع في دول مجلس التعاون وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات»، الذي ينقسم بدوره إلى جزأين؛ الأول يرصد التطبيع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودولة الاحتلال، ويبحث في التوجه السياسي الرسمي حيال سلطة الاحتلال والوضع الراهن في فلسطين، فيما يسلّط الثاني الضوء على 5 شركات متورطة في جرائم الاحتلال، وهي ذات وجود كثيف في سوق الخليج، للفت الانتباه إلى خطورة دورها في دعم الاحتلال في فلسطين، على أمل استغلال هذا الوجود في الخليج، للضغط عليها، من أجل إنهاء تعاملها مع الاحتلال.
وفي ما يلي، نستعرض الشركات الموجودة في الخليج، وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
تسلّط الجزئية التالية الضوء على بعض الشركات التي تعمل في دول مجلس التعاون، وتساهم في الانتهاكات بفلسطين، بهدف مساعدة شعوب المنطقة على توجيه حملة المقاطعة ضد هذه الشركات المتورطة مع الاحتلال.
وفي هذا السياق، نستعرض بعض الحملات الناجحة ضد الشركات المتورطة مع الاحتلال، لإظهار فاعلية حملة المقاطعة.
وسنركز في هذا الجزء على المقاطعة التي تنادي بها حركة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» (المعروفة عالمياً باختصار BDS)، وهي حركة انطلقت في 2005 من قِبل أطر وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل والخارج. وعلى الرغم من أن هذه الحركة، في جوهرها، مبنية على جهود مقاطعة سابقة في فلسطين وجنوب أفريقيا وغيرهما، فإنها تستند إلى القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وتُطور استراتيجية المقاطعة وتوجهها، لتكون متماشية مع الوضع الراهن في العالم العربي والمجتمع الدولي.
نفسر سبب اختيار هذه الحملة، بأن حملات المقاطعة في الخليج عادة ما تتسم بالعاطفية، وتفتقر إلى تحقيق أهداف محددة، وتقتصر على مقاطعة استهلاكية على المستوى الفردي لمنتجات تم ربط منتجيها بالاحتلال، الأمر الذي يحول دون أن تخرج تلك الحملات بتأثير فاعل، ومع أن بعضها يترك تأثيراً على المدى القصير، إلا أن هذا التأثير سرعان ما يختفي، بسبب تركيزها على المقاطعة الفردية.
والسبب الآخر لاختيار حملة BDS، كوسيلة محبذة لاستهداف الكيان الصهيوني، هو رصيد النجاحات التي حققتها هذه الحملة في الآونة الأخيرة.
جدير بالذكر، أن حركة BDS تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وجميع مؤسساتها، حتى إنهاء احتلال 1967، وإنهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، القائم في أراضي 1948 وعودة اللاجئين، إلا أنها تؤمن بمبدأ الحساسية للسياق، أي أن تعود مسألة استهداف أي مؤسسات بالمقاطعة، والدعوة إلى سحب الاستثمارات منها إلى نشطاء الحركة، بناءً على واقعهم السياسي، ووضع تحالفاتهم، والتأييد الشعبي لهم.
وفي كثير من الأحيان، يستهدف نشطاء حركة المقاطعة في الغرب، مثلاً، الشركات العالمية والإسرائيلية المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967. وفي حالات متزايدة، بدأت تنجح حملات مقاطعة شاملة لإسرائيل، بالذات على الصعيدين الأكاديمي والثقافي (بما فيه الفني).
ولا تقوم استراتيجية حركة BDS على استهداف كل الشركات المتواطئة في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي دفعة واحدة، لأن هذا غير ممكن فعلياً، وإن كانت ممكنة، فيصعب استدامتها كاستراتيجية، لذا تركّز حملة المقاطعة على عدد محدود من الشركات التي تنطبق عليها المعايير التالية:
ـ تواطؤ الشركة في انتهاكات إسرائيل، وبالتالي إمكانية إقناع أوساط واسعة بمقاطعتها، أو سحب الاستثمارات منها.
ـ إمكانية تشكيل تحالف واسع ضد الشركة، بالذات إذا كانت تنتهك حقوق مجموعات أخرى، ما يتيح إمكانية العمل المشترك بين أنصار القضايا المتعددة.
ـ إمكانية تحقيق انتصار ضد الشركة، أي أن ناشطي الحركة لا يطلقون حملة مقاطعة ضد شركة أو مؤسسة، إلا إذا كانت هناك إمكانية واقعية للوصول إلى هدف الحملة، أو لتحقيق اختراق إعلامي أو توعوي في أوساط الرأي العام.
نجاح المقاطعة في الغرب
وقد نجحت الحركة في تحقيق إنجازات مهمة، باتباع هذه الاستراتيجية، ومن خلال تبنيها منهجاً موضوعياً مبنياً على جمع المعلومات ونشرها، وعدم اقتصارها على مقاطعة المنتجات بشكل فردي وعشوائي، وإنما أيضاً بالمناداة بسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الشركات الإسرائيلية والدولية المتواطئة في جرائم إسرائيل. وقد سجّلت هذه الاستراتيجية نجاحات عدة، بالذات في الغرب، وسنرصد بعضا منها في هذا الفصل.
أما السبب الآخر، في فاعلية هذه الحملة على الصعيد الدولي، فإنه ناتج عن جوهر أهدافها المنبثقة من القوانين الدولية ومفاهيم العدالة والمساواة، وهي مبادئ تبنتها العديد من المؤسسات الحقوقية دولياً، وتكمن المطالب في ثلاثة أهداف:
– إنهاء احتلال واستعمار الأراضي العربية (1967)، وتفكيك الجدار.
– الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة للفلسطينيين، وبحقوقهم الفردية والجماعية في أراضي 48.
– تطبيق حق العودة للاجئين، بناءً على قرار اﻷمم المتحدة رقم 194.
جدير بالذكر، أن هذه الأهداف مأخوذة «كحد أدنى» للحركة، وليست أهدافاً شاملة، خصوصاً في سياق الجمهور العربي، الذي قد تتعدَّى تطلعاته هذه الأهداف، كمنازعة حق استمرار قيام دولة إسرائيل كدولة يهودية عنصرية على أراضٍ عربية منهوبة.
وستناقش الأقسام التالية حالة 5 شركات ضالعة في نشاطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته، تستفيد من نشاطها التجاري في دول مجلس التعاون، ما يجعل هذه الشركات أهدافاً للمقاطعة والضغط من قِبل شعوب وحكومات دول المجلس على غرار حملات BDS الناجحة. جدير بالذكر، أنه سبق أن تم استهداف هذه الشركات بنجاح، كما ستبيّن السطور التالية.
أولاً: شركة فيوليا
توفر فيوليا (Veolia)، وهي شركة فرنسية، خدمات بيئية في مجالات المياه وإدارة النفايات والطاقة والنقل، ولها نشاطات تجارية بمناطق مختلفة في العالم. تعد هذه الشركة هدفاً لإحدى أنجح حملات حركة المقاطعة، التي انطلقت ضدها، بسبب ضلوعها في مشاريع ونشاطات استعمارية في أراضي 1967، الأمر الذي يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي ولحقوق الإنسان الفلسطيني.
دعم الاحتلال الإسرائيلي
تقوم «فيوليا» بدعم الاحتلال الإسرائيلي، من خلال بناء وتشغيل خط الترام، الذي يربط القدس المحتلة مع المستعمرات في أراضي 67، والذي ينقل المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى القدس الغربية.
وقد ندد مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالاستيطان الإسرائيلي، ووصفه بأنه «انتهاك واضح للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة»، كما أدانت عمليات الاستيطان القمة العربية، التي عقدت في الخرطوم في 2006، وتشغّل «فيوليا» 7 خطوط للحافلات على طريق 443 المعروف بطريق «الأبارتهايد» (أو بطريق الفصل العنصري)، بسبب منع الفلسطينيين من سلوكه.
وفي مجال النفايات، تعمل الشركة في معالجة النفايات، التي تجمعها من 21 مستعمرة في مكب توفلان، الواقع في أراضي 67، ما ترك آثاراً سلبية، صحياً وبيئياً، على السكان الفلسطينيين، وأدَّى إلى هجرتهم من المناطق القريبة من المكب. ودعت الأمم المتحدة، في تعليقها على هذه القضية، سلطة الاحتلال إلى «الكف عن إلقاء جميع أنواع النفايات في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، كما تعمل الشركة في معالجة مياه الصرف الصحي لعدة تكتلات استيطانية، بما في ذلك مستوطنة موديعين عيليت.
وعلى الرغم من أن الشركة ادعت بأنها ستنهي جميع عقودها في دولة الاحتلال، فإن لها تاريخاً من التضليل.. فبعد أن تسببت حملة المقاطعة بضجة حول مساهمتها في بناء ترام القدس، ادَّعت الشركة بأنها باعت عقدها للخطين اللذين يربطان المستعمرات الموجودة في القدس الشرقية بباقي القدس، لكن تبيَّن لاحقاً، أنها لا تزال تدير المشروع، وحتى لو انسحبت الشركة بالفعل من جميع المشاريع الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي، سيبقى خوفها من ملاحقتها قضائياً موجوداً، بما أن نتائج مساندتها للاستيطان وتهويد القدس لا يزال ملموساً ويساهم في توسع المستعمرات.
حملات المقاطعة التي استهدفت «فيوليا»
أدَّت التغطية الإعلامية لضلوع «فيوليا» في مشروع خط الترام إلى ردة فعل دولية (بما فيها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة)، ونتجت عنها حملات مقاطعة دولية عدّة، شملت الدعوة إلى سحب الاستثمارات من الشركة، ومنعها من المشاركة في مشاريع مستقبلية.
وبالفعل، باع عدد من الصناديق الاستثمارية في مختلف أنحاء أوروبا أسهمها في الشركة، وكذلك الصناديق السيادية في المملكة المتحدة وفرنسا والسويد وأستراليا، ومُنعت الشركة من المشاركة في العديد من المناقصات العامة في تلك الدول.
وعلى سبيل المثال، فقدت «فيوليا» عقداً قيمته 3.5 مليارات يورو لتشغيل مترو أنفاق مدينة ستوكهولم عام 2009، وفي بريطانيا تم استثناؤها من المشاركة في مناقصة لمعالجة النفايات في منطقة غرب لندن، بقيمة 485 مليون جنيه إسترليني، كذلك سحب الصندوق الاستثماري لطائفة الكويكرز في الولايات المتحدة، عام 2012، استثماراته من شركتي هيولت باكارد و«فيوليا»، بعد أن سحب استثماراته من شركة كاتربلر في العام نفسه.
وفي 2013، شهدت حركة المقاطعة BDS في الولايات المتحدة الأميركية نجاحات عدة ضد شركة فيوليا.
ففي نوفمبر، أزال أحد أكبر صناديق التقاعد الأميركية TIAA-CREF الشركة من قائمة الاستثمار الاجتماعي للصندوق، بعد ضغط من ائتلاف We Divest، شريك حركة المقاطعة في الولايات المتحدة، وأعلنت الشركة في الشهر نفسه انسحابها من تزويد مدينة سانت لويس (ميسوري) الأميركية بالمياه، بعدما شنَّ تحالف عريض، بقيادة ناشطي حركة المقاطعة، حملة ضدها. وخسرت الشركة سنة 2014 عقداً بقيمة 4.25 مليارات دولار في مدينة بوسطن الأميركية، من جراء تعرُّضها لحملة مقاطعة أخرى بقيادة نشطاء.
الكويت تقاطع «فيوليا»
عربياً، فقد استثنت الكويت «فيوليا» من عقد ضخم لمعالجة النفايات الصلبة، تقدَّر قيمته بـ 750 مليون دولار، بسبب تورطها في مشاريع إسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، كما قررت استبعاد الشركة من أي صفقات يتم طرحها مستقبلاً.
وجاء هذا الاستبعاد، نتيجة حركة المقاطعة المحلية التي تأسست في يونيو 2013 تحت رعاية جمعية الخريجين في الكويت.
نشاطات «فيوليا» في دول «التعاون»
يجب على دول مجلس التعاون الأخرى أن تحذو حذو الكويت في مقاطعتها للشركة الفرنسية، إن كانت تريد خدمة القضية الفلسطينية، لكن المفارقة أن بعض دول المجلس قامت بعكس ذلك تماماً.
ففي المملكة العربية السعودية، تعمل «فيوليا» من خلال شركتين محليتين (Veolia Water Solutions and Technologies Saudi-Industries Ltd. and Sidem Saudi Ltd).
وفي عام 2013، وقعت عقداً بقيمة 300 مليون يورو مع شركة مرافق الكهرباء والمياه بالجبيل وينبع لبناء مصنع لتحلية المياه، كما وقعت 62 صفقة في المملكة العربية السعودية منذ عام 2007. وفي عام 2008، وقعت صفقة أخرى مع شركة المياه الوطنية لإنتاج المياه وتوزيعها وجمع مياه الصرف الصحي، التي تخدم 4.5 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن يحقق العقد أرباحاً للشركة تقدَّر بأربعين مليون جنيه إسترليني.
وفي قطر، اشترت شركة ديار، التابعة للصندوق السيادي القطري للاستثمار، 5 في المائة من أسهم «فيوليا»، ما أتاح لها الحصول على مقعد في مجلس إدارة الشركة الفرنسية يشغله أ.خالد إبراهيم السيد منذ عام 2010، لكن هذا الاستثمار لم يؤدِ إلى ضغط على الشركة لإنهاء النشاطات الاستيطانية للشركة.
وفي الإمارات، فازت شركة دلكيا (Dalkia)، التابعة لـ«فيوليا» باعتماد دولة الإمارات العربية المتحدة في يونيو 2014، ما سيساعدها على التوسع في الدولة.
وتعد MAF Dalika مشروعاً مشتركاً بين «دالكيا» و«ماجد الفطيم».
وخلال الأعوام الـ12 الماضية كان للشركة دور كبير في مشاريع متعددة في الإمارات، كمطار أبوظبي وجزيرة السعديات، التي ستستضيف متحف اللوفر وغوغنهايم، كما عملت في قطر على استراتيجية إدارة الطاقة لمجمع الستي سنتر في الدوحة.